إطلالة تثير السؤال عن ماضٍ كان فيه فندق "الأسعد" الذي يتوسط مدينة "السويداء" نقطة اللقاء في مرحلة تاريخية احتضنت فيها قاعته حوارات اجتماعية ووطنية.

هو الفندق الأول الذي بناه أبناء المحافظة بعد رحلة اغتراب، ومظهر من مظاهر المدنية التي حلّت في ذلك الزمان، مترافقة مع فكر جسّد البناء على أرض الواقع في ثلاثينيات القرن الفائت، وبقيت منه الذكريات التي يوردها "عبد الكريم الأسعد" أستاذ الرياضيات عن أيام الأجداد الذين اختاروا الفندق كمشروع حضاري مقارنة بما عايشوه في بلاد الاغتراب، حيث قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 كانون الثاني 2017، عن تاريخ الفندق: «قلة من شباب اليوم يعرفون ماهية هذا المبنى الذي يتوسط السوق المشهور باسم "سوق القمح" وسط المدينة، حيث يرتفع طابقين من الحجر الأسود بشكل منفرد لسنوات طويلة قبل أن تتطاول الأبنية البيتونية المحيطة وترتفع عنه.

قلة من شباب اليوم يعرفون ماهية هذا المبنى الذي يتوسط السوق المشهور باسم "سوق القمح" وسط المدينة، حيث يرتفع طابقين من الحجر الأسود بشكل منفرد لسنوات طويلة قبل أن تتطاول الأبنية البيتونية المحيطة وترتفع عنه. هذا المبنى الذي عاصر رجالات من الزمن الماضي، وكان مقر اللقاءات والاجتماعات لمدة قاربت العقدين، منتصف القرن الماضي، وقد أسسه جداي "أمين الأسعد"، و"فاضل الأسعد" بعد رحلة اغتراب طويلة، وكانت عودتهما الأولى في عشرينيات القرن الفائت ليختارا شراء ملكية في "السويداء" لبناء فندق حمل اسم العائلة تبعاً لما عايشاه في بلاد الغربة والحالة الحضارية التي تكونت لديهما عن حاجة لوجود نزل يستوعب زوار المحافظة. ومن رواية الأهل ننقل أنهم اختارا شباناً من منطقة "ظهور شوير" اللبنانية للاستفادة من خبرتهم في البناء الحجري لبناء هذا الفندق، حيث باشروا البناء وتابعوا التمويل وتابع "فضل الله الأسعد" ووالدي "حسن الأسعد" عملية البناء كشراكة، وبقي الفندق ملكية عائلية، وهو مؤلف من سبع غرف وسقف قرميد، بينما سخر القبو ليكون خاناً لراحلات النزلاء من أحصنة وغيرها. ويعدّ من الأبنية الجميلة التي ارتفعت طابقين عن الأرض، حيث كان مفتوحاً من الجهة الشمالية على حديقة حوت أشجار العنبر والزينة، مساحته أكثر من 500 متر وسط السوق، وفي عام 1949 أضيفت شرفات طيارة كنوع من التوسع والتجميل

هذا المبنى الذي عاصر رجالات من الزمن الماضي، وكان مقر اللقاءات والاجتماعات لمدة قاربت العقدين، منتصف القرن الماضي، وقد أسسه جداي "أمين الأسعد"، و"فاضل الأسعد" بعد رحلة اغتراب طويلة، وكانت عودتهما الأولى في عشرينيات القرن الفائت ليختارا شراء ملكية في "السويداء" لبناء فندق حمل اسم العائلة تبعاً لما عايشاه في بلاد الغربة والحالة الحضارية التي تكونت لديهما عن حاجة لوجود نزل يستوعب زوار المحافظة.

عبد الكريم الأسعد

ومن رواية الأهل ننقل أنهم اختارا شباناً من منطقة "ظهور شوير" اللبنانية للاستفادة من خبرتهم في البناء الحجري لبناء هذا الفندق، حيث باشروا البناء وتابعوا التمويل وتابع "فضل الله الأسعد" ووالدي "حسن الأسعد" عملية البناء كشراكة، وبقي الفندق ملكية عائلية، وهو مؤلف من سبع غرف وسقف قرميد، بينما سخر القبو ليكون خاناً لراحلات النزلاء من أحصنة وغيرها.

ويعدّ من الأبنية الجميلة التي ارتفعت طابقين عن الأرض، حيث كان مفتوحاً من الجهة الشمالية على حديقة حوت أشجار العنبر والزينة، مساحته أكثر من 500 متر وسط السوق، وفي عام 1949 أضيفت شرفات طيارة كنوع من التوسع والتجميل».

صورة للفندق في الأربعينيات من محفوظات المصور الفوتوغرافي أكرم الغطريف

فندق "أبي اللمع" الاسم الذي حمله المكان مدة من الزمن تبعاً للمستثمر الأول للمكان، كما أضاف بالقول: «لم يستثمر أجدادي الفندق بالبداية وكان "آل أبو اللمع" وأصلهم لبناني أول من استثمره لمدة من الزمن، وكان الوحيد في المدينة وتمت المحافظة عليه بحالة متميزة، وجهز كفندق فقط للمبيت يقدم المشروبات الساخنة وخدمات الإقامة من دون طعام؛ وهذا اعتمد على خبرة المستثمر اللبناني في تلك المرحلة.

وعادت العائلة لتستثمره بذات الطريقة في أربعينيات القرن، وفي مرحلة تفاعلت البيئة المحلية مع الفكرة التي تشجع توافر نزل استطاع على ضوء ذلك احتضان اجتماعات ولقاءات وطنية، وكان مقرّاً لعصر سياسي؛ حيث اجتمع فيه على سبيل المثال أقطاب الحركة الشعبية، ليكون مكان اللقاء بعيداً عن الحالة العائلية التي كانت شائعة اجتماعياً، وبقي متفاعلاً يستقبل الزوار حتى بداية الستينيات، وآخر اللقاءات الحزبية كانت في مرحلة ثورة الثامن من آذار عام 1963.

الباحث والكاتب محمد طربيه

هذا الفندق كان أحد المعالم الحقيقية ولم يغب حضوره عن الساحة حتى أوائل الستينيات، وهو اليوم عبارة عن مبنى تهدمت بعض أجزائه، وأفراد الأسرة الذين تعود إليهم ملكيته تابعوا مشوار الاغتراب جيلاً بعد جيل، ولم تظهر إلى اليوم أي فكرة لإعادة إعماره وتطويره كمكان ارتبط بذاكرة المحافظة في زمن جميل غني بالذكريات والمواقف، خاصة أن من بنوه كانوا من الداعمين للنضال ضد الانتداب الفرنسي، وهناك مجموعة كبيرة من الوثائق تظهر جانباً من أحداث دارت بين جدرانه ورسائل بدفع مبالغ مالية لدعم الثوار».

من المواقع التي تناولها الباحث "محمد طربيه" في أحد أجزاء الموسوعات التي ستصدر قريباً عن المحافظة، بوصف شبه كامل للمبنى على أمل التذكير والدعوة لإعادة الحياة إلى هذا المعلم الجميل، وقال: «لا يمكن المرور على هذا المكان فقط كمعلم مادي؛ لأننا بكل بساطة نستطيع تناوله من عدة زوايا؛ أولها المبنى كبناء حجري بقيت قواعده لغاية هذا التاريخ ثابتة وطوابقه السفلى مستثمرة اليوم كمحال لغايات مختلفة، حيث بقيت القناطر والسقوف المكونة من جسور حديدية ماثلة على حالها لغاية هذا التاريخ، وهي صالحة لإعادة الترميم، وهذه معلومة نعيدها على الأسماع بدعوة للتفكير بهذا الموقع المعاصر الذي يستحق عملاً ثقافياً يعيده إلى الحياة، مرتكزاً على أهمية الموقع وتوافر القواعد المادية، والأهم الذكريات التي دونت بمذكرات والدي وعدد من زوار المدينة تحدد مقرّ الإقامة بهذا الفندق، أو نقطة للقاء والاجتماعات.

وبالعودة إلى تكوينه كطابقين، خصص واحد منهما للغرف، والثاني لصالة الاجتماعات، حيث كانت بتعبير آخر تتمة لظاهرة التحضر والحالة الفكرية والخروج من فكرة الاستضافة بالمنازل وبداية للقاءات خارج حدود "المضافة"، حيث حوت المذكرات ملامح للتعريف بالمكان الذي لم يسبق أن أؤسس قبله فندق في المنطقة، وكان الأول، حيث كان ما سبقه عبارة عن نزل صغير سمي "قناق"، وهو اسم عثماني، حيث كان عدد من رجالات المحافظة ينزلون فيه عند زيارتهم للمدينة لليالٍ معدودة، في الوقت الذي اعتبر فندق "الأسعد" الشكل الحضاري الأول الذي اتخذ شهرة وفرادة.

وتشهد الحركة الحزبية في بدايات القرن وما قبل الوحدة بين "مصر" و"سورية" العديد من الاجتماعات التي عقدت في قاعته، وبقي متألقاً حتى بداية الستينيات، حيث توقف لبناء "فندق الأحرار" قرب ساحة "الأسد"، وفندق "روضة الجبل" مقابل مبنى المحافظة، وبعدها الفندق السياحي».

الجدير بالذكر، أن المبنى الحجري بات محاطاً بالأبنية من ناحية شارع "الاتحاد" والجهات الأخرى، لكونه يتوسط منطقة تجارية تعدّ نواة سوق المدينة اليوم، وعلى جنباته حكايات تراثية لسوق "القمح" وتفاصيل تراثية ترافقت مع وجود الفندق.