كثيرة هي المأكولات الشعبية التي انتقلت إلى مدينة "الرقة"، عبر العقود الماضية، وجميعها جاءت مع الوافدين إلى هذه المدينة من المحافظات السورية الأخرى وعلى رأسها مدينة "حلب"، وقسم آخر جاء به الوافدون من بعض الأقطار العربية.

ولعلَّ أشهر هذه المأكولات وأكثرها شعبية هي "الفلافل"، التي عرفها الرَّقيون منذ عقود قليلة مضت، وقد كان من أوائل من عمل في مجال مطاعم "الفلافل" في "الرقة" المرحوم "عبد الله السيد" المعروف بـ"أبو علي" الفلسطيني.

ظل الوالد يعمل في هذا المحل، حتى سنة وفاته عام /1989/م. بعد ذلك قمنا أنا وأخي الأكبر "نور الدين" بشراء محل آخر، غير المحل الذي استأجره والدي، وذلك لظروف لها علاقة برغبة مالك محلنا السابق بتجديد البناء، لكننا لم نبتعد عن المحل السابق سوى بضعة أمتار وعلى ذات النسق، وكان ذلك في عام /1990/م. وما زلنا نعمل حالياً أنا وأخي "نور الدين" في هذا المحل، والذي أطلقنا عليه اسم مطعم "فلسطين"، وحتى يومنا هذا، لا يوجد مطعم لبيع "الفلافل" بالقرب من مطعمنا، وكل المطاعم المحيطة بنا تختص بتقديم المشاوي فقط

تُرى ما حكاية هذا المطعم.؟ وكيف كانت البداية.؟

محمد عبدالله السيد من أبناء المرحوم عبد الله السيد

موقع eRaqqa وبتاريخ (5/11/2009) التقى السيد "محمد عبد الله السيد" ابن المرحوم "عبد الله السيد"، والذي راح يحدثنا عن حكاية والده الذي افتتح على وجه التقريب أول أو ثاني محل لبيع "سندوتشات" "الفلافل" في مدينة "الرقة"، حيث تحدث قائلاً: «بعد عام /1948/م، قَدِمَ والدي من فلسطين قاصداً سورية، وتحديداً مدينة "حمص"، لكنه بعد ذلك غادرها إلى مدينة "دمشق"، وأقام في المخيم الفلسطيني للاَّجئين لمدة سنتين تقريباً، ومنذ ما يزيد عن الخمسين عاماً، قرر والدي السفر إلى مدينة "الرقة" والاستقرار فيها، لما سمعه عن إمكانية توفر العمل في هذه المدينة الفتية، والتي تحتاج للكثير من الأيدي العاملة الحرفية.

كان والدي ـ رحمه الله ـ قد عمل في العديد من المطاعم الشعبية، سواء في فلسطين أو في سورية، وكان قد تخصص في تحضير مادة "الفلافل" المصنوعة من الحمص المسلوق والمطحون، فقد قرر أن يتخذ من بيع "سندوتشات" "الفلافل" مهنة له، يقتات منها هو وأسرته، علماً أن هذه الأكلة كانت معروفة على نطاق ضيق لدى أبناء "الرقة"، إضافة للذين كانوا يترددون إلى المدن السورية الكبرى كـ"دمشق" و"حلب" و"حمص"، وغيرها من المدن.

جانب من زبائن المطعم

وكانت البداية على عربة متنقلة ذات ثلاث عجلات، كان يدفعها والدي بيديه، وكانت تحتوي على كافة مستلزمات تحضير "السندوتش" كالتوابل والسلطة والخبز وغير ذلك، وقد كان يقوم بتحضير كافة المستلزمات في المنزل، وكان يتم ذلك وقت مبكر، وبقيت الأمور تسير على هذا المنوال لعدة سنوات، ليقوم بعد ذلك باستئجار محل ليفتتحه مطعماً شعبياً، وهو يقع في سوق "الرقة" القديم، والذي يدعى شارع "القوتلي"، وبالتحديد جوار مقهى "العمال"، ليكون بذلك هذا المحل، من أوائل محلات بيع "الفلافل" في محافظة "الرقة" كلها.

وشيئاً فشيئاً بدأت هذه الأكلة تنتشر في المدينة، وأصبح الجميع يعرفها ويطلبها، وأخذت تظهر محلات لبيع "الفلافل" في "الرقة"، إلا أنها لم تستطع منافسة المحل الذي افتتحه والدي، وذلك لسببين، الأول هو الأسبقية، والثاني هو موقع المحل، الذي كان يتوسط مركز المدينة، بالإضافة لوقوعه في منطقة مزدحمة، اشتهرت بأنها موقف للدراجات النارية، التي كان يستخدمها الرقيون في توصيل المسافرين إلى القرى والأرياف، ولا يخفى على أحد ما لهذين العاملين من تأثير على الفعالية التجارية. ناهيك عن جودة الطعام المقدم والخدمة الجيدة، وهو العامل الأهم بين كل العوامل المذكورة».

تحميص أقراص الفلافل ميزة خاصة بمطعم الفلسطيني

ويتابع السيد "محمد" وفي السياق ذاته: «ظل الوالد يعمل في هذا المحل، حتى سنة وفاته عام /1989/م. بعد ذلك قمنا أنا وأخي الأكبر "نور الدين" بشراء محل آخر، غير المحل الذي استأجره والدي، وذلك لظروف لها علاقة برغبة مالك محلنا السابق بتجديد البناء، لكننا لم نبتعد عن المحل السابق سوى بضعة أمتار وعلى ذات النسق، وكان ذلك في عام /1990/م.

وما زلنا نعمل حالياً أنا وأخي "نور الدين" في هذا المحل، والذي أطلقنا عليه اسم مطعم "فلسطين"، وحتى يومنا هذا، لا يوجد مطعم لبيع "الفلافل" بالقرب من مطعمنا، وكل المطاعم المحيطة بنا تختص بتقديم المشاوي فقط».

أما السيد "محمد عزيز"، وهو من الزبائن القدامى لمطعم "فلسطين" فقد قال: «أتردد إلى هذا المطعم منذ ما يزيد عن العشرين عاماً، وقد كانت تجمعني بـ"أبو علي" ـ رحمه الله ـ علاقة طيبة، ولا أذكر أنني تناولت "سندويتشة" "فلافل" في مطعم آخر من مطاعم "الرقة" الشعبية، على مدى تلك السنوات، فقد اعتدت على نكهة "الفلافل" الرائعة التي يتميز بها مطعمه، حيث أن أكثر ما يميز أقراص "الفلافل" في هذا المطعم، أنها "محمَّصة" بالزيت بشكل جيد، ويميل لونها للبني المحمر، وكلما كنت أسأله عن كيفية تحضير هذه الأكلة، كان يبتسم ويقول: إنه سر المهنة، وأن سبب تحميص الأقراص، هو الحيلولة دون تسبب "النفخة" بعد تناولها، وأنا وحتى هذا اليوم ما زلت أتردد إلى هذا المطعم، والذي هو اليوم بإدارة أبناء المرحوم "أبو علي" "محمد" و"نور الدين"، والحق يقال أن جودة الطعام لم تتغير أبداً، والدليل أن عدد الزبائن ـ اللهم صلي على النبي ـ بازدياد، والمعروف أنه حيث يكون هناك زبائن كُثر، توجد بضاعة جيدة».