ما يُصرف على المتوفى، في هذا الوقت بالذات، يَنأى عنه أصحاب العزاء أنفسهم، وما يتحملون من مبالغ إضافية، والهدف إرضاء المعزِّين المدلّلين، وتحوّل عادة تقديم ولائم العَزَاء إلى مجرد تفاخر بين العشيرة والأهل والأصدقاء، والإبقاء على خيمة العزاء ثلاثة أيام بلياليها في وسط الشوارع العامة في المدينة ما يعني أنها أصبحت مرهقة للأسرة وللجيب معاً!.

وللوقوف على هذه العادة، وما يتحمّله صاحب العزاء من مبالغ كبيرة ترهق كاهله، التقى موقع eRaqqa بتاريخ 9/2/2012عدداً من المواطنين للوقوف على تبعاتها.

كيف سيصار الاهتمام بالمعزّين، وما أكثرهم، في ظل ضيق ذات اليد، وان كان هناك عدد لابأس به ما زالوا متشبثين، ومتشدّدين بهذه العادة

يقول "محمد عيادة": «إنَّ المشكلة تنصيب خيمة العزاء في شوارع رئيسة في المدينة، على وجه التحقيق، ما أثار فضول الكثيرين، وان كان في الأفق ما يشير إلى تراجع لافت لهذه العادة غير المستحبة، وهذا ما أخذ يُؤسّس لواقع يرى فيه الكثيرون أنّه يَلزمه اتخاذ إجراء حازم وحاسم من الجميع، سواء كأشخاص، أو هيئات، أو جهات رسمية، يُوقف زحف هذه العادات والتقاليد التي يَعتقدُ العامة أنَها صارت في عداد النسيان، ومن الضرورة بمكان عدم الأخذ بها، لما تعكسه من نتائج سلبية، ومثيرة للتساؤل، وان لجأ البعض من سكان المدينة، في الفترة الأخيرة إلى عدم الاهتمام بها، وبالكاد صار يُؤخذ بها من قبل آخرين مازالوا مقتنعين بهذه العادات التي يرى، بالمقابل، الكثيرون أنها يجب أن "تَبْطُل" وبشكلٍ نهائي، إن لم نقل الإقلال منها لتبعاتها المادية الضخمة، واحتضانها والاهتمام بها، وبهذا الزخم من قبل البعض، لاسيما أنهم وحدهم المستفيدون من إقامتها، والهدف، هو: التباهي والتفاخر ليس إلا! وهذا يلّزمه الوقت الكافي لتكون أكثر إقناعاً لدى الأغلبية من الناس، وفي مقدمتهم حالُ أبناء الريف الذين مازالوا متشبّثين بها تحت ذرائع مختلفة، وأوّلها، ذريعة، لم الشَمْل.

عدنان المهاوش

شَمل الأهل، والأصدقاء والأحبّة، الذين يَزيدُ اهتمامهم بهذه المسائل التي يتغنّون باحتضانها، ولطالما جهزوا لها الأجواء الخاصة بها لتكون أنموذجاً يُحتذى به من قبل الآخرين مستقبلاً».

العامل "عدنان المهاوش"، قال: «إنَّ عادة تقديم ولائم العَزاء في محافظة الرقّة، في الوقت الحالي، وان كان لها أشخاصها المهتمون والمحتفون بها، آخذةً بالتَدَرّج نحو الزوال، ولجوء أهل المتوفى إلى بقاء خيمة العَزاء، واحتضان المعزِّين لأيام طوال، وأقلّها سبعة أيام بلياليها منذ بدء العزاء.

الباحث محمود الجدوع

في هذه الأيام السبعة، والتي تُسمى الليالي السود، أو الليالي العَصِيبَة على الشخص الذي فُرضَ عَليه القيام بتقديم ولائم العزاء، وهو مطالب بتهيئة وتأمين أشياء كثيرة جداً، ومكلفة، كل ذلك بهدف إرضاء المعزِّين».

وأضاف: «هذه الحالة تركت أبعاداً لها طابعها السلبي على أهل المتوفى الذين لا يكادون يَقدرون على تحمّل تبعة نفقات احتياجات المعزِّين الذين تتجاوز أعدادهم بالمئات، وقد تصل الآلاف، وهذا يلزمه إمكانات كبيرة جداً، وجهداً جاهداً، ومتسعاً من الوقت حتى يخرجُ صاحب التَعزية برضا المعزِّين الذين يأتون من كل حدبٍ وصوب للقيام بواجب العزاء، وان كان لهذا الموقف حساسيته الخاصة، وأثره على كل من المعزَّى الملزم بالحضور، وتقديم ما كان قد جمعه وادخر به من إمكانات مادية لإرضاء الطرف الآخر، في حين أنَّ المعني بالعَزاء مطلوب منه ـ في الوقت نفسه ـ توفير أكبر قدر من الاحتياجات لإرضاء ذاك الشخص القريب، بصورةٍ خاصة، ومن حضر معه!».

الرياضي مهدي أبو الهدى

ومن جهته، يقول "خليل الابراهيم": «لقد أخذت عادة تقديم ولائم العزاء، في حال فقدان أخ عزيز أو صديق قريب ـ وللأسف ـ أبعاداً ذات طابع خاص جداً، الخاسر الوحيد فيها أهل المتوفى، والسبب هو الصرفيات غير الاعتيادية التي يضخّونها في الأيام التي تلي حالة الوفاة، وهذا الواقع دفع بالكثيرين إلى الاهتمام بهذه المسألة، حيث يلجؤون إلى صرف مبالغ لا يُستهان بها.. وهذه المبالغ ما هي إلاّ مجرد تبذير في غير محلّه، في الوقت الذي كان يجبُ فيه أن يتمَّ صرفها في مناحي مفيدة لأسرة أهل المتوفى».

وقال الباحث، ورئيس تحرير موقع "سفير برس" "محمود الجدوع": «إنَّ ما سمعناه حيال هذه المسألة الكثير، ناهيك عمّا تناقله العديد من المواطنين عن مراسم العزاء، وقد سمعت في ذات مرّة أنّه تجاوز ما صرف على عزاء أحد الأشخاص المتوفين مبالغ خيالية، وذلك حسب مكانة الرجل بين ربعه، وعشيرته، إلاّ أنّه تمنينا أن يتمُّ دفع هذه المبالغ في أماكن أخرى لها محاسنها، وفوائدها بدلاً من صرفها على الشراب، والطعام وتقديم الحلوى، والهدف منها تبييض الوجوه، ليس إلاّ!».

وقال: «إنّ هذه الأجواء كانت حتى وقتٍ قريب، وما زالت مرسومة في أذهان أبناء "الرقّة"، حيث صبّ جلّ اهتمامهم حيال خيمة العزاء، حيث صارت عبارة عن تفاخر بين العشيرة، والأهل، والأصدقاء، وقد ولّدت هذه العادة حالات غريبة نتيجة الصرفيات التي لم تَعُد تُلبّي احتياجات أهل المتوفى، بقدر ما تُحقّق احتياجات الضيوف الثقلاء الذين يُصرّون على البقاء ساعات وساعات لكسب لقمة العيش التي أتوا من أجل الفوز بها!».

وأضاف: «إنَّ الفترة قد تطول.. بمعنى أنهم يبقون حتى يُقدم لهم أهل المتوفى "الثريد واللحَم".. طبعاً كل هذا من أجل "العزيَّة"، أو "الذبيحة"، التي أتوا بها، فانّه لا يمكن لهم مغادرة الخيمة "اللعنة" حتى يُبادر صاحبها إلى تقديم ما لذَّ وطاب من الطعام والشراب، سواء طالت الفترة أم قصرت، ويبقى لها ضررها أكثر من نفعها، وصارت بعيدة عن اهتمام الأغلبية من الأشخاص، في الوقت الحاضر، وبصورةٍ خاصة، ممن يعانون العوز والفاقة، وزيادة الاهتمام بهذه العادات، التي بدت تتلاشى، وأفرزت الكثير من المواقف المحزنة، ناهيك عن أنَّ البعض بات يمتعضُ من وجودها ـ بهذا الزخم ـ الكثير من الأشخاص غير القادرين على تأمين لقمة العيش لأبنائهم، ولأسرهم التي تحتاجُ إلى المزيد من المصاريف الزائدة، ويبقى الواقع الاقتصادي، وبحكم العادة مرتبطة بهذا الاتجاه وغيره!».

ويقول "حسين اليحيى" رئيس بلدية "سلحبية": «أكثر ما يعنى بهذه المسألة، ويتحمّل نفقاتها جارُ المتوفى.

فمهما كانت صلة القرابة التي تربط بين الشخص المتوفى وجاره، فانّه يضطر إلى القيام بواجب العزاء في اليوم الأول من حدوث حالة الوفاة، ويقتصر ذلك في حال كانت الرابطة بين الجار والمتوفى عادية جداً، وهذا ما يعني أنه يتخلى عن هذا الحِمل الثقيل المكلف مادياً، وقد يكون مرتبطاً بدين سابق، يجبُ عليه، بالمقابل، تعويضه ما يعني أنه سيقوم بواجب التعزية على أكمل وجه، وهذا ما يضطرّه إلى تأمين احتياجات بيت العزاء في ذلك اليوم، ولمرة واحدة، إكراماً لجاره المتوفى، إن رغب، وهذا ليس من باب الإلزام، وإنما الأعراف والتقاليد المتبعة وحدها تفرض عليه القيام بهذا الواجب الأخلاقي.

وقد يقوم بالغرض نفسه، وبالصورة ذاتها، الجار التالي، القريب من بيت المتوفى الذي تربطه به علاقة صداقة حميمية، أو"جيرة" قديمة، بكسر الجيم، وهو أولاً وآخر جار "حْجَرَة" بتسكين الحاء، كما يُقال بالعامية الرقّاوية، وعليه أن يتحمّل تبعات ذلك، ويكمل الدور فيما بعد صاحب خيمة العزاء حتى تنتهي فترة الأيام الثلاثة التي تلي الوفاة.

وفي الريف يأخذ المنحى ذاته، إلاَّ أنّه يمتدُّ إلى أكثر من ذلك، وقد يصل إلى نحو سبعة أيام، وبحسب مكانة الشخص المتوفى، وثقله الاجتماعي».

ويشير الرياضي المعروف "مهدي أبو الهدى": «هذه الصور طالما شاهدناها وبكثرة في مدينة "الرقّة"، حيث تمتد عادات العزاء وأنماطه المختلفة، وصرفياته المجحفة في المدينة وريفها إلى أيام وأيام بعد إزالة خيمة العزاء من أمام دار أهل أو أقارب المتوفى.. ناهيك، وهذا الأهم، أنَّه ـ ومن باب التباهي ـ يلجأ صاحب العزاء، سواء أكان ذلك أولاد المتوفى، أو أقاربه إلى وضع خيمة العَزَاء في وسط الشارع العام، في المدينة، لافتاً نظر الغير إلى المتوفى، بهدف التعريف والاهتمام به حتى ما بعد مماته، ما يَعني عرقلة سير الآليات والأشخاص، وفي شوارع رئيسة، ما أضفى على هذه الواقعة بعض البغضاء، ناهيك عن تناول حكايات التندّر التي أخذت صوراً مختلفة الأوجه طالما تداولها المعزّون فيما بينهم، سواء أكانوا من المقرّبين، أو المبعدين من الجوار وغيرهم».

ويتساءَل: «هل يبقى الاهتمام بهذه العادة مجرد تباهٍ وتفاخر، أم إنَّ الحاجة الفعلية لهذه المصاريف يلزمها تفهماً، ووعياً أكثر للجم أمثال هذه الصور المؤسية التي أخذت أبعاداً غير مقنعة نتيجة لجوء أهل المتوفى إلى بذل الغالي والنفيس، وصرف مبالغ كبيرة جداً، إن لم يصل الحال إلى مَد يَدِ العَون والاقتراض من هذا وذاك، إرضاءً للمعزّين المدللّين، في الوقت الذي نُدرك فيه بأن "حاجة الناس غاية لا تدرك"؟».

ويؤكد: «كيف سيصار الاهتمام بالمعزّين، وما أكثرهم، في ظل ضيق ذات اليد، وان كان هناك عدد لابأس به ما زالوا متشبثين، ومتشدّدين بهذه العادة».

أما العامل "محمد العَلكان"، فأضاف: «إنَّ هذه العادات مازالت ـ وللأسف ـ تُشكل هاجساً غير عادياً بالنسبة لأبناء ريف "الرقّة"، وان أخذت تَدرُجُ، بعض الشيء نحو الزوال في المدينة، واختصار فترة بقاء خيمة العزاء لثلاثة أيام بعد أن كانت الفترة تَمتَدُ لأيام وأيام.. والمستقبل ـ بالتأكيد ـ كفيل بزوال هذه العادة التي صارت مجرّد حِمِل ثقيل على أهل المتوفى، والمواطن، لم يَعُد بإمكانه تحمّل نفقات مصاريفها، في ظل تراجع الواقع الاقتصادي الذي بات يُعاني منه الكثيرون!

فهل نعيد النظر بهذه العادات والتقاليد التي يجبُ العودة عنها، والتي تركت حولها أكثر من إشارة استفهام، والهدف من ذلك ضغط الإنفاق بأبعاده الذي أضر بالصالح العام؟!».

ويرجو، العَلكان: «ضرورة الاكتفاء باتباع أبسط الطرق، التي لا ضرر ولا ضرار فيها، وهذا ما يعني حلحلة تبعات هذه العادة، والسلوك الذي يسلكه الغير، والذي نريده أن يكون بأقصر الطرق، بدلاً من المغالاة فيه، وبعيداً عن الترّهات، لتعود بالنفع على المواطن، بدلاً من تكبّده لمبالغ هو بغنى عنها».