فنان مجتهد أحبّ الرسم بشغف، فأعطاه وأخلص له، ليبدأ الحصاد؛ لوحات تحاكي الإحساس والجمال واللون والتكوين والدهشة، محمّلة برسائل محبة وفاعلة بآن معاً.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 12 تشرين الأول 2017 مع الفنان التشكيلي "تمام محمد"، الذي أدرك موهبته منذ الصغر، فأشعلها بالجهد والمثابرة رافعاً راية الجمال والصدق، وعن فنه وبداياته قال: «أنا أنتمي إلى تلك البقعة من الأرض التي اسمها "سورية" الحبيبة، بلد الحضارات. لا أذكر نفسي إلا وأنا أمسك قلم الرصاص، وهذا قبل دخولي المدرسة؛ أي بعمر الخامسة، أرسم أشكالاً بسيطة وعفوية، وكنت أجلس ساعات لأشكل من أصابع المعجون أحلامي الصغيرة وأشيائي الخاصة. البداية كانت مشاركتي مع منظمة طلائع البعث ممثلاً عن "اللاذقية"، حيث كنت طفلاً شغوفاً بالرسم، فهو الأرجوحة التي كانت تمسك بطفولتي لخلق عالم جميل ينبض بالحياة، وأختي الكبرى كانت تحثني على الرسم؛ فهي أيضاً موهوبة وترسم بأسلوب جميل».

اللوحة جزء من الفنان، أشتاق إلى اللوحة بعد غيابها؛ فهي قطعة من روحي، ولنستمر يجب أن نبيع، وفي النهاية، وجدت اللوحة لتعلق على الحائط، في متحف أو منزل أو معرض. شاركت بمعارض ضمن "سورية" وخارجها، وفي كل معرض يجب أن يقدم الفنان أحدث لوحاته وتجربته وهويته الفنية، ولكل إنسان رسالة يجب إيصالها إلى الآخرين، المهم أن تكون رسالته فاعلة ومميزة وصالحة

الفن عملية بحث ومازلت في البداية، وتابع: «عادة يكون الثلث الأخير من حياة الفنان مهماً حيث يبدأ الحصاد؛ فنظرتك إلى الحياة تختلف، وتنضج التجربة الفنية لتتوضح الهوية وتتبلور، ويجب ألا يتشبع الفنان حينئذ بالرضا الكامل عن أعماله، لأن الفن هو عالم من السحر والجمال، والجمال لا حدود له كما الحياة والإنسان. حالياً أنا متفرغ للرسم؛ لأنه يحتاج إلى ممارسة وتجريب ومتابعة يومية، وعندما تعطي الرسم جهداً وصدقاً، لن يخونك؛ فالرسم مخلص وسيعطيك، وهو روحك الثانية التي تمشي على الأرض، والمسألة مسألة وقت فقط، وما عليك إلا أن تركب صهوة جيادك وتتلمس طريقك ممسكاً بريشتك السحرية الملونة، وتجول على تلك المسافة البيضاء معلناً ولادة جديدة».

من لوحاته

وأضاف: «الفن التشكيلي يختلف من مجتمع إلى آخر؛ فاللوحة تعكس ثقافة هذا المجتمع، وهي توثيق دقيق لحالة المجتمع الثقافية، ولقد تعرفنا إلى الكثير من ثقافة المجتمعات من خلال الأعمال النحتية واللوحات المنتشرة في المتاحف العالمية.

الفن هو الحياة والجمال والانسجام والإنسان. أدخل الى المرسم وأمامي مساحة بيضاء من القماش، ومن دون أن أشعر يمرّ الوقت بسرعة في لحظات من التأمل وأجواء ساحرة، وليس هناك أي وقت محدد للرسم، ولا يوجد أي طقس من الطقوس، وليس هناك ضربات سريعة؛ فطبيعة أعمالي تحتاج إلى هدوء ولمسات مدروسة، إنها رغبة واحدة قوامها البقاء في عدة سنتمترات من فضاء اللوحة، ولا توجد تقنية محددة أو قياس محدد للعمل، التقنية مفتوحة؛ لأنني أحب التجريب؛ وهذا شيء مهم في الفن، وكل لوحة لها خصوصيتها، وهناك بصمة لكل فنان وتجربة أو ربما هوية، والأهم أن نرسم ونبحث ونكتشف ونستمتع ونترك الحياة لتحكم على أعمالنا، والفن في تجدد دائم، ومعظم أعمالي بالألوان الزيتية، وهي بين الحداثة والتعبيرية، وهي مزيج بين التجريد والتعبير. أحياناً أرسم أعمالاً كلاسيكية، وأحب رسم الطبيعة، وتعد المرأة موضوعاً ثرياً بالنسبة لي ولمعظم الفنانين منذ بدء الفن، حيث كانت وما زالت تضيف إلى العمل جمالاً وسحراً، وهي حاضرة دائماً في لوحاتي، إنها لغز.

لوحة "دبكة" المقتناة في صالة لمياتوس 3غاليري دبي

أحب لوحات "بيدر مونستر" و"رمبرانت وسلفادور دالي"، وكل فنان هو معلم لنا، ولديه جمال خاص به، و"أوروبا" كانت ومازالت معقل الفن، وأحب الفن التشكيلي الروسي؛ فالروس مبدعون في جميع المدارس الفنية للرسم، وقد أثبت الفنان الروسي حضوره في جميع أنحاء العالم».

ولدى سؤالنا عن شعوره عندما تباع لوحاته، أجاب: «اللوحة جزء من الفنان، أشتاق إلى اللوحة بعد غيابها؛ فهي قطعة من روحي، ولنستمر يجب أن نبيع، وفي النهاية، وجدت اللوحة لتعلق على الحائط، في متحف أو منزل أو معرض. شاركت بمعارض ضمن "سورية" وخارجها، وفي كل معرض يجب أن يقدم الفنان أحدث لوحاته وتجربته وهويته الفنية، ولكل إنسان رسالة يجب إيصالها إلى الآخرين، المهم أن تكون رسالته فاعلة ومميزة وصالحة».

الطبيعة بريشة الفنان تمام محمد

الفنان التشكيلي "موفق مخول" المتابع لأعمال الفنان التشكيلي "محمد"، قال: «من الفنانين السوريين الجادين في حب الفن، وأعماله تحمل الحسّ الإنساني في الطرح، وتركز أغلب الأحيان على وجود الإنسان فيها، مع التكوين المعاصر للشكل وروحانية اللون اللطيف والحديث، الذي يخلق دهشة بصرية فيها سعادة وإعجاب وسؤال، وتشعر بحلم ينتظرك. فنان يملك الإبداع والتفكير المعاصر في البحث، ولوحاته تحاكي الإحساس والجمال واللون والتكوين والدهشة، لقد أغنى الفن التشكيلي السوري بأعماله».

وبدوره الفنان التشكيلي "بسام ناصر" أعطى رأيه بأعمال الفنان "محمد"، وقال: «يتميز بأناقة الشكل، وخبرة كبيرة في التعامل مع اللون، ودراسة معمقة لبناء اللوحة حتى تصبح جاهزة للعرض، وهو من الفنانين النشيطين؛ إذ يرسم يومياً، واليوم الذي لا يرسم فيه لا يعدّه من عمره؛ وهذا الأمر أكسبه خبرة كبيرة في التعامل مع الألوان، وانعكس على لوحاته وضربات ريشته، ليبني العمل بشكل صحيح متناغم الألوان، فتصبح اللوحة دافئة ولو استخدم فيها الألوان الباردة. تبرز المرأة بأناقتها ووقارها في لوحاته مكونة العنصر الأساسي بين العديد من العناصر الأخرى، فالفنان يصبّ جلّ اهتمامه في رسمها بأدق تفاصيلها، وكأنه يحاول نقل بعضاً من روحه ونقلها إليها، في حين تسقط باقي التفاصيل للعناصر الأخرى المحيطة؛ فالمرأة هي المركز والمحور، وهي مقدسة وتجذب عين الناظر مباشرة إليها من دون ملل، وتنطبع صورتها في وجدان المتلقي عندما يبتعد عنها».

يذكر أن الفنان "تمام محمد" من مواليد "اللاذقية"، عام 1972.