لم يكن فيلم "الطحين الأسود" الذي عرض على الجمهور في مدينة "شهبا" للمرة الأولى، سوى محاولة لكشف العيب في مجتمع يكاد يكون مغلقاً على الآخر في كثير من النواحي، وخاصة تلك التي غلفت فترة ما بعد الاستقلال، وبداية الحكم الوطني.

فعلى مدى أربع ساعات كاملة من العرض والمناقشة في المركز الثقافي العربي، وبحضور مخرج الفيلم الأستاذ "غسان شميط"، وبطل أفلامه الفنان "عبد الرحمن أبو القاسم" خرج الجميع بانطباع موحد مفاده أن التفاصيل الصغيرة تصنع الفرق، فالعمل على توثيق العادات والتقاليد، والموروث الشعبي أمر يلامس شغاف القلب، وينقلك إلى زمن كان فيه الأجداد خارجين للتو من محنة الاحتلال..

برأيي أن هذا النوع من الأفلام ليست مهمته أن يوثق الواقع كما هو، خاصة أن هناك سينما وثائقية يمكن للناس متابعتها، والسينما من وجهة نظري يجب أن تكتب تاريخها بنفسها، وإلا سقطت، وأتوقع أن الإطالة في الدخول بالتفاصيل أضاع على المشاهد إمساك الخيوط بشكل سريع، وأصابه بالملل، والفيلم يعتمد بشكل كبير على الخرافة والميثيولوجيا مثل الرصد والديك وقصة الشعر

وبعد نقاش طويل أوضح "غسان شميط" لموقع eSuweda عن رؤيته لفحوى النقاش الذي دار، وماذا استفاد منه كمخرج يحمل هماً وطنياً، وخاصة بعد فيلميه "الهوية" و"شيء ما يحترق"، وقال: «في البداية أود التعبير عما أشعر به عندما ألمس قدرة الجمهور على التواصل والمناقشة المعمقة التي أسجلها في عقلي وقلبي من أجل القادم من الأيام، خاصة أنني أعمل على أفلام تأخذ طابعاً تاريخياً يمكنها أن تصب في كل زمان ومكان، وأعتقد أن "الطحين الأسود" لم يأخذ حقه في العرض مع العلم أنه من إنتاج العام 2001، وهو يدور في قرية مفترضة من جبل "العرب" يحكمها مختار ظالم، ويتواجد فيها شيخ جليل يسكن مع زوجته وحفيده بعد موت ولده، وشاب طامح للسلطة، وفيها المتمرد على الظلم، المقولة التي كنت أريد إيصالها من خلال الساعتين من العرض، تتلخص بأن الاحتلال الفرنسي رحل، ولكنه استبدل بعد الاستقلال باحتلال آخر، وأشد وطأة، وهو الإقطاع الذي أكل خيرة شباب الوطن، لينتهي الفيلم باحتلال آخر مع دخول العسكر القرية لاعتقال المختار، وأريد أن أوضح أمراً بمنتهى الأهمية أن البيوت التي شوهدت في الفيلم ما زالت مسكونة إلى الآن، وعندما عرض في بعض البلدان العربية فهمه الجمهور جيداً، ولديهم نفس البيئة ونفس الظروف والأفكار التي تم طرحها».

جمهور الفيلم في ثقافي شهبا

الناقد الأدبي المعروف، أستاذ اللغة العربية "محمد أبو عجرم" رأى في الفيلم: «أنه توثيق للعادات والتقاليد في جبل العرب، ويؤخذ عليه من الناحية الفنية رداءة الصوت، وعدم دقة الصورة، وفيه تجسيد حي للبطولات الفردية التي كان بطلها شخص عادي أراد أن يرد الجور عن عائلته، وأتساءل عن شخصية الخطيب أو الشيخ المعلم هل كانت موجودة بالفعل ما بعد الاستقلال في الجبل؟ وأعتقد أن تسمية الفيلم "الطحين الأسود" مأخوذة من حادثة حقيقية وقعت في الجبل عندما بدأ حجر في إحدى المطاحن يأكل نفسه، وينتج طحيناً أسود».

الفنان "عبد الرحمن أبو القاسم" الذي سكن "السويداء" فترة من الزمن منذ العام 1954 برفقة والده الفلسطيني الذي كان يمتهن التدريس، أوضح رؤيته بعد تسع سنوات من إنتاج الفيلم، ورد على بعض الملاحظات من قبل الجمهور بالقول: «التعليم لم يكن موجوداً في المنطقة، وأعتقد جازماً أن والدي وزملاءه الذين أتوا إلى جبل "العرب" كانوا أول البعثات التدريسية في "السويداء"، والفيلم يحاكي الواقع وليس نقلاً فوتوغرافياً عن الواقع، والأفكار العميقة التي طرحت في هذا العمل من فلسفة وروحانيات تحسب للمخرج، ولجرأته في الطرح، وأعتقد أن أهمية الفيلم تأتي من الأسئلة العميقة والكبيرة التي تركها وراءه بلا إجابة مثل اختفاء الشيخ الجليل، وتحول الطحين من أبيض إلى أسود، وكيف كانت تضاء المصابيح وحدها، وتدور المطحنة... وهي من الموروث الاجتماعي للمنطقة».

المناقشة بعد عرض الفيلم

الزميل الصحفي "سالم ناصيف" دافع عن الرؤيا التي طرحها المخرج في فيلمه، موضحاً أن الجمهور يحق له أن يقول وجهة نظره حسبما وصلت إليه الصورة، وقال: «برأيي أن هذا النوع من الأفلام ليست مهمته أن يوثق الواقع كما هو، خاصة أن هناك سينما وثائقية يمكن للناس متابعتها، والسينما من وجهة نظري يجب أن تكتب تاريخها بنفسها، وإلا سقطت، وأتوقع أن الإطالة في الدخول بالتفاصيل أضاع على المشاهد إمساك الخيوط بشكل سريع، وأصابه بالملل، والفيلم يعتمد بشكل كبير على الخرافة والميثيولوجيا مثل الرصد والديك وقصة الشعر».

أبطال الفيلم