كوّنت ذاكرة وخبرة كبار السن المتوارثة، ومشاهداتهم لظواهر وتغيرات الفصول الأربعة وما يرتبط فيها من استقراء للأحوال الجوية والحياة الطبيعية، ثقافة محلية شعبية، وكانت مصدراً مهماً للمعرفة في مواجهة ظروف الحياة الصعبة المتعلقة بمزروعاتهم، فكانت روزنامتهم الخاصة في الزراعة.

مدونة وطن "eSyria" التقت المزارع "وفيق صالح صقر" بتاريخ 16 شباط 2017، ليحدثنا عن "المربعانية والخمسينية" وعلاقتهما بالزراعة بالقول: «منذ القديم قسّم أجدادنا فصل الشتاء البالغ عدد أيامه 90 يوماً إلى قسمين: "المربعانية"؛ وهي أربعون يوماً تبدأ في 21 كانون الأول، وتنتهي في 30 كانون الثاني، وهي العمود الفقري لفصل الشتاء، ففيها البرد الشديد والثلوج والأمطار الكثيرة، وعُدّت المؤشر الذي يدل على جودة الموسم الزراعي وكميته، فإذا كانت "المربعانية" ماطرة، فإن ذلك يعني أن الموسم وفير هذا العام وبالعكس، وهذا ما كنت أسمعه من جدي في القديم، حيث كان يؤكد المسنون من خلال تجربتهم أن دخول المربعانية ببرد وجفاف من دون أمطار، يعني أن معظم أيامها ستكون باردة، وبالعكس إذا كانت مسبوقة بأمطار، فستكون معظم أيامها ممطرة؛ مستندين إلى إرث من خبرات الآباء والأجداد الذي يمتد إلى مئات السنين. وقد قيل في المربعانية الكثير من الأمثال الشعبية التي تعكس علاقتها بوفرة الموسم الزراعي، ومنها: "المربعانية يا بتربع يا بتقبع"، و"بتربع" بمعنى تسمن لكثرة المطر والعشب، و"بتقبع" تضعف وتزول لقلة المطر والعشب. و"المربعانية يا شمس بتحرق يا مطر بيغرق"، وهذا المثل يدل على ارتباط المردود الطيب بكمية المطر الهاطل خلالها، فتكون سنة خير؛ لأن المربعانية في "كوانين" وهما شهرا المطر الغزير والأساسي في فصل الشتاء».

منذ القدم اعتمد أجدادنا على "المربعانية والخمسينية" في تحديد مواسم مزروعاتهم المتنوعة حتى أصبحت بالنسبة لنا بوصلة العمل والمدرسة الزراعية الأولى التي علمتنا كيف نمشي على روزنامتهم الخاصة بالزراعة منذ آلاف السنين، ولا نزال نعتمد عليها حتى الآن، ففي أربعينية الشتاء يقوم المزارعون بتهيئة مساكب وأصائص لزراعة البذار المتنوعة من خضار وتبغ، وتوضع في مكان محمي ودافئ لمساعدتها على النمو، ثم تتم زراعها في الأرض بخمسينية الشتاء؛ أي في بداية شهر آذار، كما يتم تقليم "الدوالي" في أوائل شهر شباط لمدة 15 يوماً، إضافة إلى تطعيم الأشجار المثمرة وزراعتها أيضاً، وفي "سعد السعود" تعدّ أيامه دخول فصل الربيع؛ حيث إن الأوراق فيه تنضج وتتفتح الأزهار؛ وهو ما يدل على علامات بزوغ الربيع

ويتابع: «أما بالنسبة للخمسينية، فإن مدتها 50 يوماً تبدأ من الأول من شهر شباط، وتنتهي في 21 آذار، حيث تكون حدة الشتاء قد خفت؛ لذا قيل عن شهر شباط : "شباط لو شبط أو لبط ريحة الربيع فيه"؛ أي إنه عندما يأتي شهر شباط ترتفع معدلات درجات الحرارة أكثر من "كوانين"؛ لأن المربعانية تكون قد انتهت، وعلى الرغم من أنه في "الخمسينية" ترتفع درجة الحرارة نسبياً عنه في "المربعانية"، إلا أنه قيل فيه أمثال شعبية للدلالة على استمرار الشتاء فيه ومنها: "آذار 7 ثلجات كبار ما عدا الصغار"؛ وذلك للدلالة على أن فصل الشتاء يستمر حتى نهاية آذار، وكذلك: "ان غلّت وراها آذار، وان محلت وراها آذار"؛ وذلك للدلالة على أن شهر آذار تتوقف عليه جودة الموسم أو سوئه، إضافة إلى أن أجدادنا عدّوا الأيام السبعة الواقعة بين نهاية شباط وبداية آذار (آخر 4 أيام من شباط، وأول 3 أيام من آذار) أياماً باردة، ويظهر ذلك من المثل الشعبي الشائع في تلك الأيام: "آذار يا عيوني ثلاثة أيام واقرضوني لوقد هالعجايز دواليبها"».

المساكب والمشاتل

وفي لقاء مع "رفيقة اسماعيل" حدثتنا: «منذ القدم اعتمد أجدادنا على "المربعانية والخمسينية" في تحديد مواسم مزروعاتهم المتنوعة حتى أصبحت بالنسبة لنا بوصلة العمل والمدرسة الزراعية الأولى التي علمتنا كيف نمشي على روزنامتهم الخاصة بالزراعة منذ آلاف السنين، ولا نزال نعتمد عليها حتى الآن، ففي أربعينية الشتاء يقوم المزارعون بتهيئة مساكب وأصائص لزراعة البذار المتنوعة من خضار وتبغ، وتوضع في مكان محمي ودافئ لمساعدتها على النمو، ثم تتم زراعها في الأرض بخمسينية الشتاء؛ أي في بداية شهر آذار، كما يتم تقليم "الدوالي" في أوائل شهر شباط لمدة 15 يوماً، إضافة إلى تطعيم الأشجار المثمرة وزراعتها أيضاً، وفي "سعد السعود" تعدّ أيامه دخول فصل الربيع؛ حيث إن الأوراق فيه تنضج وتتفتح الأزهار؛ وهو ما يدل على علامات بزوغ الربيع».

وفي حديث مع د."محمد خير الحسني" (المهتم بالترات)، حدثنا عن "المربعانية والخمسينية" بالقول: «يقسم سكان بلاد الشام بوجه عام، وسكان "سورية" بوجه خاص فصل الشتاء إلى قسمين: أربعينية الشتاء (المربعانية)، حيث تحلّ كل عام كضيف سنوي اعتباراً من 21 كانون الأول، وحتى 30 كانون الثاني، وتعد من أكثر أيام السنة برودة وتساقطاً للأمطار، وتصل درجات الحرارة في بعض المناطق خلالها إلى ما دون الصفر. وخمسينية الشتاء مدتها خمسون يوماً من 31 كانون الثاني إلى 21 آذار، وتقسم الخمسينية إلى أربعة سعود (سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الخبايا)، وكل سعد مدته 12 يوماً، والمستقرضات 7 أيام، وتقع ضمن الخمسينية، وكل مناسبة قيل فيها بعض الأمثال، ففي "سعد الذابح" قيل: "بسعد الدابح يا نهار مد ويا برد شد"، وسمي بهذا الاسم لشدة البرد حيث تموت فيه الماشية، وفي "سعد بلع" وهما نجمان مستويان أحدهما خفي، والآخر مضيء، وسمي بالعاً كأنه بلع الآخر، وفي وقته تفيض الأنهار وتزيد الآبار كأن الأرض ابتلعت ماءها، وقيل فيه: "بسعد بلع بتنزل النقطة وبتنبلع". أما بالنسبة "لسعد السعود"، فقيل: "سعد السعود بتدور الموية (الماء) في العود"، حيث ترتفع الحرارة وتبدأ مرحلة الربيع، وتنبت الأوراق وتتفتح الأزهار. أما "سعد الخبايا"، فقال بعضهم إنه كوكب حوله ثلاثة كواكب مثلّثة تشبه رجل البطة، والكوكب هو السعد، والثلاثة هي الخبايا، ويسمّى أيضاً "سعد الأخبية" لخروج المخبآت فيه من الثمار والحشرات، وقيل فيه: "في سعد الخبايا بطلعن الحيايا"، أضف إلى أن "المستقرضات" سميت (أيام العجوز)؛ لأنها تقع في عجز الشتاء؛ أي آخره، وهي (أربعة من آخر شباط، وثلاثة من أول آذار )، وتمتاز في أغلب الأحيان بالمطر الشديد والفيضانات، وهبوب الرياح الشديدة، والبرد القارس، ويسميها العامة "برد العجوز"؛ أي (الطاعنة في السن)، وقيل فيها :"بالمستقرضات عند جارك لا تبات"».

رفيقة اسماعيل