امتلكت أحاسيس فنية مرهفة دفعتها إلى الإبداع الفني في مجال مختلف كثيراً عن دراستها العلمية في هندسة الميكانيك، وكان شغفها بالألوان وراء التحاقها بدورات نمّت فيها موهبتها وصقلتها لتغدو فنانة ومصمّمة أزياء وفتاة لها أشغالها اليدوية المتميزة.

مدونة وطن "eSyria" التقت الفنانة التشكيلية المهندسة "عبير كوشة" بتاريخ 17 أيلول 2018، التي تحدثت عن بدايتها قائلة: «موهبة الرسم بدأت عندي في التاسعة من عمري، كنت أرسم الشخصيات الكرتونية وأجلس ساعات طويلة وأنا أرسم، لاحظت والدتي اهتمامي بالرسم، فسجلتني بمدرسة الطلائع وشاركت بمعرض خاص بالصغار، لم تكن مادة الرسم تلقى الاهتمام التعليمي كما هي الآن، وهذا أبعدني خلال مدة الدراسة الإعدادية والثانوية ثم الجامعية عن الرسم، حيث كان شغلي التحصيل العلمي على الرغم من عشقي للرسم، لكنني لم أكن أوليه الاهتمام الكافي».

"عبير" تمتلك إحساساً يلاحظه كل من يتابع أعمالها، سواء كان لوحة فنية أو تصميماً أو أشغالاً يدوية، وحتى في عملها الإنساني مع جمعية "موزاييك" نراها شعلة من النشاط الإنساني؛ وهذا كله يتجسّد بكل لون من ألوان لوحاتها وتصاميمها

وتابعت: «بعد تخرّجي في كلية الهندسة التحقت بمركز الفنون التشكيلية، وهناك شعرت بأنني وجدت ضالتي التي كنت أبحث عنها لأعوام طويلة وأعادتني لسنوات كان الرسم فيها شغلي واهتمامي، تلقيت في المركز الدعم والاهتمام والتشجيع من جميع العاملين فيه، وفي مقدمتهم مديرة مركز الفنون التشكيلية الأستاذة "إلهام آغا" والفنان "عبد الله خدام"، ولم يبخلا بأي نصيحة أو توجيه».

من أعمال الفنانة عبير كوشة

وحول سؤالها من أين تبدأ عند رسم أي لوحة؟ أجابت: «أظنّ أن هذا هو الشقّ الأصعب والأهم في تكوين اللوحة، أغلب الأحيان تكون مكتملة في مخيلتي. أميل إلى الهدوء عند الرسم والانقطاع عن العالم الخارجي، لوحاتي ليست تعبيراً عني فقط، فهي تجسّد حالات إنسانية يمرّ بها الجميع، والألوان التي أستخدمها تحاكي الحالة الإنسانية، مثال عن ذلك في إحدى لوحاتي تتحدث عن الهجرة تختفي الألوان الزاهية منها تدريجياً، وحتى لون اليد أصبح باهتاً رمادياً وكأنه حجر تعبيراً عن الحزن الذي أصاب الفتاة، وفي لوحة أخرى هناك شاب يمشي في طريق مظلم ينيره ضوء القمر، ويظهر في خياله جناحان على الرغم من انكساره وحزنه تعبيراً عن حالة الشباب المملوء بالطاقات والإمكانيات والقدرات الكامنة الموجودة لديهم».

وعن مصير لوحاتها قالت: «كما كل الفنانين أشارك بمعارض مشتركة سواء مع فنانين أو جمعيات لتقديم إنتاجي للجمهور، وهناك تقدير يترجم باقتناء تلك اللوحات؛ وهذا يشجعني أكثر لمتابعة الرسم؛ لأن لوحاتي تنال استحسان الكثيرين لكونها تلامس أحاسيس ومشاعر الناس، وأقوم حالياً بالتحضير لإقامة معرض خاص بي سيرى النور عما قريب».

إحدى لوحاتها

وعن عشقها الثاني وهو تصميم الأزياء، قالت: «إتقاني للرسم كان المفتاح لدخول عالم تصميم الأزياء الذي أحبه، حيث اتبعت عدة دورات أكاديمية لتصميم الأزياء، وبالنسبة لي أرى أن الرسم يكمل التصميم؛ فالتصميم أساساً هو رسم، وكثرة الاطلاع على خطوط الموضة وآخر صيحات الأزياء أغنت التجربة البصرية لديّ، لا أجد فرقاً بين اللوحة والتصميم، ولكل منهما مزاج مختلف، وعندما تخطر في بالي فكرة سواء كانت للوحة أو التصميم، لا أتردد في رسمها حتى لو كانت عبارة عن (سكيتش) بسيط، وأحتفظ بها حتى تكتمل الصورة في مخيلتي، وأطمح أن أقيم معارض عربية وعالمية، وتكون لديّ بصمة في عالم الفن، وكمصمّمة أزياء أطمح إلى افتتاح (أتيليه) خاص بي».

إلى جانب نشاطها الفني تعمل الفنانة "عبير كوشة" كمتطوعة في العمل الإنساني والخيري مع جمعية "موزاييك للتنمية والإغاثة"، حيث قدمت عدة دورات في الدعم النفسي للأمهات اللواتي عانين من مشكلات الأزمة والنزوح، وعن هذا تقول: «أظنّ أن التجارب المتعددة التي يمرّ بها الشخص واطلاعه على حياة الآخرين ومشاركتهم أحزانهم وأفراحهم تثري حياة الفنان وتنوع مصادر الإبداع والإلهام لديه؛ لذلك لا أحدد نفسي في مكان محدد في الفن أو التصميم أو العمل الخيري؛ كل عمل منهم يعطي زخماً ويمثّل إضافة للآخر».

علاقة عشق مع الفن

"إلهام آغا" رئيسة مركز الفنون التشكيلية في "اللاذقية"، قالت: «"عبير" فنانة متألقة ومبدعة، أثبتت جدارتها بكل عمل فني أنجزته وتترك فيه بصماتها الواضحة، ومن يشاهد لوحاتها يلاحظ أسلوبها الخاص، وهذا أول ما يميز الفنان في مسيرته الفنية، أجادت في الرسم والتصوير إجادة لا تقل عن إجادتها بالتصميم والإعلان، أرى أنني أمام تجربة فنية موسوعية تتفرع ينابيع إبداعها المتألق على ضفاف إنتاجها الفني، وهذا لا يكون إلا من فنانة مبدعة تتميز بالخلق العظيم والصدق والوفاء في التعبير، لوحاتها تجسّد إنسانيتها بكل المقاييس، حيث الشفافية في روحها، وأعمالها تتعانق لتنعكس خطوطاً لينة على مساحتها البيضاء عبر ألوان زاهية تنبئ عن روحها النقية الطاهرة».

المهندسة الكاتبة "مها حمودي" صديقة الفنانة، قالت: «"عبير" تمتلك إحساساً يلاحظه كل من يتابع أعمالها، سواء كان لوحة فنية أو تصميماً أو أشغالاً يدوية، وحتى في عملها الإنساني مع جمعية "موزاييك" نراها شعلة من النشاط الإنساني؛ وهذا كله يتجسّد بكل لون من ألوان لوحاتها وتصاميمها».

يذكر أن المهندسة الفنانة "عبير كوشة" من مواليد "اللاذقية" عام 1980، خريجة كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة "تشرين"، قسم "هندسة التصميم والإنتاج"، وخريجة مركز الفنون التشكيلية، وحاصلة على شهادة مدرّب معتمد في رسم وتصميم الأزياء من الأكاديمية العالمية لتصميم الأزياء "IFA Fasiol".