خُلقت مَلَكَة الرسم مع الفنانة التشكيلية "ميادة حمدان"، حيث استطاعت أن تجعل من الواقع لوحات فنيّة تنطق الأمل والفرح، وترسم معاناة مجتمعها وتفعّل دور الفنّ في تنمية مدارك الأطفال، وكانت الفنانة الطفلة التي عُرفت بموهبتها في سنّ مبكرة عبر شاشة التلفاز.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 تموز 2018، الفنانة "ميادة حمدان" في مرسمها بجانب دوّار "الثورة" في "اللاذقية"، فتحدثت عن حياتها وبداياتها الفنّيّة قائلة: «درست المرحلة الابتدائية في "دمشق" بمدرسة "ربيع الأيوبي"، وكانت معلمتي تهتم بالموهوبين، حيث اختارت لوحاتي لعرضها كل أسبوع على شاشة التلفاز في برنامج للأطفال الهواة، وكنت في الصف الأول حينئذٍ، وظلّت تدعمني أربع سنوات، لم أتعلم الرسم أو الفن التشكيلي في النوادي الفنية، فقد كانت موهبة الرسم مخلوقة معي.

من خلال معرفتي بالفنانة "ميادة حمدان" وجدتها تجسد نبض المرأة السورية بهمومها المعاصرة معتمدة الواقعية والواقعية التعبيرية في أعمالها لإيصال القيم الإنسانية من حب وعطاء وخير سواء في أعمالها النحتية أو لوحاتها، أو من خلال أعمالها الخزفية ذات الإرث الفينيقي متجذرة في تاريخ هذه الأرض العابقة بالحضارة، وهي من وارثي هذه الحضارة، ولها تجربة مميزة جداً في تعليم الرسم ونشر ثقافة اللوحة ودور الفنون في تطوير مدارك الأطفال

وفي المرحلة الإعدادية عدت إلى "اللاذقية" وانتسبت إلى مدرسة الفنون النسوية، وتفوقت في الثانوية العامة وحصلت على الترتيب الأول في محافظة "اللاذقية"، وكنت محط أنظار مدرّسي الفنون النسوية "فريد رسلان" و"علي زاهر" و"علي مقوص"، وغيرهم. ثم تقدمت لكلية الفنون الجميلة، وهناك أسباب مجهولة حالت دون نجاحي، وتخرجت عام 1990 في معهد الفنون النسوية وتفوقت فيه وحصلت على المرتبة الأولى، وتمّ تعييني بالمعهد في ذات العام».

تدريب على شاطئ البحر

وتضيف عن مسيرتها الفنّيّة: «ابتعدت عن الفن بعد مشاركات كثيرة في معارض فنية مشتركة في "دمشق" و"اللاذقية"، وعشت حياة الفتاة التقليدية وتزوجت وتفرّغت لتربية أولادي، وبعد خمس عشرة سنة عدت إلى الرسم الشغف الطفولي، ثم بدأت النحت والرسم واتجهت في تلك المدة إلى الديكور في منزلي، وأغلب الذين يعرفونني يطلقون عليه متحف "ميادة حمدان". استفدت من الفنون النسوية حين فتحت مشغل خياطة عام 1993 في قريتي "الشبطلية"، وأخذت أدرّب الخياطة والتصميم لمدة خمس سنوات، كما درّست سبع سنوات في جامعة "تشرين"، فرع الاقتصاد المنزلي، حيث تمّ اختياري بناءً على مسيرتي الفنية وموهبتي التي استطاعت أن تصل إلى الكبير والصغير، أرسم الواقع في لوحاتي، وأجسد الحالات التي تسود مجتمعاتنا من معاناة وقصص اجتماعية وواقعية، وأحبّ أن أرسم الفرح وأترك في لوحاتي بصيص نور وأمل دائماً، وأضمن منحوتاتي التراث السوري والحضارة السورية».

كما كان للفنانة "ميادة حمدان" بصمة بارزة في تعليم الفن للأطفال من خلال تنمية خيالهم، وهنا تقول: «تنمية خيال الطفل عامل أساسي في الرسم، فأقوم عند رؤية الطفل بدراسة نفسيته دراسة تامة من خلال اختبار أجريه له، وأتعرّف إلى نفسيته وشخصيته وأبدأ معه الرسم على هذا الأساس، أعرفه من خطه وطريقته، وحسب طريقة رسمه أحدد حالته النفسية، وقد تظهر بعض العقد التي تزول مع الرسم والفن، وأستعين بالطبيعة والمناظر الجميلة والينابيع وشاطئ البحر لأثري مخيلته، وليس بالضرورة أن ينتموا إلى المدرسة الواقعية في الفن، وأتركه يضيف بصمته إلى اللوحة».

إبراهيم جورية

وعن مبادراتها في "الشبطلية"، تتحدث قائلة: «مرسمي في القرية فتح المجال لأبناء القرية لتعلّم الرسم، وقمت بمبادرات عدة معهم فكان العطاء متبادلاً، فقد خرجنا إلى الشارع للرسم وتلوين الرصيف، لم يكن هدفي من المرسم مادياً، وقمنا بتلوين موقف "الباص" والرسم على جدران المدرسة وتلوينها، حيث كنت أترك دفاتر الرسم وأجعل من جدران الصف سبورة ونرسم عليها، واستخدمت بعض المواد في محيطنا كألوان، ورسمنا بالتراب لقلة الألوان، وعملنا على إعادة تدوير الورق التالف وأوراق الأشجار وأنواع من الحشائش الشوكية وثمار الصنوبر والسرو والأقمشة التالفة، وهذه المواد خلقت بيئة للإبداع بين الطلاب».

"إبراهيم جورية" طالب في كلية الحقوق وأحد طلابها في معهد الرسم، وفنان له معارض عدة، يقول عن تجربته معها: «في طفولتي كنت أحبّ الرسم، ولم يكن هناك مكان أصقل هوايتي به، وحين افتتحت الفنانة "ميادة حمدان" معهداً لتعليم الرسم، أحببت الفكرة، وبسبب معارضة أهلي كنت أذهب من دون معرفتهم لتعلم الرسم في معهدها، وبمساعدتها بعد ذلك نلت دعم أهلي، بدأت معها بالصف السادس وأغنت موهبتي، فقد علمتني جميع أنواع الرسم، كالزيتي، والمائي، والواقعي، والتجريدي، إضافة إلى النحت بعجينة الصلصال والخشب، وتعطي خبراتها لطلابها مع حريتهم بإضفاء بصمتهم الخاصة في الفن، كما استطاعت من خلال إشرافها على تجربتي في الرسم الانتقال إلى مجال "المكياج" والتجميل والوشم (التاتو)، وهي فنانة شفافة صادقة عكست هدوء شخصيتها على لوحاتها وأعمالها».

نذير تنزكلي

أما الفنان التشكيلي "نذير تنزكلي"، فيتحدث عنها قائلاً: «من خلال معرفتي بالفنانة "ميادة حمدان" وجدتها تجسد نبض المرأة السورية بهمومها المعاصرة معتمدة الواقعية والواقعية التعبيرية في أعمالها لإيصال القيم الإنسانية من حب وعطاء وخير سواء في أعمالها النحتية أو لوحاتها، أو من خلال أعمالها الخزفية ذات الإرث الفينيقي متجذرة في تاريخ هذه الأرض العابقة بالحضارة، وهي من وارثي هذه الحضارة، ولها تجربة مميزة جداً في تعليم الرسم ونشر ثقافة اللوحة ودور الفنون في تطوير مدارك الأطفال».

الجدير بالذكر، أن الفنانة "ميادة حمدان" من مواليد "حلب" عام 1966، وتمارس عملها بالمسرح المدرسي في "اللاذقية".