في خيمة بسيطة على مفرق "البواب" في قرية "شريفا" شمالي شرقي "اللاذقية"، يعمل من الصباح حتى المساء لتأمين لقمة عيشه وأسرته، الحرفيّ "إبراهيم سكيف" الذي تفوّق على شلل أصابه منذ الطفولة، واحترف مهنة نسج القصب التراثية.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 23 آب 2017، "إبراهيم سكيف" في خيمته، فتحدث عن كيفية تعلّمه تلك المهنة: «ورثت مهنة نسج القصب من والديّ اللذين كانا يتقناها كما سكان القرية كافة، فهي مصدرهما الوحيد للعمل وتحقيق الدخل المادي لتربيتي وإخوتي. بدأت النسج بعمر ثلاث عشرة سنة، وتعلمت من خلال مراقبتهما أثناء النسج ثم التجريب ومساعدتهما في العمل، وبعد أن أصبح لدي أسرة وأولاد كان لا بدّ من مضاعفة العمل لتأمين حياة كريمة، فلا أملك وظيفة أو راتباً أو أرضاً».

ورثت مهنة نسج القصب من والديّ اللذين كانا يتقناها كما سكان القرية كافة، فهي مصدرهما الوحيد للعمل وتحقيق الدخل المادي لتربيتي وإخوتي. بدأت النسج بعمر ثلاث عشرة سنة، وتعلمت من خلال مراقبتهما أثناء النسج ثم التجريب ومساعدتهما في العمل، وبعد أن أصبح لدي أسرة وأولاد كان لا بدّ من مضاعفة العمل لتأمين حياة كريمة، فلا أملك وظيفة أو راتباً أو أرضاً

ينتظر "إبراهيم" موسم القصب ويخزّن مؤونة تكفل له العمل على مدار العام، يضيف قائلاً: «أقطع القصب بكميات كبيرة من وديان "شريفا" وأطراف السواقي والأنهار في شهري آب وأيلول وأخزّنه؛ وهو ما يكفل تجفيفه الذي يساهم في إنجاز القطعة وديمومتها بشكل أفضل والعمل لباقي أشهر السنة. وكما يقال: (كل ما عتق بحن)؛ أعتّق القصب ليصبح أكثر مرونة في النسج، وبعد ذلك أقوم بفرز القصب حسب حجمه إلى قصب ناعم وآخر خشن، وتقشير القصبة وتنظيفها ثم شقّها وتقطيعها إلى قطع ناعمة تنسجم مع أشغالي وأدواتي البدائية والبسيطة، كالسكين والمقص والمنجل».

إبراهيم في العمل

ملامح وجهه وأصابعه تدل على أنها مهنة شاقة، يقول: «لا شكّ أنها مهنة شاقة ومتعبة، لكنها نظيفة وتتطلب الوقت والجهد وتناسب وضعي الصحي، وأنسج بصمت، حيث تعدّ المرحلة الأولى أرضية القطعة "البدي" من أصعب المراحل وتحتاج إلى الدّقّة والتركيز، ثم المرحلة الثانية "جدارية القطعة"، ويختلف القصب فيها عن الأرضية، وأزيّنها بعروق الريحان، وأنجز في اليوم الواحد نحو خمس قطع، أنسج السلال و"السانون" (القُفّة أو الوعاء الكبير من القصب)، والقناديل القصبية، وأشكال للزينة، وأصائص الورد، ويستخدمها الناس في جني محاصيلهم الزراعية وأصحاب محال المعجنات والأفران، ويأخذها صيادو السمك أيضاً. شاركت بمعارض عدّة، وفي الماضي أرسلت منتجاتي إلى أسواق "الحفة" و"اللاذقية"، والآن أعرضها في خيمتي ويأتي بعضهم من "اللاذقية" و"جبلة" و"الحفة" لشراء ما يحتاجون إليه لمحالهم، ومنهم من يشتريها ويرسلها إلى "تركيا"».

الإعلامية "أسما قاسم" من أهالي القرية، قالت عن "إبراهيم": «هو من الناس الفقراء، ووضعه المادي سيّئ، لجأ إلى هذا النوع من العمل والحرفة على الرغم من إعاقته والجهد الصعب الذي تتطلبه، إلا أنه يعمل لتأمين لقمة العيش له ولأسرته وتعليم أولاده الذين يدرسون في المدرسة والجامعة، كما أن أهل القرية احترفوا هذه المهنة وورثوها من أجدادهم وآبائهم، لكن الوظيفة والعمل الزراعي جعل تلك المهنة مهمشة نوعاً ما من قبلهم، ينتج "إبراهيم" قطعاً فنية من القصب، فقد ابتعد عن العمل التقليدي والشكل الدائري، وأصبح ينسج القطع بأشكال هندسية مختلفة، وأسعاره مقبولة ورخيصة، ولا توازي تعبه، وهو محبوب ويتعاطف الناس معه، ويتصف بالطيبة والصدق في العمل».

بعض منسوجاته

الجدير بالذكر، أن "إبراهيم سكيف" من مواليد "شريفا" عام 1967، ويعدّ علامة فارقة في القرية.

الإعلامية أسما قاسم