صور وتماثيل المدن الفرنسية خزّنت في ذاكرتها ميولاً فنية منذ سنوات طفولتها الأولى، حيث استطاعت مهندسة المعلوماتية "رنا عباس" أن تطلق العنان لموهبتها الدفينة أثناء تعلّم أطفالها النحت والرسم؛ لتعكس حالة اجتماعية وفنية مختلفة.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 نيسان 2019، مهندسة المعلوماتية "رنا عباس"، فتحدثت عن نشأتها ودراستها قائلة: «نشأت ضمن أسرة محبة للعلم والتعلّم، اللذين يعدان من أولوياتها واهتماماتها، فقد كانت طفولتي في "فرنسا" بحكم سفر والديّ الدائم لكونهما دكتورين في الهندسة الزراعية، لكن اهتمامهما الزائد بضرورة أن ندرس وإخوتي الهندسة أو الطبّ منعني من تحقيق حلمي في الانتساب إلى كلية الفنون الجميلة، ودراسة هندسة المعلوماتية لتأمين مستقبل يضمن لي العمل والاستمرار فيما بعد، وهذا ما خلق صراعاً بداخلي بين ميولي ودراستي، وعانيت وقتاً للتأقلم أثناء دراسة الهندسة».

تمتلك موهبة فطرية وشغفاً قديماً بالفنّ، حيث ظهر الشغف وحبّ الفنّ واضحاً منذ بداية تعلّمها النحت بنادي "حكايا الفن"، فتنفيذها للأعمال التدريبية كان سريعاً ومتقناً، واستطاعت خلال مدة قصيرة تنفيذ الأعمال النحتية التي تتطلب خبرة ومدة طويلة من التدريب والتعلّم، وأظهرت براعة في التنفيذ والسيطرة على الخامة بقدراتها، ونفّذت عدة أعمال جميلة

بذور الموهبة لدى المهندسة "رنا عباس" كانت على شكل صور وتماثيل، وأضافت: «عشت السنوت الست الأولى في "فرنسا"، وكانت الصور والتماثيل والناس الذين يرسمون في الشوارع شيئاً غريباً بالنسبة لي، فانطبعت تلك الصور في خيالي ولم تفارقني، وأصبحت أتساءل عن عدم وجود تلك المظاهر في بلادنا، وكانت تجربتي الأولى في الرسم على جدران منزلنا، وفي السنة الثانية سجلت في مركز الفنون التشكيلية لمدة شهرين؛ تعلمت من خلاله مبادئ الظلال ورسم الطبيعة الصامتة، ثم وجدت أن دراستي أفضل، وتخرّجت عام 2005، وتوظفت بعد تخرجي؛ الأمر الذي شغلني عن الفنّ وفرض وسطاً عملياً جامداً، وحوّل علاقتي مع الحاسوب والبرامج إلى واقع لا بدّ منه، وأسست بعد زواجي أسرة صغيرة، وأصبح لدي أوقات فراغ لمواهبنا».

نحت رنا عباس

وأضافت: «حين أصبح أطفالي في سن يسمح لهم بالأنشطة الترفيهية وتنمية مواهبهم، قمت بتسجيلهم في نادي "حكايا الفنّ"، وكنت أنتظرهم في الخارج، وأشعر بأن الوقت يذهب بلا فائدة، فدخلت في إحدى المرات إلى قسم النحت، وأخذت أراقب أعمالهم، ونظرت إلى فتاة تنحت تمثالاً، وحين رأيتها شعرت بأنني وجدت شيئاً ضائعاً مني، فتوجهت إلى إدارة النادي وسألتهم عن إمكانية تسجيل وتدريب الكبار على النحت، وبدأت أنحت أشياء صغيرة وبسيطة بكل سهولة ودقة، ولاحظ حينئذ المدرّب أن لديّ موهبة ومعرفة بهذا الفنّ، أحببت الإحساس بالطين وكيفية خلق وتشكيل منحوتات منه، ثم تطور نحتي بطريقة لافتة وكأنني أنحت منذ الصغر، ومستمرة بالنحت من عام 2016 لغاية اليوم، وأعبّر عن أفكاري بالنحت والرسم، وتنوعت منحوتاتي وأصبحت أكثر دقة، وأصبحت لديّ خبرة تمكنني من تدريب الأطفال ضمن النادي الذي أتدرّب فيه.

كما أسقط على كل مساحة فارغة النظرة الفنية، كحجارة شواطئ البحر والجدران الفارغة وجذوع الأشجار، وأقوم بالرسم والنحت عليها وأعطيها لمسة فنية. وتأتي اللوحة أو المنحوتة مثل الوحي إلى ذهني؛ فأجسّدها في أغلب الأحيان بلوحة حقيقية بكل تفاصيلها».

إحدى منحوتاتها

كما أنها حاولت إيصال رسالة إلى المجتمع عن دور المرأة البنّاء والمستمر، وقالت: «ربما فكرة أن المرأة التي تتزوج وتنجب ينتهي دورها ما زالت سائدة لدى بعض شرائح المجتمع، لكنني من هنا استطعت أن أبدأ حياة جديدة بعد أن أصبحت أمّاً، ووجدت نفسي مثلاً يحتذى بوجودي مع أطفالي في أنشطتهم الترفيهية التي كانت نافذة لتحقيق موهبتي وكشفها بعد كل تلك السنوات، كما أن وجودي معهم عزّز لديهم الثقة وقوة الشخصية والإرادة، وزاد حبّهم للأنشطة والفنّ بأنواعه».

الفنان التشكيلي "فادي محمد" تحدث عن معرفته بالمهندسة "رنا" قائلاً: «تمتلك موهبة فطرية وشغفاً قديماً بالفنّ، حيث ظهر الشغف وحبّ الفنّ واضحاً منذ بداية تعلّمها النحت بنادي "حكايا الفن"، فتنفيذها للأعمال التدريبية كان سريعاً ومتقناً، واستطاعت خلال مدة قصيرة تنفيذ الأعمال النحتية التي تتطلب خبرة ومدة طويلة من التدريب والتعلّم، وأظهرت براعة في التنفيذ والسيطرة على الخامة بقدراتها، ونفّذت عدة أعمال جميلة».

فادي محمد

يُذكر، أن المهندسة "رنا عباس" من مواليد "السقيلبية" التابعة لمدينة "حماة" عام 1981، تعمل في مؤسسة مياه "اللاذقية"، وشاركت في معرض "زلفا" بمنحوتة فنية، ولها عدة منحوتات.