انتماؤه إلى عائلة تحبّ وتعشق الفنّ ساهم بتكوين شخصيته الفنية وتنمية الحسّ الجمالي لديه وصقل تجربته. رحلة بدأها الفنان التشكيلي "عمر طه" منذ طفولته، حيث الاهتمام والتأمل بلوحات الرسامين والخطاطين، وتأثره بهم رسم ملامح تجربة فنية غنية.

مدوّنة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 7 تشرين الأول 2018، مع الفنان التشكيلي "عمر طه"، فتحدث عن بداياته الفنية ونشأته قائلاً: «نشأت في بيئة ساعدتني على تنمية موهبتي، وكانت الدوافع والإرادة القوية تسكنني منذ الصغر، والتشجيع من طرف الوالدين وباقي أفراد أسرتي والوسط الذي أنتمي إليه؛ المتمثل بالأصدقاء والمهتمين بالشأن الفني، فالفنان ابن بيئته، ومن هذا المنطلق يمكن القول إن التأثير البيئي في شخصيتي اصطحب معه التأثير اللوني، كما عملت مدينة "الحفة" التي تربيت وعشت فيها على إحياء الحس الجمالي، وعمّقت أواصر العلاقة مع الأماكن بما تضمنته من مفردات جمالية.

أقمت معرضين فرديين في مدينتي "الحفة" عامي 2006-2007، ومعرضين فرديين في "دمشق" عامي 2007-2008، وشاركت بمعارض عدة تضامناً مع أهلنا في "غزة" عام 2009، ومعارض الخط السنوية في "اللاذقية"، ومعارض مهرجان المحبة لسنوات عديدة، ومعرض جماعي في الأكاديمية البحرية، وشاركت لعامين متتاليين في مهرجان "القلعة والعنّاب"، إضافة إلى مشاركاتي بعشرات المعارض والملتقيات الفنية داخل القطر وخارجه

فقد بدأ مشواري الفنّي منذ نعومة أظافري، وكنت عاشقاً للفن التشكيلي؛ ففي الصف الأول الابتدائي عام 1979، كنت أقوم بطبع ونقل بعض الرسومات؛ وهو ما أعطاني تميزاً بالحصص الفنية، وكان المدرّسون يثنون على رسوماتي كثيراً، وهكذا برزت ميولي للرسم والخط العربي، وكنت كثير التأمل والنظر في أعمال الرسامين والخطاطين، كما لازمتني نزعة البحث عن الذات ترجمتها في المرحلة الثانوية بأسلوب ميداني وتطبيقي من خلال دخول عالم التشكيل والخط، ثم وجدت نفسي أعتنق الفنّ وأعانقه؛ فالتحقت بمعهد التربية الفنية عام 1991، وصقلت موهبتي أكاديمياً، واستخدمت موادّ مختلفة في صناعة لوحاتي، مثل: الرمل، والإكرليك النافر، إضافة إلى الألوان الزيتية لإغناء الحوار البصري».

إحدى لوحاته

وعن حبّه للخطوط العربية وكيفية توظيفها تشكيلياً، يقول: «كانت بدايتي مع الخط في المرحلة الإعدادية، فقد تعلّمت خطوط الرقعة والنسخ والديواني، وكنت أرتاد مراسم الفنانين والخطاطين، وأراقب حركات أصابعهم بينما كانوا يرسمون ويخطون اللوحات، وأقلد كل ما أراه، تابعت الخطوط بشغف شديد وبدأت صنع نوع من الكتابة معتمداً على تطوير شكل الحروف التي أستقيها من كل أنواع الخطوط العربية، وبالنسبة لي، فإن كل خطّاط رسام، وهذه النقطة المهمة التي تجعل الخط العربي من الفنون القوية، إضافة إلى أن كلام اليد يعبر عن الخواطر ويحفظ الأثر وينقل الخبر، فكل هذه المميزات تجعلني أجد ذاتي بالدرجة الأولى في هذا الفن العربي الأصيل، ومحاولة مزجه باللوحة التشكيلية والتطوير بهذا المجال من أجل الوصول إلى مرحلة الإتقان».

ويضيف: «هدفي الأساسي من تجربتي أن أنطلق إلى آفاق أوسع وأشمل من أجل الحفاظ على التقاليد وموروثاتنا الحضارية المكتسبة لتنافس مثيلاتها من الفنون الأخرى، وخلق معادل جمالي؛ فاللوحة الحروفية لا يمكنها أن تحتفظ بالنمط الاستعراضي للحرف، بل يجب أن تخضع لتركيبة فكرية وإشكالية معرفية، فقد اعتمدت التجريد والتلوين واللعب الحر بإمكانات الخط لتقديم اللوحة الحروفية كتشكيل بصري منفتح على كل تجديد، مثل إضافة عناصر تشكيلية متنوعة إلى الحروف، وتوظيف الخط في تشكيلات لإيصال رؤى وأفكار، فالحرف العربي أشبه ما يكون بقطعة العجين القابلة للتطويع والانضواء تحت أي شكل، فقد اعتمدت مثالاً على ذلك الدائرة وإيقاعها؛ لأنها تعني الحياة المستمرة والمتعاقبة التي لا تعرف التوقف أو الحدود أو الهدنة أو إشارات المرور، فالدائرة تعني التواصل والتعانق والوفاق والألفة والإقفال والأحكام والدقة».

مشاركته بمهرجان القلعة والعناب

وعن معارضه الفنية، يقول: «أقمت معرضين فرديين في مدينتي "الحفة" عامي 2006-2007، ومعرضين فرديين في "دمشق" عامي 2007-2008، وشاركت بمعارض عدة تضامناً مع أهلنا في "غزة" عام 2009، ومعارض الخط السنوية في "اللاذقية"، ومعارض مهرجان المحبة لسنوات عديدة، ومعرض جماعي في الأكاديمية البحرية، وشاركت لعامين متتاليين في مهرجان "القلعة والعنّاب"، إضافة إلى مشاركاتي بعشرات المعارض والملتقيات الفنية داخل القطر وخارجه».

أما الفنان والناقد التشكيلي "أديب مخزوم"، فتحدث عن فنّ "طه" قائلاً: «مع رحلة الفنان التشكيلي "عمر طه" في مجال إنتاج اللوحة الفنية التشكيلية ينحاز بقوة نحو اللوحة الحروفية ضمن النهج الذي يحمل ملامح جمالية حديثة ومعاصرة، يعتمد تقنيات التشكيل بحركات متداخلة وملتوية ومنسابة، تتخللها دوائر متجاورة أفقياً أو عمودياً، أو تأخذ حركة قوس، وتبقى الحركات الالتفافية مدروسة ومتزنة، فيعمل بذلك على إيجاد المزيد من التوافق والمواءمة بين الاندفاعات الخطية المتقاطعة والمتداخلة بلون واحد ودرجاته على خلفية لونية تجريدية هادئة، وتبقى التشكيلات الحروفية تحمل مضامين فكرية وروحية وإنسانية على الرغم من كل ما يبرزه من تحرر من تلك السلطة الهندسية المعتمدة ضمن بعض عناصر اللوحة، لقد استطاع كشف غنى الحروف العربية وقدرتها على تجاوز المباشرة الخطابية والتواصل مع تطلعات الحداثة التشكيلية، فيتطلع دائماً إلى بناء لوحة تلامس جوهر الحضارة العربية، وتنقل أسلوبه الخاص بحرية وعفوية واختزال يثير التساؤلات».

أديب مخزوم

الجدير بالذكر، أن الفنان التشكيلي "عمر طه" من مواليد مدينة "الحفّة" عام 1972، ومدرّس مادة التربية الفنية في مدارسها.