لن يستغرب المرء كثيراً إذا ما سمع عن مطاعم توسطت مراكز المدن، ونالت شهرةً واسعة بسبب جودة المأكولات المتنوعة التي تقدمها للزبائن. لكن كيف سيكون الحال، إذا ما سمعنا بأن هناك مطعماً شعبياً يقدم صنفاً واحداً من الطعام، ويبعد عن مركز المدينة عشرات الكيلو مترات، ويعتبر اليوم من أشهر المطاعم في القطر؟!

موقع eRaqqa وبتاريخ (12/7/2009)، زار مطعم "العزيزي"، الشهير بمطعم "شعيب الذكر" نسبة للقرية المسماة بهذا الاسم، والذي يبعد عن مركز مدينة "الرقة" حوالي /85/ كم، والتقى السيد "محمد عمر العزيزي"، وهو أحد مالكي المطعم، وبسؤاله عن البدايات الأولى لتأسيس المطعم، وسبب هذه الشهرة التي يتمتع بها منذ عشرات السنين، أجاب قائلاً: «في عام /1970/م، انتقل والدي ـ رحمه الله ـ الحاج "عمر العزيزي" المعروف بـ"أبو محمد"، من ناحية "عزاز" التابعة لمحافظة "حلب"، إلى قرية "شعيب الذكر" التابعة لمحافظة "الرقة"، وذلك طلباً للرزق، حيث أنه لم يكن يملك أي شيء في قريته الأساسية.

في الحقيقة كان والدي دائماً يقول أنه رأى الخير على وجه هذه الوجبة التي عشقها الناس، وأنها أصبحت "كاراً" له، وستبقى لأولاده من بعده، وأعتقد أن إدخال وجبات أخرى إلى المطعم، كالمشاوي وغيرها من المأكولات، ستُفقِد مطعمنا ميزة التخصص والتفرد، حيث لا أظنُّ أن هناك مطعماً في كل العالم يقدم وجبة واحدة وهي "الطوَّاية" لزبائنه. وبصراحة أكثر، فإننا نخشى أن تذهب البركة عن مطعمنا إذا ما غيرنا هذه التقليد، الذي استمر لمدة تقرب من الأربعين عاماً، فهناك العديد من الاستراحات والمطاعم على الطريق، والتي تقدم العديد من الوجبات المتنوعة، إلا أنها لا تتمتع بذات الشهرة التي يتمتع بها مطعمنا

وقد سمح له أهالي قرية "شعيب الذكر"، وهم بالكامل من عشيرة "الحويوات" التي هي فخذ من "الولدة"، ببناء منزل له ولعائلته في طرف القرية، بالإضافة لمطعم صغير بالقرب منه، وكان بناؤهما من مادة الطين، كباقي منازل القرية، وقد كان عدد السكان آنذاك حوالي الـ/400/ نسمة، وبدأ منذ ذلك التاريخ العمل في المطعم، حيث كان يقدم للزبائن وجبة وحيدة، وهي "الطوَّاية"، والتي تتألف من لحم الغنم المفروم بالإضافة للبصل والبندورة ورب البندورة والتوابل.

السيد محمد عمر العزيزي

ولم تكن هذه الوجبة معروفة كثيراً لدى سكان المنطقة، لكنها نالت إعجاب جميع الزبائن، وغالبيتهم كانوا من المسافرين الذين يعملون كسائقي سيارات الشحن "القاطرات"، والذين كانوا يقصدونه للاستراحة وتناول الطعام، وما هي إلا سنوات قليلة حتى أصبح لهذا المطعم الصغير شهرة كبيرة لم يكن يتوقعها أحد، فكل من يزور المطعم، كان يحدث غيره عن "الطوَّاية" التي تناولها فيه وعن جودتها، حتى لم يبقَ أي سائق لسيارات الشحن في القطر، يمرُّ في الطريق الواصل بين مدينتي "الرقة" و"حلب"، إلا ويعرف المطعم ويزوره بشكل دائم، منذ ذلك الزمان وحتى يومنا هذا، ناهيك عن المسافرين الآخرين الذين سمعوا عن المطعم، وهم اليوم لا يقلون عدداً عن سائقي سيارات الشحن، وهناك العديد من الشخصيات المعروفة تقصد مطعمنا كلما صادف مرورهم من قرية "شعيب الذكر"، وأذكر منهم على سبيل المثال: النائب "ذياب الماشي" وهو شيخ عشيرة "البو بنَّا"، والشاعر الشعبي المعروف "عمر الفرا"، والعديد من شيوخ العشائر والأدباء والفنانين».

وفي ذات السياق يضيف "العزيزي": «بعد سنوات قليلة من بناء والدي المطعم والمنزل، بدأت أعمال التحديد والتحرير في المنطقة من قبل القاضي العقاري في مدينة "الرقة"، فتم تسجيل ما يقارب /1500/م2، من الأرض باسم والدي رحمه الله.

شاحنات وسيارات عديدة أمام ساحة المطعم

ومن الأمور الهامة التي ساعدت على شهرة المطعم، هو أنه وبعد عام /1973/م، وبعد بناء سد "الفرات"، والذي تشكلت خلفه بحيرة "الأسد"، التي غمرت كافة المناطق الواقعة تحتها، تم استحداث الطريق الجديد الواصل بين "الرقة" و"حلب"، والذي تصادف مروره أمام مطعمنا، وقد بقي بناء المطعم على حاله القديم، حتى عام /1997/م، حيث قمنا بتجديده من خلال بناء مطعم كبير مصنوع من مادة الإسمنت، وهو شبيه بمباني الاستراحات التي تبنى عادةً على جوانب الطرق العامة.

وقد ظلَّ والدي يمارس العمل في المطعم حتى أيامه الأخيرة، حيث توفي في عام /2007/م، أما اليوم فأنا وأخوتي "محمد" و"محمود" و"عبد الخالق"، نعمل سوية فيه، علماً أنني بدأت العمل منذ عام /1972/م، وحتى تاريخه، ولا توجد لدينا أي نية لإحداث أي تغيير في هذه المهنة».

طواية شعيب الذكر الشهيرة

وعن سبب عدم إدخال وجبات أخرى إلى المطعم، يقول "العزيزي": «في الحقيقة كان والدي دائماً يقول أنه رأى الخير على وجه هذه الوجبة التي عشقها الناس، وأنها أصبحت "كاراً" له، وستبقى لأولاده من بعده، وأعتقد أن إدخال وجبات أخرى إلى المطعم، كالمشاوي وغيرها من المأكولات، ستُفقِد مطعمنا ميزة التخصص والتفرد، حيث لا أظنُّ أن هناك مطعماً في كل العالم يقدم وجبة واحدة وهي "الطوَّاية" لزبائنه.

وبصراحة أكثر، فإننا نخشى أن تذهب البركة عن مطعمنا إذا ما غيرنا هذه التقليد، الذي استمر لمدة تقرب من الأربعين عاماً، فهناك العديد من الاستراحات والمطاعم على الطريق، والتي تقدم العديد من الوجبات المتنوعة، إلا أنها لا تتمتع بذات الشهرة التي يتمتع بها مطعمنا».