جاء عرض فيلم "مريم " للمخرج "باسل الخطيب" فرصة للجمهور السوري لاستعادة عوالم السينما بطقوسها الاجتماعية الجليلة، وأضاف الفيلم بنصه وإخراجه إلى هذه الاستعادة بعدها الجدلي فكان هناك الكثير من الكلام عنه.

يتحدث الفيلم عن مصير "ثلاث" نساء سوريات حملن اسم "مريم" في ثلاثة أجيال تشمل مئة عام تقريباً من تاريخ "سورية" تبدأ من "صافيتا" عام 1918 عقب خروج العثمانيين من "سورية" لتنتهي منتصف الأزمة السورية عام 2012 نهايةً مفتوحة تركت لدى الجمهور أسئلة إبداعية ومعرفية؛ حرص "المخرج" على زرعها في ثنايا الفيلم.

حضرته عدة مرات لأنني أحببته إلى درجة البكاء، "مريم" هي صورة كل امرأة سورية حقيقية، من المرأة الفلاحة إلى المرأة المتعلمة، كلهن يردن الحياة خارج العنف والقتل والدمار، ليست فقط غريزة الأمومة من تحركهن، بل قيمة الحياة وقيمة الحب وهذه القيم هي التي تقدمها المرأة السورية لأبنائها وتستمر في إرضاعها لهم

"إنهن مثال مريم العذراء"، بهذه العبارة افتتح السيد "أحمد عيسى" وهو موظف في "المنطقة الحرة" في "اللاذقية" حديثه لمدونة وطن “eSyria” بتاريخ 18 كانون الأول 2013 وتابع بقوله: «المريمات السوريات في الفيلم هُن الصورة الحقيقية لنساء "سورية" أثناء الحروب الكثيرة عليها وعليهن أيضاً، هذه الصورة ترقى إلى مرتبة القداسة فهن المضحيات الأبديات كي تستمر الحياة، والقيم التي يدافعن عنها هي قيم الحياة والاستمرار بزرع الفرح رغم كمية الألم الفظيعة التي تقدمها صور الفيلم المتسارعة أمام عين المشاهد».

نضال نجار والمخرج مازن يونس

ويضيف إلى قوله: «تلعب كاميرا "باسل الخطيب" بدقة على العناصر الطبيعية كالمطر فتكون جزءاً من العمل السينمائي، فيبدو المطر كإيقاع بيانو هادئ لكن يكمن فيه الفوران مع المشاهد الصعبة محققاً ثنائية الأذن والعين معاً، كذلك يركز على تقديم الوجوه حيث بدت الكاميرا تبصق بوجه الجندي الصهيوني في مشهد اعتقال "مريم"، وفي نفس الوقت توضح العجز الكبير الذي أصاب الجندي العربي عام 1967 في مشاهد تدمير "القنيطرة"».

ويؤكد هذا الكلام أيضاً عدد ممن تابعوا الفيلم، فقد تحدثت الآنسة "وفاء الشيخ" خريجة أدب إنكليزي وموظفة قطاع خاص فقالت: «حضرته عدة مرات لأنني أحببته إلى درجة البكاء، "مريم" هي صورة كل امرأة سورية حقيقية، من المرأة الفلاحة إلى المرأة المتعلمة، كلهن يردن الحياة خارج العنف والقتل والدمار، ليست فقط غريزة الأمومة من تحركهن، بل قيمة الحياة وقيمة الحب وهذه القيم هي التي تقدمها المرأة السورية لأبنائها وتستمر في إرضاعها لهم».

سلاف فواخرجي مع الأنسة وفاء الشيخ

في الجانب الآخر رأى بعض جمهور الحاضرين أنّ الصورة التي قدمت للنساء السوريات سلبية أكثر من اللازم، السيد "نضال نجار" (محاسب مالي من جبلة)؛ تحدث بعد عرض الفيلم فقال: «يغلب على كل "مريم" في الفيلم الانفعال وتلقي الأوامر، فتحسها كائناً لا حياة فيه ولا إحساس وغير فاعلة أبداً، فمثلاً لماذا لا يبدو العمر على "أم مريم" الأولى (قامت بدورها الفنانة لمى الحكيم) بعد حرق "مريم" لنفسها في حين يبدو ذلك واضحاً على زوجة البيك؟ كل "مريم" في الفيلم تكتفي فقط بدرء الشر الذي سيصيبها إما بالهرب أو بالموت أو بالتضحية، فهي ليست فاعلة ولا تحرك أي حدث من الأحداث».

وأضاف السيد "نجار" بقوله: «الفيلم أخذ ضجة بالنظر إلى ظروف البلد الراهنة، ولو كانت الظروف مختلفة لما نال الفيلم أية ضجة، كيف يمكن إقناع المشاهد بأنه ليس لدى الجندي أية طلقة في تلك اللحظة المصيرية؟ لقد بدا الجندي عارياً جداً من جنديته، إنها ثقافة المرار والهزيمة التي تبث على مدار الفيلم، رغم جمالية التصوير الواضحة، وهي ثقافة برأيي مرفوضة خاصة في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها البلد، نحن نحتاج إلى ثقافة المبادرة والعمل والدفاع عن كل بقعة ضوء في هذا الظلام السوري».

لقطة من الفيلم تجمع مريم الأولى وأمها

نقدياً أيضاً من الناحية التقنية تراوحت الآراء ما بين مرحب جداً بالفيلم وما بين ساخط عليه، المخرج الشاب "مازن يونس" تحدث عن الفيلم فقال: «إن التقنيات المشهدية في الفيلم تمثل تطوراً لافتاً في السينما السورية، فمشاهد المعارك والحصان الخارج من القيد رغم أنها مشاهد عادية في السينما العالمية، إلا أن إخراجها في السينما السورية جديد ومميز، أيضاً شكل الانتقال الزمني للعرض وتداخل الشخصيات تجربة جديدة مميزة، وحتى النص استطاع أن يعرض لتاريخ طويل عبر مشاهد مختارة من لحظات سورية هامة وفاصلة».

ظهر ضعف الفيلم في "السيناريو" (كتبه تليد الخطيب)؛ حسب قول المخرج المسرحي المعروف "فرحان خليل" الذي رأى أن السيناريو ضعيف وإن حمل بذور عمل فني مميز كان يمكن له أن يكون أكثر اكتمالاً مع العناية بتفاصيل العمل، ويقول المخرج "خليل": «السينما هي لغة الكاميرا بالتأكيد، وأن يكون في فيلم مثل "مريم" مونولوج مدته ما بين 5-7 دقائق والكاميرا ثابتة (مشهد الجدة صباح الجزائري في المأوى)، فهذا خطأ سينمائي واضح، وهنا أقول إن الخلل في السيناريو حيث يكون المونولوج السينمائي بالمنطوق الكلامي طويلاً بهذا الشكل والكاميرا معطلة بثباتها، ما يدفع المشاهد ببساطة إلى الابتعاد عن متابعة الحديث - الحدث».

إلا أن تعدد الآراء هذا لم يمنع المشاهدين من إبراز إعجابهم بالفيلم في حد ذاته، ولجهة عرضه في هذه الفترة بالذات حيث نحتاج كلنا إلى وجبات إضافية من الفن والسينما والإبداع، والمطر الذي يهطل في نهاية الفيلم مع مشهد احتضار الجدة الكبرى يؤكد أن الفجر آت رغم كل ما حصل.