موهبةٌ تفتقت منذ طفولته بجمع الأحجار عن شاطئ البحر وتوظيفها في أعمال نحتية بسيطة بأدوات بدائية، ثم عمل على صقل موهبته وإغنائها بالتدريب واكتساب الخبرات وإثراء مخزونه الثقافي والفني والبصري مستفيداً من دعم محيطه الاجتماعي كونه ينتمي لعائلة فنّيّة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 تشرين الثاني 2019 مع الفنان التشكيلي "جابر أسعد"، فتحدث عن نشأته وبدايته الفنية قائلاً: «تعلّقت بالفنّ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وخاصة النحت، فقد كنت أجمع الأحجار من شاطئ البحر، وأنتقي المناسب منها لعمل نحتي، وأشكّل حيوانات وأسماكاً وطيوراً وأشكالاً أخرى بأدوات بسيطة كالسكين ومفك البراغي، كما كنت أستمتع بالطين والصلصال لأنّها المادة الأسهل في تكوين الأشكال والتماثيل، وقد شاركت بأكثر من معرض في المرحلة الثانوية. ونشأتي في بيئة فنّيّة أثرت تجربتي الفنية التي بدأت عام 2010، حيث كنت أقيم في "دمشق"، لكن ظروف عملي لم تكن تسمح بممارسة الفنّ بالشكل الذي أريده وأحبّه، وعلى الرغم من ذلك كنت أتابع المعارض الفنية والملتقيات ومعارض الربيع والخريف وهذا ما جعلني أتعلق بالفنّ أكثر».

أبحث عن الجانب العاطفي في أغلب أعمالي النحتية، حيث الأمومة والمرأة، وأعتبر وجود المرأة في العمل الفني تمثيلاً حقيقياً للحياة ويشكل إيقاعاً موسيقياً كمن يستمع إلى أغنية جميلة، فهي تعبر عن معاني الخصوبة والأمومة والدفء، وتعبير عن الأرض، وهناك تشابه بين المرأة والأرض بالعطاء والشكل والاحتواء لذلك بدأت بالأم والمرأة

طوّر هوايته الفنية بطرق مختلفة، حيث أضاف: «بعد عودتي إلى "اللاذقية" كان لا بدّ لي من أن أمارس وأطوّر الهواية التي أحبّها بتشجيع من أخي الفنان "سموقان"، واتبعت دورات عدة في مركز الفنون التطبيقية دورات خزف ونحت بإشراف فنانين مختصين، اكتسبت خلال هذه الدورات خبرات وتقنيات التعامل مع الخشب والحجر، كما كان لا بدّ من البحث عن المعرفة التي تعدّ السبيل الوحيد للإبداع، ودراسة تاريخ الفنّ وعلم الجمال وتاريخ الحضارات والأساطير لكي يتكون المخزون الثقافي والفنّيّ والبصري حيث لا إبداع دون فكر ولا فكر دون إبداع، وكان للنحت جاذبيته وفتنته الساحرة التي تنقل السعادة للفكر والروح في مسيرتي الفنية، فالنحت كتلة وفراغ، والفراغ لا يقل أهمية عن الكتلة لهذا اخترت النحت».

إحدى منحوتاته

وعن أسلوبه والطابع الذي يميز منحوتاته قال: «أميل إلى الأعمال الرمزية والتعبيرية، وأبحث عن التبسيط بالعمل الفني، وأعطي جهاته الست قيمةً واحدةً من الجمال والتعبير والمعالجة الفنية ولا سيّما تحريك السطح بلمسات انطباعية أو تعبيرية تمنحه حيويةً ظاهرةً من خلال الفراغ والخطوط والسطوح وتوازن الكتلة لكي تصل الفكرة بسهولة إلى المتلقي، هذه التقنية أصبحت أسلوبي الخاص، حيث أجسد في عملي الجمال وأحاكي الشعور والإحساس، ويجعل المتلقي يبحث عن الأسئلة والأجوبة بالوقت نفسه، أقدم العمل بطريقة هادئة ومؤثرة لأنّ المتلقي يبحث عن الفكرة ويراها في الأبسط، وإنّ القوة المتجسدة في البسيط هي قمة الإيحاء، وأستخدم في أعمالي الخشب المتنوع كالجوز والزيتون والدلب والقيقب».

ويتابع قوله: «أبحث عن الجانب العاطفي في أغلب أعمالي النحتية، حيث الأمومة والمرأة، وأعتبر وجود المرأة في العمل الفني تمثيلاً حقيقياً للحياة ويشكل إيقاعاً موسيقياً كمن يستمع إلى أغنية جميلة، فهي تعبر عن معاني الخصوبة والأمومة والدفء، وتعبير عن الأرض، وهناك تشابه بين المرأة والأرض بالعطاء والشكل والاحتواء لذلك بدأت بالأم والمرأة».

د. فاطمة إسبر في معرض أسعد

وعن المعارض التي شارك بها قال: «أقمت أول معرض فردي بمركز الفنون التطبيقية في "اللاذقية" بخمسة وثلاثين عملاً من الخشب والحجر عام 2017، وشاركت بمعرض مشترك باسم "سيمفونية الخشب" مع الفنانين "مصطفى شخيص"، و"غيث ضاهر"، وشاركت بمعارض "الربيع" و"الخريف" لمدة أربعة أعوام متتالية في "اللاذقية"، وشاركت بمعارض مختلفة بصالات خاصة ومعارض جماعية في دار "الأسد" للثقافة، ومعارض جماعية في صالة اتحاد الفنانين التشكيليين في "اللاذقية"، ومعارض "فنانو اللاذقية"، كما شاركت بمعرض "تحية إلى هيشون"، ومهرجان "أوغاريت الوطن الأم"، وتمّ اقتناء عدد من أعمالي داخل "سورية" وخارجها».

وتواصلت مدوّنةُ وطن مع الفنانة التشكيلية الدكتورة "فاطمة إسبر" للحديث عن فنّ "جابر أسعد"، فقالت: «حين يُذكر اسم الفنان النحّات "جابر"؛ نشعر بأن المشاعر الإنسانية تتجسد أمامنا بصدقها البهي وبراءتها الأولى، وتتسلل إلى قلوبنا منسابة بما تحمله من حنان الأمومة وأمان الأبوة ودفء الأخوة، كما تحمل في خطوطها روح الصداقة وجذوة الحبّ الساكن في تلك الخطوط المنحنية بحنان يشبه تلك الأعماق، ويلامس الروح قبل القلب. هذه الخطوط التي أخذت اكتمالها في أعماله المنحوتة من مادة الخشب التي اختارها كي تكون مادته الأكثر والأوسع تعاملاً مع أنه ابتدأ بالخزف.

أنتج أعمالاً في غاية الجمال والرقة، وكذلك اشتغل بالحجر، لكن عشقه الأكبر كما يبدو لمادة الخشب لما توفره من جماليات متعددة في اللون والخطوط وجاذبية التعامل مثل كثير من الفنانين الذين تغويهم مادة الخشب، فأعماله تحوطنا بالحبّ ويقدمها بمسؤولية يؤكد فيها الإنسان في أرقى أهدافه».

يُذكر أنّ الفنان التشكيلي "جابر أسعد" من مواليد "اللاذقية" عام 1950، عضو اتحاد الفنانين التشكيلين فرع "اللاذقية".