«أما "حمد البربور" فكان يمين "سلطان باشا الأطرش" في ثوراته الثلاث أي: الثورة العربية الكبرى، وتمرد عام (1922)، والثورة السورية الكبرى، أما "كاربيه" فيتعجب من عصامية هذه الشخصية، حيث- وبعد أن أصبح حاكما للجبل بالوكالة- زار حمد البربور في سياق التقرب من الخصوم للتعرف ومحاولة احتواء تلك الشخصية المتميزة التي استطاعت أن تبرز في منطقة زعامة آل الأطرش، وتحتل مكانة خاصة عندهم في آن معاً، ولاسيما عند سلطان الأطرش».

هذا ما جاء في كتاب "حوران الدامية" للكاتب "حنا أبي راشد" الذي وثق أحداث الثورات في سورية.

الفارس المعلم والمجاهد الأنوف الأكبر، والرفيق الأمين المخلص، وبأن استشهاده مع نحو ثلاثين من فرسان الجبل المشهورين قد كان استنزافا للقوة وذخيرة الأمل في النصر

ويقول الدكتور "عبد الرحمن الشهبندر" في حديثه عن معركة "المزرعة": «وممن قتل في هذه الملحمة من الزعماء الكبار المرحوم "حمد بيك البربور" من قرية "أم الرمان" في المقرن القبلي، فقد كان على صغر سنه آية من الذكاء والعقل والشجاعة النادرة، وكان اليد اليمنى لسلطان باشا الأطرش في السلم والحرب».

غسان الشوفي

ويصفه سلطان الأطرش في مذكراته بأنه «الفارس المعلم والمجاهد الأنوف الأكبر، والرفيق الأمين المخلص، وبأن استشهاده مع نحو ثلاثين من فرسان الجبل المشهورين قد كان استنزافا للقوة وذخيرة الأمل في النصر».

ومما قاله عنه الباحث "عارف حديفة" في كتابه "حمد البربور": «ولد "حمد البربور" في قرية "أم الرمان" عام (1888)، في أول القرن المنصرم قتل "أجود البربور" والد "حمد" في بادية الأردن، وترك زوجته حاملا بابنه الذي سمي باسمه وهو شقيق حمد الوحيد الذي سيشاركه الحياة والمصير، وهكذا عاش حمد يتيما في كنف أمه وأقاربه، وتعلم في بيئة مغلقة وقلقة لا تتيح للناشئين إلا القليل من العلم ولكنها من ناحية أخرى تكسبهم الكثير من الحكمة العملية المتوارثة والمكتنزة في الأمثال والأدب الشعبي».

وتابع الباحث "حديفة": «ولد حمد إذاً في فترة عصيبة اشتد فيها الصراع مع الدولة العثمانية التي كان يحكمها "عبد الحميد" بالبطش والقمع والفساد محاولا إدخال الجبل في حظيرة الطاعة.

وفي عام 1910 خاض فرسان الجبل معركتين خاسرتين في قرية "الكفر" وقرية "مفعلة" وأجري استسلام للمطالب التي أملاها "سامي باشا الفاروقي"، وسيق أكثر من ألف شاب إلى ساحة الحرب في البلقان منهم "سلطان الأطرش"، وأصدر أحكاما بالسجن على الكثيرين، منهم "حمد البربور" وأخذوا إلى "عكا" على الأقدام وموثقين بالحبال وسجنوا هناك في مستودع للفحم ولم يفرج عنهم إلا بعد سنتين.

وكانت الحركة العربية الناشئة قد لفتت أنظار المثقفين والضباط العرب، وانضم إلى الجمعية العربية الفتاة عدد كبير من الزعماء السوريين ونسقوا مع الأمير "فيصل" الذي كان يستعد هو ووالده للثورة على الأتراك حيث اتصلوا بزعماء الجبل من أجل نصرتها.

وكان "حمد البربور" أول من رفع العلم العربي في قريته "أم الرمان" قبل أن يتوجه مع (300) فارس بقيادة "سلطان الأطرش" لطرد الأتراك وفتح "دمشق" مع الذين التقاهم في "بصرى" ورفعوا علم الدولة في المرجة».

«بعد أن احتلت فرنسا الدولة العربية الناشئة، وبعد أن استشهد البطل "يوسف العظمة" قبل أن تصل النجدة من الجبل بقيادة "حمد البربور"، نشأ وضع جديد في الجبل تمثل في مطالبة فرنسا الزعماء التقليديين بالاستقلال تحت راية الاحتلال (كما يذكر الشهبندر في مذكراته)، في هذه الأثناء توطدت العلاقة بين "حمد البربور وسلطان الأطرش" من خلال صحبة الجيرة والمصاهرة والتجربة المشتركة ضد الأتراك.

في تموز من عام 1922 وصل "شكيب وهاب" إلى "أم الرمان" حيث كان "سلطان الأطرش" يقضي ليلته عند "حمد البربور" فأخبرهما بما جرى بشأن "أدهم خنجر" وأنه التجأ الى منزل سلطان الأطرش، وعندما علم سلطان بقيام الفرنسيين بحبس "خنجر" في القلعة وقد سدت كل المنافذ في وجه إطلاق سراحه، اجتمع مع بعض الفرسان المقربين وقطعوا الطرق المؤدية إلى "دمشق" فطلبت السلطات الفرنسية النجدة، فبعث لها بثلاث مصفحات واختارت مدخل قرية "الثعلة"، وعند "تل الحديد" بين الثعلة والسويداء اعترضها الفرسان المرابطون هناك: "حمد البربور– ومصطفى الأطرش– وعلي الأطرش– وشكيب وهاب– وخلف الكليب"، وتسوروها على ظهور خيولهم فقتلوا أربعة جنود، وأسروا أربعة آخرين، وعطلوا اثنتين من المصفحات، وولت الثالثة الأدبار.

وانتهت هذه الحكاية بإغارة الطائرات في (13 آب) من العام نفسه على قرى المنطقة فخلفت وراءها الكثير من الأرواح والخراب.

ولكن الثوار أوسعوا الفرنسيين ضربا في حرب عصابات مدروسة، ما جعل الناس تلتف حولهم ضد كل من وقف في وجههم قانعين أخيرا بأن الحق يؤخذ ولا يعطى.

أقيل "ترانكا" بعد الأحداث الأخيرة، وعيّن محله "الكابتن كاربيه" في عام 1923 وكان الهدف تأديب الجبل وإحكام السيطرة عليه، حيث حاول احتواء التمرد وقائده سلطان الأطرش وساعده الأيمن حمد البربور، فزار الاثنين متوقعا أن يحقق مكاسب ويخترق جدار القوة والعزيمة لديهما.

وفي عام 1924 فرض نفسه حاكما مطلقا للجبل بعد وفاة "سليم الأطرش" في السنة السابقة، وكان حمد البربور في شرقي الأردن يشارك في تنصيب الملك "حسين"، وهناك تساءل في أثناء الاحتفالات عما يشاع عن تنازلات لليهود في فلسطين، فترفع الملك عن الإجابة؟!

1925 استقال "كاربيه" الذي ختم عهده بشيء من الحذر والتوجس واستلم مكانه الكابتن "رينو" الذي بدأ زياراته إلى حمد البربور حيث كانت الزيارات المتكررة ترمي إلى إبعاده عن سلطان الأطرش بغية إضعافهما معا!

بعد أحداث السويداء التي أدت إلى اعتقال الشبان وفرض رسوم باهضة على المدينة، واعتقال الوفود الذاهبة إلى دمشق ونفيها إلى "الحسكة"، أو حبسها في "تدمر"، قرر سلطان الأطرش في 18 تموز 1925 التهيئة للثورة، فتوجه مع 18 فارسا إلى أم الرمان وتوزع المهمات مع حمد البربور الذي قام مع بعض الفرسان بالتوجه إلى القرى لجمع الفرسان.

علمت فرنسا بالأمر فبعثت طائرات للاستطلاع أسقط الثوار إحداها وأسروا طيارها وتوجهوا إلى "صلخد" واحتلوا القلعة، وأحرقوا دار البعثة فيها، وبعد ذلك قامت معركة "الكفر" التي انتصر فيها الثوار انتصارا ساحقا».

استشهاد "حمد البربور" في "تل الخاروف"

يقول الأستاذ "غسان الشوفي" (29/8/2008) في استشهاد "حمد البربور": «جرت في تل الخاروف ملحمة بالسلاح الأبيض لم يجر مثلها في البلاد منذ ذكر "الواقدي" خبر الفتوحات العربية، في الملحمة الكبيرة التي تحدّث الناس عنها كالأسطورة في تل الخاروف، أصيب حصان حمد البربور وهو يطارد فرسان الحملة حتى شمالي التل فهوت قائمتا الحصان الأماميتان في خندق والرصاصة التي اخترقت الحصان أصابت ساق حمد، فجثا خلف الحصان وتابع إطلاق النار من بندقيته العثمانية إلى أن أصيب في صدره إصابات قاتلة.

وفي جوار ذلك التل استشهد حمد البربور وفي أعلاه شقيقه "أجود"».

ورغم الخسائر الكبيرة كان للمجاهدين الكبار في السن الدور في عودة الثوار إلى التجمع والانتصار الأكبر في "المزرعة".

إن الوطنية الحقة تلك التي لا تبغي مكسبا ولا وساما وهي مغزى حياة الشهيد حمد البربور لذلك فإن قبر حمد البربور في قرية "الدور" المجاورة لتل الخاروف وفي تلك المقبرة المتواضعة هو أكبر مغزى لحياة ذلك المجاهد الثابت الباسل.

يقول الشاعر الشعبي "خليل مرداس":

«يا قبر ابن البربور فالغيث يسقيك/ رحمات مقرونة بالعفو وغفار

زهر الخزام والبنفسج يحييك/ والركب تأتي ليك عالدوم زوار

قد أونسك يا قبر لما سكن فيك/ وأصبحت يا قبر حمد علم ومزار».

(المعلومات موثقة من كتاب (حمد البربور) للكاتب (عارف حديفة)، وكتاب حنا أبي راشد "حوران الدامية"، ومذكرات سلطان الأطرش، ومذكرات عبد الرحمن الشهبندر، ومذكرات كاربيه).