هي إحدى أيقونات الجمال في بلدات "الجولان" السوري، إضافة إلى عراقة تاريخها القديم والحديث الذي يحكي حكايات ممزوجة بدم الشهداء والبطولة، فقد شهدت بلدة "الخشنية" إحدى مجازر العدو الإسرائيلي، وما زالت ذكراها حية في قلوب أهلها على الرغم من ألم الفراق.

يقول "نديم ميرزا" ابن بلدة "الخشنية" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 تشرين الأول 2017: «تقع في منطقة بركانية وعرة جنوب مدينة "القنيطرة" على بعد 15 كيلو متراً، وترتفع عن سطح البحر 765 متراً. يحيط بها تل الطلائع جنوباً، و"الرمثانية" و"فزارة" شمالاً، و"الفحام" و"تنورية" و"الفرج" جنوباً، و"العشة" وتلول "شعاف السنديان" شرقاً، و"المشتى" غرباً.

منظر "الخشنية" من الخارج جميل؛ لأن معظم البيوت متفرقة بينها شوارع واسعة مستقيمة

تضم البلدة الكثير من العيون والينابيع دائمة الجريان، منها: عين "التينة" شرق البلدة، وعين "السبع"، وفي الشمال وادي "أبو حنيفة" الذي يفيض شتاءً بغزارة، ووادي "السبع"، إضافة إلى وجود ثلاثة تلال، هي: تل الطلائع الكبير، تل الطلائع الوسطاني، تل الطلائع الصغير، وأسفل التلول بركة كبيرة تتجمع مياه الأمطار فيها، وكانت تشرب منها مواشي القرية سابقاً».

"نديم ميرزا"

ويضيف: «كانت بيوت البلدة القديمة مبنية من الحجارة البازلتية بسقوف قرميدية، أو من التوتياء، ثم ظهرت البيوت الإسمنتية الحديثة وتوسعت البلدة أكثر.

وترتبط مع الطريق المعبد الذي ينطلق من "القنيطرة، فعين زيوان، الغسانية، عين عيشة، جويزة، فزارة، الخشنية، المشتى، القصيبة، فاليعربية"، كما أن طرقاً معبدة تربطها بجميع قرى الناحية ومزارعها، وهي عقدة مواصلات، وتُعد مركزاً اجتماعياً وتربوياً واقتصادياً، وتم تنفيذ شبكة مياه حديثة فيها مصدرها عين التينة، وكانت قيد الاستثمار».

مسجد "الخشنية"

الزراعة وتربية الماشية على اختلافها كانت العمل الرئيس لسكان البلدة بحسب "ميرزا"، الذي قال: «الزراعة كانت بعلية، وكانوا يزرعون القمح والشعير والعدس والبيقية والترمس، كما كانوا يزرعون الخضراوات زراعة محدودة للاستهلاك المنزلي. كما اشتهرت "الخشنية" بكروم العنب والتين، وفي البلدة غابة من أشجار الكينا التي كان لها دور كبير في القضاء على الملاريا، وزرعت أيضاً على جوانب الطرقات.

اشتهرت البلدة عما يجاورها من قرى قديماً بسوقها الأسبوعي لبيع المواشي في كل يوم ثلاثاء، الذي كان يرتاده سكان جميع القرى المجاورة، وفيها سوق تجاري ومطحنتان، إضافة إلى صناعة العربات الزراعية والقبعات الصوفية.

بلدة "الخشنية" على الخريطة

ومن الناحية الإدارية والمؤسساتية، كان يوجد فيها مركز الناحية وأمانة السجل المدني ومخفر للشرطة، ومدرستان ابتدائيتان، ومدرسة إعدادية مختلطة، ومسجد بني عام 1956، وأصابته القذائف الإسرائيلية عام 1967 بالضرر ونهب الصهاينة كل ما فيه، وهو البناء الوحيد القائم حتى الآن، حيث إنه بني على أنقاض الجامع الذي بناه شراكسة "الخشنية" في السنة الأولى من قدومهم إلى "الجولان".

أثناء العدوان الإسرائيلي في الخامس من حزيران عام 1967، رفض أبناء البلدة مغادرة أراضيهم وبيوتهم، فقام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصفها بالطائرات بأكثر من مئة قنبلة، وعندما لم يفلح بطردهم جمعوا عدداً من سكان البلدة في الساحة الرئيسة وأطلقوا النار عليهم، وبعد ساعة من ترك الشهداء والجرحى في العراء، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق النار عليهم مرة أخرى إمعاناً في إرهاب المواطنين وإفصاحاً عن العقلية العدوانية الإسرائيلية التي تحب القتل والاحتلال وسفك الدماء، وقام الجنود الصهاينة بتعليق بعض الجثث على فوهات مدافع الدبابات لبث الذعر والخوف بين المواطنين وإرغامهم على النزوح وهجر بيوتهم وأرضهم.

وقد نال شرف الشهادة في هذه المجزرة الصهيونية البشعة: "أبو بكر علي شيشة، أحمد قات، حقي عزيز وجوخ، صبري رجب قرموقة، صلاح عزيز، عائشة حاج ميرزا، عبد اللطيف تيوقة، علي هارون قوموق، محمد تيوقة، وصفية زوجة أحمد ينم، ستناي زوجة هارون قوموق، فاعور القبسي، سعدو القبسي، خالد العرسان، محمد سعيد كبسون، محمد جامبوت، محمد أبو عمشة، حميد"».

"عدنان محمد مصطفى قبرطاي" الباحث في تاريخ "الجولان"، يقول: «ذكر الرحالة الألماني "شوماخر" بلدة "الخشنية" بعد زيارته لها لأول مرة، أنها بلدة مبنية على تلة بارتفاع 20 متراً، وفيها مخيمات شتوية للعرب "الجعاتين"، ويسكنها أربعون شخصاً، بعد ذلك وفي العام نفسه بنيت القرية الشركسية وظهرت كتجمع للشراكسة المهجرين من "القفقاس"، حيث أشرف على تخطيطها وتنظيمها كقرية نموذجية في تلك الأيام، وأشرف على تنفيذ أبنيتها المهندس الضابط العثماني من أصل شركسي "سامي باشا"، الذي كان قائداً عسكرياً عثمانياً في منطقة "الجولان"».

وفي زيارة ثانية للرحالة "شوماخر" عام 1913م، قال: «مركز ناحية "الخشنية" ككبرى القرى الشركسية في "الجولان"، حيث بلغ عدد البيوت فيها 300 منزل، وهي عدد البيوت نفسها في "القنيطرة" تقريباً في تلك الأيام. وكانت جميع الأبنية مرتبة ومنظمة في صفوف مستقيمة أمام القسم الجديد منها، فكان يفصله عن الجزء القديم جدول ماء، وهي مبنية على تلة تطل على منطقة "القنيطرة"، وشوارعها واسعة منظمة بزوايا قائمة، والبيوت مبنية من حجارة البازلت، والطرق المعبدة إليها من "القنيطرة" ومن "الخشنية" إلى "اليعربية"، وتراوح كمية الأمطار فيها ما بين 600ـ800 مليمتر، وارتفاعها عن سطح البحر 760 متراً».

كما وصفها الرحالة الشركسي الكبير "أحمد وصفي زكريا" عام 1957، بالقول: «منظر "الخشنية" من الخارج جميل؛ لأن معظم البيوت متفرقة بينها شوارع واسعة مستقيمة».

وأضاف "قبرطاي": «كان في البلدة فرع للجمعية الخيرية الشركسية في عام 1953، مقرها في منزل "عبد الغفار شق" ورئيس الفرع "عبد الحميد شق"، ولهذا الفرع أنشطة متميزة ومتنوعة في مجالات شتى، وفيها مضافات عامة، إضافة إلى المضافات المعروفة في كل بيت شركسي، ووجود جمعية فلاحية هدفها تنمية الزراعة وتطويرها منذ عام 1950، وكان فيها فرق رياضية متميزة وخاصة في لعبة كرة القدم، وقد حاز بعض الرياضيين بطولات فردية في رياضات مختلفة».

"فارس الصفدي" مدير دائرة الآثار والمتاحف في "القنيطرة"، قال: «عُثر في بلدة "الخشنية" على آثار قديمة بعد أن جرى تنقيب أثري، فوجد جدار في جنوبها الغربي استخدم جزء منه جداراً لخان ذي بوابة لها ساكف على شكل قوس، كما يوجد في الشمال الشرقي بركة لجمع الماء، وجد في جانبها الغربي بقايا جدران. وعثر في إحدى ساحات البلدة على القسم السفلي لتمثال بازلتي يمثل رجلاً يرتدي نوعاً خاصاً من الملابس، كما عثر على فخار يعود إلى العهود الرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية، إضافة إلى نقود من العهد الروماني.

وفي الماضي عثر في التلة التي يقع عليها جزء من "الخشنية" على تماثيل وأقواس لأبنية، وقد وجد تمثال آخر نصفي مكسور في وضعية الرقص من الحجر الأسود البازلتي الذي يعود إلى العهد الروماني».

وتابع: «البلدة مسجلة بموجب القرار 146/أ بتاريخ 3/9/1983 الصادر عن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية كموقع أثري في "الجولان" العربي السوري المحتل، ففي الجزء الجنوبي من القرية تل أثري فيه مكتشفات رومانية من العهود الرومانية والبيزنطية والإسلامية».