هو موقع أثري قديم، يقع تقريباً في منتصف الشاطئ الشرقي لبحيرة "طبريا"، وبتحديد أكثر، جنوب مصب وادي السمك في هذه البحيرة، وهو واد كبير، ينتهي بدلتا، يأخذ شكل رأس متقدم، ويضم هذا الموقع بقايا دير، وكنيسة، ومباني سكنية، إضافة إلى مرسى للزوارق والسفن الصغيرة.

"الكرسي" القرية الجولانية الأثرية المحتلة والتي تقع على بعد /6 كم/ إلى الجنوب من بلدة "البطيحة"، و/10كم/ إلى شمال الشرقي من مدينة "فيق"، وتتبع لناحية "البطيحة"- منطقة "فيق" بمحافظة "القنيطرة".

في مادة "كرسي" بلفظ الكرسي الذي تجلس عليه الملوك وتشديد الياء ليس للنسبة، وهي قرية بطبريا يقال: إن المسيح جمع الحواريين بها، وأنفذهم منها إلى النواحي، وفيها موضع كرسي زعموا أنه جلس عليه عليه السلام"

ويذكر الباحث بتاريخ الجولان الأستاذ "تيسير خلف" لمدونة وطن eSyria بتاريخ 10/5/2012: «أن الآراء اختلفت حول أصل اسم الموقع، فمنهم من أعاده إلى الكلمة الآرامية "كورسا"، التي تعني "الكرسي"، ومنهم من رأى تشابهاً بين اسم الموقع، وكلمة "خنزير" باليونانية، وربط بين اسم الموقع ومعجزة الخنازير، ومنهم من رجح العامل الجغرافي اسم الموقع إلى جرف صخري في الموقع، يبدو على شكل كرسي، مقعد، يعلو الكنيسة، ويشار إلى أن هذا الموقع يرد في "إنجيل متى" باسم "كورة الجرجسيين" (نسبة إلى جرجسة) [مت 8/ 28]».

أ. تيسير خلف

وقد ذكرها الجغرافي "ياقوت الحموي" في معجم البلدان، إذ قال: «في مادة "كرسي" بلفظ الكرسي الذي تجلس عليه الملوك وتشديد الياء ليس للنسبة، وهي قرية بطبريا يقال: إن المسيح جمع الحواريين بها، وأنفذهم منها إلى النواحي، وفيها موضع كرسي زعموا أنه جلس عليه عليه السلام"».

ونقلاً عن كتاب "المسيح في الجولان" تاريخ وآثار للباحثين "تيسير خلف" و"عز الدين سطاس" عن قرية "الكرسي" الأثرية صفحة (57) جاء: «كشفت عمليات المسح والتنقيب، التي جرت في الموقع، عن آثار وبقايا، تعود إلى العهود الرومانية، والبيزنطية، والعربيةـ الإسلامية، لعل من أهمها ما يلي:

رسم يجسد معجزة طرد الشياطين في الكرسي

• بقايا دير كبير من العهد البيزنطي، أبعاده 145 × 123 م.

• سور يحيط بالدير.

• بوابة رئيسية في الجدار الغربي للسور، محمية ببرج من طابقين.

موقع الكرسي على خارطة الجولان

• شارع مرصوف، يمتد من البوابة الرئيسة، إلى ساحة أمام الكنيسة.

• صفوف من الأعمدة تحيط بساحة الكنيسة، يبدو أنها لم تكن مسقوفة في المرحلة الأولى، فبدت كأروقة مفتوحة، وغطيت هذه الأروقة في مرحلة لاحقة، إلا أنها تداعت وسقطت مع الزمن، ما عدا الرواق الشرقي.

• يقع الرواق الشرقي بجوار واجهة الكنيسة، وقد تحول هذا الرواق إلى مدخل الكنيسة، وهو مدخل مرصوف، يقع على جانبيه مقر الكهنة، وغرفتان، غرفة في كل جانب.

• أقيمت قاعة الصلاة في الكنيسة على قناطر، محمله فوق صفين من الأعمدة، ويضم هذا الجزء صالة وسطى، إضافة إلى رواقين جانبيين.

• كانت الغرف الواقعة على جانبي الرصيف مرصوفة بالفسيفساء، ووجدت رقع من الفسيفساء الملون، في بقية أجزاء الكنيسة.

• ضمت الأروقة تماثيل الحيوانات، زينت الأرضية المرصوفة بصورها، إلى جانب أشكال وصور نباتية.

• وجدت رقعة فسيفساء، في بوابة إحدى الغرف الشمالية، تحمل صورة زوجين من الحمام، يقفان إلى جوار سلة مجدولة.

• بقيت أجزاء من أرضية فسيفسائية، مع صلبان، وتماثيل، على امتداد جدار واجهة الكنيسة.

• في مدخل غرفة حوض التعميد كتابة يونانية، تعود إلى عام 585م.

• في جنوب الدير، هناك مغارة، خصصت لدفن رهبان الدير، وقد وجد فيها نحو ثلاثين هيكلاً عظمياً، لرجال تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والخمسين عاماً.

• خزان ماء.

• بالقرب من الجزء الشمالي للسور، هناك بقايا مبان سكنية، ومساحات بيوت، ومواقد، وأقنية تصريف. ويلاحظ من دراسة هذه المباني وجود ثلاث مراحل من البناء، مرحلة أقدم، تعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين، ومرحلة لاحقة، تعود إلى القرن السابع، ومرحلة أحدث تعود إلى القرن التاسع، وكانت هذه المباني محل سكن الرهبان، والعاملين في الدير، والحجاج.

• إلى الجنوب من الدير، هناك بقايا برج، على منحدر سفح التل. تعرضت الكنيسة للخراب، في أيام الغزو الفارسي للمنطقة، في عام 612م، وجرى ترميمها في وقت لاحق، غير أنها تعرضت للحريق في مطلع القرن الثامن الميلادي، وأصابها الدمار لاحقاً».

ويضيف الكتاب: «على مسافة 600 متر غرب الدير، هناك خربة، تعرف باسم خربة الكرسي، وهي تل قديم، كشف التنقيب فيه، عن بقايا عمران من العهد الروماني، وعن بقايا خان، من العهد العربي الإسلامي، كان قائماً على رأس التل، وقد عثر في هذا الموقع على فخاريات، تعود إلى العهود الرومانية، والبيزنطية، والإسلامية، والفرنجية، كما وجدت بقايا بناء عام، وبقايا معمارية هندسية في الشمال من هذا التل.

• مقابل موقع الكرسي، وداخل بحيرة طبريا، تم الكشف عن مرسى قديم، استخدمه صائدو الأسماك، كما كشف عن حوض لتخزين الأسماك، ويشار إلى أن رأس الكرسي، يعد من أغنى أجزاء بحيرة طبريا بسمك السردين.

يعتقد أن فكرة تخليد "معجزة الخنازير" هي الدافع الأساس، لإقامة الدير والكنيسة في هذا الموقع، المتميز بالموقع الجغرافي، والمناخ المعتدل، وتوافر الماء، والتربة اللحقية الخصبة، والثروة السمكية، وقد تحول الموقع إلى مزار للحجاج المسيحيين منذ أقدم العصور.

وتشير البقايا واللقيات إلى أن الموقع لم يكن مجرد مكان عبادة، بل كان مركزاً دينياً، وحلقة وصل ما بين فلسطين والجولان، وبين العالمين المسيحي والإسلامي، ومركزاً اقتصادياً، يعتمد بشكل أساسي على السياحة، والثروة السمكية، وتؤكد هذه البقايا واللقيات الدور الحضاري، الذي لعبه هذا الموقع في تاريخ المنطقة، وموروثها الثقافي».

إدارياً، تقع "الكرسي" في ناحية "البطيحة"، وتعد ثاني قرية في سهلها، من حيث السكان، فقد بلغ عدد سكانها نحو 428 نسمة في حزيران من عام 1967، ووصل عدد النازحين منها إلى 997 نسمة في عام 1990، منهم 525 نسمة من الذكور، وشكل سكان الكرسي في هذا العام نحو 12% من إجمالي سكان ناحية "البطيحة".

الجدير بالذكر بأن قرية "الكرسي" تعرضت للتدمير وسكانها للتهجير إبان الاحتلال الإسرائيلي في حزيران عام 1967، حيث يعيش معظم مهجريها في مناطق متعددة بمدينة "دمشق"، اعتمد سكانها قبل الاحتلال الإسرائيلي على زراعة الحبوب في الأراضي البعلية، وزراعة الخضراوات في الأراضي المروية التي تصلها من مياه بحيرة "طبريا"، وعلى تربية المواشي والأغنام والأبقار، والقسم الآخر من سكانها اعتمد على صيد الأسماك من البحيرة.‏‏

وفي مطلع عام /2000/ وضمن زيارته لمنطقة الشرق الأوسط للحج إلى الأماكن المقدسة، فقد زار بابا الفاتيكان "يوحنا بولس" السادس قرية "الكرسي"، وأقام فيها قداساً دينياً من أعلى التل الذي يقال إن السيد "المسيح" عليه السلام ألقى من فوقه موعظة الجبل.

  • تم تحرير المادة بتاريخ 2010.