متحدثاً بلغة العقل والتسامح والمودة والحب استهل سماحة المفتي العام للجمهورية الدكتور "أحمد بدر الدين حسون" ندوته الحوارية ودعا إلى وحدة الصف وانتقاء الكلمة الطيبة ونبذ الكلمة المسيئة مؤكداً أهمية دور رجال الدين بدرء الفتنة واستئصال جذورها.

وأضاف الدكتور "حسون" مخاطباً أهل "اللاذقية" وعلماءها ومثقفيها قائلاً: «مخطئ من يظن أن في الغرب حضارة وحرية أو حقوقاً للإنسان فهؤلاء الذين يدعون حزنهم على الشهيد "حمزة الخطيب" وهو ابننا وشهيدنا الذي بكت قلوبنا عليه هم من قتلوا أكثر من \400\ ألف عراقي وأكثر من \700\ ألف أفغاني، وإذا كنا نحن سنحاسب من قتل شهيدنا وهذا مؤكد فمن يحاسب هؤلاء على قتلهم أبناء العراق وأفغانستان؟ أليس أجدر بمحكمة الظلم الدولية (العدل الدولية) أن تقوم بمحاكمتهم؟.

سورية على مر العصور كانت عبارة عن سفن للتواصل مع الحضارات والشعوب وملتقى للحوارات ومركزاً مشعاً للحضارات وسماحة مفتي الجمهورية خير سفير لسورية فقد نطق بلسان كل سوري محب لوطنه

لقد قدمنا للغرب القيم الإنسانية تباعاً والعلامة "ابن فضلان" هو الذي علمهم الحضارة بعد أن كانوا يقتل بعضهم بعضا هذا الكلام قلته للسفير الدنماركي في دمشق قبل أيام.

علماء الدين في اللاذقية وهم ينصتون لكلام المفتي

في يوم من الأيام ظننا أن الغرب أكثر حضارة وحرية منا لكن عندما زرت أوروبا رأيت بأم عيني حريتهم عندما حولوا المفكر الفرنسي "روجيه غارودي" إلى محكمة أمن الدولة فقط لأنه تحدث عن المحرقة اليهودية».

يتابع سماحة مفتي الجمهورية ودموعه تذرف على أهل العراق وقد قتل بعضهم بعضاً: «أقبل أيديكم وجباهكم وأقدامكم يا أبناء وطني من "درعا" إلى "البوكمال" وأطلب منكم ألا تدعوهم يجعلوننا نقتل بعضنا بعضاً فوالله لو أصبحنا ملَّة واحدة لجعلونا نتمزق سياسيا إلى أحزاب ضيقة حتى نقتتل لأنهم لن يسمحوا لنا أن نتوافق ففي ذلك أذىً لمشاريعهم ومخططاتهم الاستعمارية.

قبل سنوات بعيدة التقيت بالأخ اللبناني "إيلي حبيقة" وروى لي قصة صغيرة قال فيها (قلت للرئيس الراحل حافظ الأسد خذ جزءاً من طرابلس وضمه إلى سورية ودعنا نقسم لبنان إلى دولة "درزية" وأخرى "شيعية" وثالثة "مسيحية") فرد عليه الرئيس الأسد وقد التقط خريطة سورية بيده وقال (خذ ما أردت من سورية وأبقي لبنان موحداً)، وبعد هذه الإجابة قال "حبيقة" والله أحببت أن أقبل يد الرئيس "حافظ الأسد" وأنا الذي لم أعتد أن أقبل إلا يد ماروني».

وعن مسيرة الإصلاح في سورية قال "حسون": «أُشهد الله أن مسيرة الإصلاح والعمل والبناء قد بدأت وأن هناك من يريد تهديمها وتدميرها، وهناك أكثر من عشرة لجان تعمل ليل نهار من أجل الإصلاح وقانون الأحزاب قادم وسيكون قانوناً ثقافياً واعياً مدروساً يقينا ما حصل في "تونس" التي أصبح فيها أكثر من \90\ حزباً سياسياً، أما فيما يتعلق بالفساد فما كتب عن هذا الموضوع وما فتح من ملفات خلال الأسبوعين الماضيين يقدر بالآلاف ولا أحد على رأسه غطاء وثقوا بأن الكل سيحاسب، وفي موضوع الفساد هناك واجب على المواطن ألا يتستر على أحد وألا يقول فلان ابن عمي أتجاهله وأذكر فلان لأنه لا صلة تربطني به.

ابتسامة لاتفارق وجهه.

يا أبناء وطني دعونا نجعل العفو نموذجاً لنعيش مع بعضنا بعضا ونحول القتال إلى صلح والصدام إلى تحابب، وتعالوا لنضع أيدينا بأيدي بعضنا بعضا لنحفظ دولتنا ونبقيها شامخة فهي والله أصبحت وحيدة، وأنقى تعبير أتوجه به إلى مسؤولي المحافظة الموجودين هو تعبير الرئيس "بشار الأسد" عندما قال (اجعلوا المواطن بوصلتكم)، فالكعبة وضعت لنا ولم نوضع لها وعندما نذهب للكعبة فإننا نذهب لكي نتعلم التضحية من سيدنا إبراهيم عليه السلام».

المفتي "حسون" وعقب انتهاء ندوته في دار الأسد للثقافة باللاذقية يوم الثلاثاء 1/6/2011 توجه موقع eSyria له بالسؤال عن دور المساجد في درء الفتنة فأجاب بالقول: «للمساجد دورها في حياة الإنسان ولا يجوز أن يتحول إلى موقع لتمزيق الناس لكيلا يفقد رسالته، فالمسجد جامع لأنه يجمع الناس وحين يفقد رسالة الجمع لا يبقى جامعاً، كل من يقف على منبر ليفرق بين الناس ويمزق الأمة فهو خطيب ضرار ومسجده مسجد ضرار، أما المسجد الذي جمع الأمة وأطلقها في العالم فهو مسجد الرسول "ص" الذي كان يستقبل فيه المسلم وغير المسلم ليرقى بهم إلى السماء، مساجد سورية وجوامعها هي لتوحيد الكلمة وما رأيناه في اللاذقية هو نموذج للجامع في سورية نموذجٌ كيف يبنى بيت الأسرة، أرجو الله عز وجل أن يجزي القائمين على الأوقاف خير جزاء، وأدعوهم أن يوجهوا الأئمة والخطباء بالرسالة لا بالوظيفة، فالوظيفة يمكن أن يقوم بها أي إنسان أما الرسالة فلا يقوم بها إلا ورثة الأنبياء الذين يجمعون العالم أجمع.

حب الوطن من الإيمان ومن لا يحب وطنه لا إيمان له ومن يشتم وطنه وأبناء وطنه من خارج وطنه فهو إنسان لا عرض له ولا إيمان له ولا أمان له، فإن وجد خطأ في وطنه فليعد إلى وطنه ليصلح الخطأ أما أن يهدم وطنه بحجة الإصلاح فأقول له لقد فقدت هذا الحب عندما فقدت المواطنة، حب الوطن من الإيمان ولا إيمان لمن لا وطن له.

ولمن فقدوا بوصلة الطريق ندعوهم للحوار، فلا نكفرهم وإن كفرونا، ونقول اللهم أهدنا واهدهم، نحن لا نشتم من شتمنا وإنما ندعو الله ونقول اللهم أصلحهم وأصلحنا».

ندوة سماحة المفتي شهدت إقبالاً كبيراً ومتنوعاً من مختلف الشرائح والجنسيات المتواجدة في اللاذقية، موقع eSyria وعقب انتهاء الندوة التقى مع السيد "أحمد خزندار" وهو فلسطيني مقيم في سورية حيث قال: «سورية وطن الكرامة والمقاومة والشرف سورية الدولة التي قدمت التضحيات الجسام من أجل كرامة أمتها ومنعتها، لقد وصَّف سماحة المفتي المؤامرة التي تتعرض لها سورية وعرى الغرب وتاريخه كاشفاً جرائمه المستمرة تجاه البشرية ونحن كشعب فلسطيني من أكثر الشعوب التي دفعت ثمن غدر الغرب وخيانته فهم لا يهتمون لآلاف اللاجئين الفلسطينيين وعشرات القتلى والجرحى الذين يسقطون كل يوم برصاص الاحتلال الإسرائيلي لكنهم في حال دافع شعبنا عن نفسه يصبح شعباً اراهابياً قاتلاً ويبررون للكيان الصهيوني كل جرائمه، بئساً للغرب ولرجال الدين الذين يحرضون على سورية، وشكراً لسماحة المفتي الذي قدم مثالاً يحتذى به بالانتماء الوطني وإعلاء كلمة الحق».

فيما يقول المهندس "نجم الدين حسن": «إنني أتفق مع الدكتور "أحمد حسون" في ضرورة العفو والتسامح والسمو فوق الجراح من أجل وحدة الوطن ومنعته، كما أنني أقف معه في دعوته إلى عدم الرد على التكفيريين بالتكفير مثلهم لأن هذا ما يريدون أن يجروننا إليه فهم كل غايتهم أن ننقسم إلى قسمين كل قسم يكفر الآخر فيقتتل المسلمون فيما بينهم بينما هم يعيشون حياةً هانئةً ويتابعون ما يحدث من بعيد وحين ننتهي من بعضنا ينقضون على وطننا ويعيدون استعمارهم له من جديد».

بدورها "نعمى الخطيب" وهي طالبة "حقوق" قالت: «لقد حدثنا حديث الإسلام الصحيح حديث الفكر لا حديث القتل والحرق لقد جندنا بحديثه لكي نكون جنوداً يدافعون عن الاسلام والوطن في ظل حملة شرسة تريد النيل من الاثنين فهم يريدون تدمير سورية عبر بث الفتنة بين أبنائها كما يريدون تشويه صورة الإسلام من خلال دعمهم لرجال دين تكفيريين لا ينطق لسانهم إلا بدعوات القتل والحرق والتفتيت لكي يصوروا الإسلام على أنه دين جوهره القتل في حين أن جوهر الإسلام هو العدل والحب والمساواة والتسامح».

الدكتور "فراس بسمة" وهو رئيس نقابة الصيادلة المنظمة والداعية للندوة، علق على الندوة وعلى ما جاء فيها قائلاً: «سورية على مر العصور كانت عبارة عن سفن للتواصل مع الحضارات والشعوب وملتقى للحوارات ومركزاً مشعاً للحضارات وسماحة مفتي الجمهورية خير سفير لسورية فقد نطق بلسان كل سوري محب لوطنه».