بحبٍّ كبيرٍ بنى قلعتَهُ النحتية من الحجرِ الذي عدّهُ صديقَهُ الذي رافقه منذُ الصغر، كما أنّ حبّهُ للاكتشافِ والبحثِ عن الجديد والمميّز مكّنَهُ من ابتكارِ منحوتاتٍ واضعاً بصمتَه الخاصةَ عليها، فحملت في طياتِها جمالَ الكتلةِ وقوّةَ الفكرة بآنٍ واحدٍ، إنّهُ النحات "زهير خليفة".

مدوّنةُ وطن "eSyria" زارت قلعته النحتية في قريته "بيت ياشوط" في ريف "جبلة" بتاريخ 15 أيلول 2019، والتقته ليحدثنا عن مسيرته الفنية: «لا أذكر متى بدأت بالنحت تماماً، لكن أذكر أنني كنت معروفاً بشقاوتي حيث كنت ألعب بالطين وأصنع منه تشكيلات متنوّعة كالجرة والسيارة وغيرها من التشكيلات التي كانت تخطر ببالي في ذلك الوقت، وكنت أحفر حجارة الحوارة وأصمم داخلها رسوماً وأشكالاً متنوّعة، فلم يكن يعجبني الشيء العادي لذلك كنت أقوم بتعديل الكثير من الأشياء كالكراسي والطاولات وأضيف إليها أشياء فنية، فكلّ هذه الأشياء كنت أقوم بها وسط غضب واستهجان لتصرفاتي من قبل المحيطين بي، وعلى الرغم من ذلك كنت أستمر بالعمل بكل شغفٍ وإصرار، وكان للبيئة والطبيعة الساحلية أثرٌ كبيرٌ بأعمالي، فقد نشأت بين مكونات الطبيعة من أشجار ومياه وتربة وصخور، وهذا الحضور الدائم بين أحضان الطبيعة كان يسحرني ويحرضني دائماً على النحت، حتى أنّني بنيت كوخاً في الجبل وبقيت فيه مدة سنتين، وبدأت أختار الحجارة وأقوم بنقلها من أماكن مختلفة بالطبيعة وأقوم بتشكيلها، فالطبيعة هي مدرستي الأولى وهي حاضرة بالعديد من منحوتاتي، وخصوصاً أنّني تأثرت بمحيطي وبيئتي الريفية من خلال أعمالي التي جسدت التراث الشعبي للساحل السوري كالعادات والتقاليد، وسنابل القمح والمحراث الخشبي وغيرها من الأعمال التراثية التي لاقت الإعجاب».

هو ابن الطبيعة ارتبط بها منذ نعومة أظفاره، تنوعت أعماله بين المنحوتات الخشبية والحجرية، وأول ما يلفت النظر في أعماله تنوع مواضيعه وتقنياته وأساليبه التي جسدت التراث الساحلي والحضارات القديمة، كما أن علاقته بالحجر علاقة روحانية من الطراز الرفيع، فهو يأخذ الأشياء وينقذها من العدم ويجعلها منحوتات تروي قصصاً وروايات أو أناشيد من حياة أمة، فهو مجتهد بعمله، تذوقت النحت من خلاله فهو يعمل بهدوء وإيقاع هادئ وعارف يتصف بالذكاء والحكمة، فمن خلال منحوتاته يعبر عن مكنوناته ومشاعره بكل صدق وعفوية، كما أن البساطة التي اتصفت بها منحوتاته كانت زهرة التجارب الصعبة التي خاضها

وعن أنواع المواد التي نحت بها قال: «حبي للاكتشاف والبحث عن الجديد جعلني دائم البحث عن أنواع جديدة ومختلفة من الصخور، فإضافةً للحجارة الموجودة في الساحل السوري أحضرت صخوراً من محافظات عدة بهدف التنويع بالعمل واكتشاف خصائصها، فالحجر صديق مطيع ورقيق يجذبني لونه وكتلته، وهناك تناغم وانسجام بينه وبين أناملي لابتكار منحوتات تعبر عن هواجسي ومكنوناتي، إضافةً إلى أنّني قمت بنحت الكثير من أنواع الحجارة ولكن أقربها إلي كان (حجر دب الملح) فهو موجود بالمنطقة الساحلية استخدم بالماضي وما زال يستخدم في صناعة التنور الحجري، فلكلّ حجر وجهان أما هو فيملك أكثر من مئة وجه فتركيبته غريبة من حيث الألوان والشفافية، حيث يظهر كأنّه بلور بالضوء وبالظلمة نراه مختلفاً تماماً له أبعاده المختلفة، فهو حساس كثيراً وفي الوقت نفسه قاسٍ وصلب، فلا بدّ من فهمه لإنتاج منحوتات به، إذ من الممكن أن يكسر بيد النحات لذلك يحتاج إلى انتباه وحرص كبير، لذلك نجد الكثير من النحاتين يختارون أنواعاً أخرى من الحجارة».

من أعماله بالديكور

وتابع: «الحجر سيد الديكور والجمال، فعند اختيارها يغريني لونها وصلابتها من حيث الكتلة، وبأعمالي لا أفضل الخلط بالمواد النحتية فلكلّ مادة خصوصيتها التي تميزها عن غيرها، بالإضافة إلى أن منحوتاتي وليدة اللحظة فشكل الحجر أو الخشب يوحي إلي بالمنحوتة التي أنجزها، بالإضافة إلى أنني عملت بالديكور والتصميم فقد صممت استراحتي ومطعمي بنفسي من حيث البناء وديكوراته كافة، وبالنسبة للنحت على الخشب فقد دخلت عالمه منذ عدة سنوات بتشجيع من أصدقائي الفنانين ولسهولته وطراوته مقارنة بالحجر، أنجزت كل منحوتاتي الخشبية باستخدام أخشاب (القطلب والسنديان والزيتون والبلوط) وغيرها ولكل نوع جماليته وخصوصيته من حيث اللون والتشكيل، بالإضافة إلى أن منحوتتي هي مرآتي التي تعكس انطباعي وإحساسي، والتي أبتغي منها أن توصلني إلى جمهوري المتذوق لما أطرحه من جمال وموضوعات من وحي المجتمع والبيئة والتراث، وإرث أمة عريقة، فحين تنجز تروي قصة أو رواية أو أنشودة من حياة أمة وشعب ووطن، لتكون جسراً لطيفاً يربط الواقع مع المستقبل، وتستمد من الحضارة القديمة أصالتها».

وفي لقاء مع الأديب النحات "محمد صالح" قال عن النحات "زهير خليفة": «هو ابن الطبيعة ارتبط بها منذ نعومة أظفاره، تنوعت أعماله بين المنحوتات الخشبية والحجرية، وأول ما يلفت النظر في أعماله تنوع مواضيعه وتقنياته وأساليبه التي جسدت التراث الساحلي والحضارات القديمة، كما أن علاقته بالحجر علاقة روحانية من الطراز الرفيع، فهو يأخذ الأشياء وينقذها من العدم ويجعلها منحوتات تروي قصصاً وروايات أو أناشيد من حياة أمة، فهو مجتهد بعمله، تذوقت النحت من خلاله فهو يعمل بهدوء وإيقاع هادئ وعارف يتصف بالذكاء والحكمة، فمن خلال منحوتاته يعبر عن مكنوناته ومشاعره بكل صدق وعفوية، كما أن البساطة التي اتصفت بها منحوتاته كانت زهرة التجارب الصعبة التي خاضها».

منحوتة تجسد المرأة الريفية

يذكر أنّ النحات "زهير خليفة" مواليد "بيت ياشوط" بمدينة "جبلة" عام 1969، شارك بالعديد من الملتقيات النحتية في العديد من المحافظات.

منحوتات بصخور متنوعة