فقدت الحركة الفنية والأدبية قبل وقت قصير أحد مبدعيها الذين قضوا سحابة عمرهم باحثين عن توطين المفاهيم الجمالية الحديثة في النقد الفني العربي بطرائق حداثوية بما فيها المعلوماتية.

الناقد والفنان التشكيلي السوري "راتب مزيد الغوثاني" أستاذ علم الجمال في جامعة "دمشق" والمعهد العالي للفنون المسرحية، والمرشح للجائزة العربية للإبداع في "تونس"، وصاحب عشرات الكتب في علم الجمال، يقول صديقه الناقد والفنان "عبود سليمان" في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 9 تشرين الثاني 2015: درس "الغوثاني" في مدارس "الرقة" وحصل على الثانوية منها قبل أن يصل إلى العاصمة "دمشق" ويبدأ دراسته التي توجها بتخرجه في كلية الفنون الجميلة، قسم النحت عام 1981.

إنه كان كريماً في الفن كما في الحياة، كان كل الخير أينما حلّ، يعطي بلا حساب ويقدم من روحه وعلمه لمن يقصده، فقده خسارة لنا وللحركة الفنية السورية

تابع "الغوثاني" دراسته في شؤون الفن فسافر إلى "موسكو" لينال الماجستير في الفن التطبيقي من أكاديمية "ستروغنوفسكي" عام 1988، ثم الدكتوراه في اختصاص الفنون التطبيقية من الأكاديمية نفسها عام 1990، أنجز فيها عدة دراسات عن الفنون السورية القديمة؛ منها عام 1989 بحث مودع لدى مكتبة "لينين" المركزية، وآخر بعنوان: "تشكل فن المرحلة الإسلامية في سورية"، نشر في دليل فهرس الأبحاث العلمية لذات المكتبة، كما كتب هو في سيرته الذاتية.

من أعماله الفنية

عاد إلى "دمشق" ودرّس في كلية الفنون الجميلة، ثم عيّن رئيساً لقسم التصميم الجرافيكي في جامعة العلوم التطبيقية "الأردن"، وعضواً في هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية في "دمشق"، ومحاضراً في الجامعات والمراكز المختصة بالفن والثقافة والبحث العلمي من أهمها جامعة "دمشق" وجامعة "القلمون الخاصة"، ووزارة الثقافة السورية والمنظمة العربية للتربية والثقافة.

عيّن بعد ذلك في وزارة التربية السورية، وشغل عدة مواقع قيادية عمل خلالها على تحسين صورة الفنون لدى شرائح الطلاب المختلفة، وكان آخر مناصبه فيها مفتش أول للفنون، غادر بعدها إلى "السعودية" مستشاراً ثقافياً وفنياً لبيت التشكيليين في "جدة" منذ 1996 حتى عام 2002، ومستشار شؤون اكتشاف المواهب في مركز تطوير المهارات في "جدة" في ذات الوقت، كذلك كان مستشاراً فنياً في الصالة العالمية للفنون "جدة" لخمسة أعوام منذ عام 1998.

في افتتاح أحد المعارض

أنجز عبر رحلته بعد ذلك العديد من الكتب المهتمة بوجه رئيس بالتربية الجمالية وتأسيسها بطريقة صحيحة في مجتمعاتنا، كما يقول هو في حديث سابق له: «هناك قصور واضح في منهاجنا التربوي فيما يخص المجال الجمالي والابتكاري، لذلك فمعظم أفراد مجتمعنا -ويأتي كثيرون من المتعلمين في طليعتهم- يعانون من أميّة حضارية وثقافية وإبداعية لأن الجهل بالإبداع والفنون وبأركان الفعل الجميل، الحضاري، السامي، والراقي هو جهل بأحد أركان الثقافة الإنسانية المعاصرة، هذا التردي الابتكاري الحضاري ذهب بي إلى وضع مشروع جمالي عربي يعيد الثقة باليد واللسان والعقل عند أبنائنا من الجيل المعاصر والأجيال اللاحقة، ومشروعي هذا لا يهدف إلى إنتاج الفنانين الممارسين في التشكيل والموسيقا والمسرح وغيرها فحسب، بل يسعى إلى زرع روح الابتكار والإبداع في الأفراد والمواطنين ليكونوا مبدعين في مجالاتهم الحياتية كافة».

من الكتب المهمة التي أنجزها الباحث والناقد "الغوثاني": كتابه "جماليات الرؤية - دراسات في الفن العربي" عام 1999، و"المعايشة الجمالية" 2002، و"تربية الحس الجمالي عند الطفل"، وعشرات الأبحاث المنشورة في كثير من المجلات العربية التربوية المهتمة منها: "المنهل"، "التربية"، "الفيصل"، "بناة الأجيال"، وغيرها، وشارك عالمياً في عدة مؤتمرات في "ماليزيا" و"الأردن" و"روسيا"، وغيرها.

الفنان عبود سليمان

يقول عنه صديقه الفنان "سرور علواني": «إنه كان كريماً في الفن كما في الحياة، كان كل الخير أينما حلّ، يعطي بلا حساب ويقدم من روحه وعلمه لمن يقصده، فقده خسارة لنا وللحركة الفنية السورية».

أما الفنان "عبود سليمان" فقد قال عنه: «من أنشط الفنانين التشكيليين السوريين المتخرجين في أكاديميات الفنون الجميلة في "روسيا الاتحادية"، ومن أوائل الذين تركوا بحوثاً جمالية فنية لمصلحة المنجز التشكيلي العربي السوري، وقد أثرى الساحة الفنية بدراساته النقدية والجمالية وأبعاد لوحته الفنية التي أوقفها على علاقة الفن بالمطلق، لقد كان جميلاً ووفياً ومتواضعاً، محباً لوطنه ومبدعيه، وعالماً بحقيقة إبداعه وإبداع الآخرين».

رشحته جامعة العلوم التطبيقية في "الأردن" لجائزة الإبداع العربي التي تتبناها مؤسسة "الفكر العربي" واتحاد الجامعات العربية في "تونس"، وذلك عن مجمل كتاباته وأبحاثه ودراساته في الفن والفكر والجمال؛ وخصوصاً بحثه "المواجهة الحضارية بين الشرق والغرب عبر الثقافة والإبداع"، وكان قد شارك من خلاله في "المؤتمر العالمي للحوار بين الشرق والغرب في "كوالالمبور" بـ"ماليزيا".

يذكر أن الفنان "راتب الغوثاني" من مواليد محافظة "الرقة" عام 1958، توفي أواخر أيلول من العام الحالي في "السويد".