الحياة البدويّة ضربت جذورها في قرى "الجولان"، وعلى الرغم من تغير المجتمع من هذه البداوة والترحال إلى الحداثة والاستقرار، إلّا أنّ أقحاح العرب من "الجولان" ما زالوا يحافظون على ما ينتجون من فنّ أصيل وتراث عربي، مثل "بيت الشَعر".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 تشرين الأول 2017، الباحث "محمود مفلح البكر" من مواليد قرية "شقيف" في "الجولان" المحتل، الذي قال: «بدو "الجولان" ما زالوا ينتمون إلى مكونات البيئة الفطرية التي استلهموها من البيئة الطبيعية حولهم، إذ كانوا ينتقلون بحثاً عن الكلأ والماء وينصبون بيوت الشعر حول الآبار، ويقيمون حياة بسيطة شاعرية، لكنّها خشنة وقاسية بعض الشيء في بيتهم الشعري الذي بدا مهدداً بالزوال».

بدو "الجولان" ما زالوا ينتمون إلى مكونات البيئة الفطرية التي استلهموها من البيئة الطبيعية حولهم، إذ كانوا ينتقلون بحثاً عن الكلأ والماء وينصبون بيوت الشعر حول الآبار، ويقيمون حياة بسيطة شاعرية، لكنّها خشنة وقاسية بعض الشيء في بيتهم الشعري الذي بدا مهدداً بالزوال

وعن تسميات "بيت الشعر"، أضاف: «تختلف تسميات عرب "الجولان" لبيت الشعر بحسب الحجم أو بحسب عدد الأعمدة فيه؛ إذ لا يُحسب في هذا الحال إلا العمود الأوسط، الذي يُسمى "الواسط" أو "عمود البيت"؛ فهو محور البيت، ورمز رفعته، وشرف أصحابه. أمّا العمودان الجانبيان، فهما يكملان ارتفاع البيت، ويُدعى كلّ منهما "الكاسر"؛ لأن مكانه كسر البيت أي جانبه، فالبيت ذو الواسط الواحد يُدعى "قَطْبَة"، أمّا ذو الواسطين أي العمودين، فيُدعى "الصهوة" و"مدوبل" و"مقورن"، وإذا ارتفع على ثلاثة أعمدة، فهو "مثلوث"، وإذا كانت أربعة، فهو "مربوع"، وبعده "المخموس، والمسدوس، والمسوبع، والمثومن"، وهكذا يزداد طول البيت بزيادة الأعمدة، وهو ينطبق على طول الشقة. وعادة البيت الطويل يكون أكثر من قطعة، ويُوصل بينها بحلقات حديدية و"كلّابات"».

الباحث "محمود البكر"

وعن أقسام بيت الشعر وأجزائه، تابع: «يقسم "الواسط" في بيت "القطبة" إلى قسمين متساويين، أحدهما للرجال، ويُسمى "المقعد" أو "الربعة"، والآخر للنساء والأطفال، ويُسمى "المحرم"، و"الشق" أو "الحادرة". أما البيت "المدوبل"، فينقسم إلى ثلاثة أقسام متساوية، أحدها للرجال، والآخرين لأفراد الأسرة.

وهكذا تزداد أقسام البيت بزيادة الأعمدة؛ فالبيت "المسودس" مثلاً فيه سبعة أقسام أو حجرات يتوزع فيها أفراد الأسرة من متزوجين وعزّاب، أما عن أجزاء البيت، فيتكون من قطع نسيجية كثيرة مختلفة القياسات، تنسج كل واحدة منها على حدة، ثم تُجمع بنظام معين، وتتم خياطتها معاً، حتى يصبح البيت جاهزاً للبناء. ومن أهم هذه الأجزاء: "الشقاق"، الواحدة منها "شُقّة"، ويجب أن تكون من شعر الماعز الأسود الخالص غير المصبوغ، يراوح عرضها بين 60 و70سم، وطولها بحسب طول البيت، ويحتاج البيت من 6 إلى 8 شقاق، أما الجزء الثاني، فهو "المَخَلُّ"، وهو عبارة عن قطعة منسوجة من الشعر الأسود الجديد (لحمة وسداة)، عرضها من 25 إلى 30سم، وطولها طول شقة البيت، ومكان المَخَلُّ في حافة البيت، لتعزز به الأخلَّة التي تُعلق الرواق بالبيت. وقد سُمي مَخَلُّاً لأنه مضرب الأخلّة، وهو أكثر القطع عرضةً للتمزق، لهذا يُنسج قليل العرض ليكون استبداله أقل تكلفة. ويحتاج كل بيت إلى مخلّين على جانبي الشقاق، والجزء الثالث "الطريقة" وهي عبارة عن قطعة منسوجة من الشعر، تتوسط البيت عرضاً لتكون تحت الشقاق وفوق الواسط، لتحمي الشقاق من التفسخ بفعل ضغط العمود، ويُربط طرفاها بحبلين، أحدهما أمام البيت، والآخر خلفه، أما الجزء الأخير "العماير"، فهي قطع بعرض ما بين 15 إلى 20سم وبطول نحو 70سم، تتم خياطتها بجوانب البيت من الأعلى، لتربط بها الحبال، إذ لا يجوز أن تربط الحبال بالشقاق مباشرة؛ لأنها عند ذلك ستكون عرضة للتمزق، فالهدف منها حماية البيت، ويُفضل أن تُنسج "العماير" من الشعر الخالص، ويدخل الصوف بعض الأحيان نسيجها، وعادة تكون قطعة واحدة ثم تُقسم حسب الحاجة».

بيت الشعر

وعن مواد بيت الشعر المعمّر "كامل محمد علاء الدين" من مواليد "الجولان" عام 1929، قال: «كانت البيوت تُصنع من شعر الماعز والصوف ووبر الإبل والجلود والخام، وكان بعضها يُبنى في مناسبات معينة لمدة محدودة في السنة، ليكون بيتاً للعروس، أو لتاجر ما في موسم الأسواق، أو في وقت الصيف، وبعضها أنسب للشتاء من غيرها، لكن سيد هذه المواد هو شعر الماعز، لمتانته ومناسبته للشتاء، فخيوطه تنكمش حين تبتل بالمطر، فتغلق مسامات النسيج، وتمنع تسرب الماء داخل البيت. ومن أفضل أنواع الشعر المستخدم في صناعة بيت الشعر، شعر الماعز الجبلي المقصوص من الماعز الأسود، ويليه ماعز العرب، ثم الماعز المنتشر في باقي المناطق. وفي درجة أقل يأتي شعر الدباغات المحلية، فالشعر التركي، فاللبناني والهندي. وهناك خطوات لتهيئة الشعر للنسج، وهي أولاً فرز الشعر حسب ألوانه، بعدها حسب جودته، فالأفضل كان يُخصص لخيوط السداة، والأقل جودة لخيوط اللحمة، وبعدها يتم تمشيط الشعر وندفه عن طريق قطعة خشبية مسطحة فيها مسامير، أو قطعتين يمرر الشعر بينهما، تُسمى "المشط" أو "الكرداش"، ويُضرب بها حتى يتفرق الشعر المتلبد، ثم يُوضع في أكياس ليكون جاهزاً للغزل بطريقة مخصصة على النول».

"الواسط" أو "العمود" في بيت الشعر