لم تتلاقَ مع فكرة المعتاد والنمطي في عملها الفني لتخرج "هنادي الكفيري" برؤيتها الخاصة للمرأة، التي تلاقيك بحالة الألوهية في أعمالها مستفيدة من خط قوي يشي بجمالية الفكرة.

فقد ابتعدت عن العرض وتفرغت لتطوير عملها الفني عدة أعوام كانت فيها بداية لرحلة اغتراب، وتأسيس منتج فني ميزته اللون القادم من حالة المزج بين الحفر والطباعة والرسم، هي تجربة نسائية وفق مفاتيح أعمالها وإطار رحب للابتكار والحديث عن طاقة الأنثى الخلاقة التي رسمت الآلهة في العصور القديمة على هيأتها، كما تحدثت الفنانة عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 أيلول 2017، وقالت:

نحن نشهد ازدحاماً في عالم التشكيل، حتى إننا نكاد لا نعرف هذا العمل لمن، ما أسعى إلى تحقيقه هو أن يكون للعمل حديثه الخاص وهويته التي تميزه عن غير أعمال ليكون رسالتي وصوتي؛ فالأسلوب هو التوقيع والتعريف بالتجربة. لكل فنان حقيقي هاجس مرتبط بالتميز وإعطاء نفسه خطاً لا يشبه فيه أحد، أحب أن يعرفني المتلقي عندما يرى العمل قبل أن يعرف هوية الفنان الذي رسمها، وهنا يأتي التطور بالضرورة لتكون له بصمته الخاصة في عالم التشكيل؛ وهنا تكمن صعوبة الأمر، ولكل مجتهد نصيب

«بحكم الاختصاص ورغبتي القوية جداً بالحفر بعالم النُسخ دقيقة الحفر، أعلم أن لكل عمل صعوبته وقوته، إلا أن الحفر يبقى هو الأصعب، فالطباعة الخشبية تعتمد "كليشات" من الخشب تحفر بمهارة وتطبع، فهي تقنية معقدة أحياناً وخاصة أن كل لون يحفر على حدة، عالم من التأني لإنتاج نسج من الكليشات الدقيقة وحالة فنية وعمل يجمع ما تعالجه روح الفنان لتستدل وفق هذه الطريقة.

من أعمال هنادي الكفيري

لكن المزج بين الرسم والحفر حالة خاصة ارتبطت بتجربتي الخاصة؛ ففي هذا المحور بحثت عن وسائل تعبير أكثر ومفاتيح إضافية لقراءة العمل وتحميل اللون ما يكمل طاقة الحفر من رسائل، هذه الدراسة التي أحب ضمنت لي قوة الخطوط وحدتها، هي مكون رئيس لعمل يرتكز على هذه التقنية، فأنا لا أرتكز فقط على الحفر، بل ذهبت إلى الرسم وتعتيق العمل بالحفر والطباعة الخشبية، وهنا نستطيع القول إنه مزيج يعطي العمل قوته، وهذه التقنية أساس عملي لإعطاء طابع جديد وابتكار وخلق شيء يغني هذا العمل ويعطي لمساحات اللوحة بعداً وعمقاً على الرغم من صعوبة العمل التي لا تقارن بالزيتي».

وتضيف: «من يتمعن بالعمل يتلمس ما قدمته لي هذه التقنية من إضافة حملت العمل على محورين: محور الخطوط القوية، ومحور اللون الغني، الذي حاولت في كل التفاصيل رفعه لحالة الارتقاء وتجسيد فكرتي، وهي إطلالة لعوالمي التي اشتغلت على تطويرها تاركة العرض لسنوات مبتعدة عن المشاركات، ليس لحالة كسل أو تردد، بل هي عمل صامت ودراسة ذاتية لما يمكن لي أن أقدم وكيف، قد أكون اختبرت ذاتي وعلمتها، لكن الأهم أنني عايشت مرحلة بناء التعامل مع العمل، وكرست أفكاراً كانت تظهر لي على شكل إضاءات مكملة لبدايات كانت فيها المرأة المكون والروح والطاقة الإلهية».

من أعمالها

وقالت: «المرأة هي المكون الرئيس للعمل، لا أتعامل معها كأنثى بقدر ما أتعامل معها كإنسان لديه الكثير من الهواجس والمشاعر الباطنية والخلاصات القدرية وطاقات التغيير والحياة الهادئة على الرغم من الثورة الداخلية وقدرتها على إثبات الذات من جهة، مستذكرة حال الألوهية التي ارتبطت بها عبر العصور وحضورها، إنه حديث يرتبط بوعي هذه المرأة ومكانتها الرفيعة التي أحب أن أضعها فيها دائماً.

فقد كانت الآلهة مثالاً على قوة المرأة وأهميتها ومكانتها منذ قديم الزمان، لأجعل تفاصيل الشكل والروح عميقة تتفاوت مساحات سطوعها لكن البريق موجود، ولتكون أعمالي منتظمة مع هذا الرتم، فيها صور ارتبطت بالميثولوجيا وانتقلت بها إلى العصور القديمة التي لا أظن أنها انفصلت يوماً عن الحاضر، وما أحاول نقله هو تصورات للمرأة كإنسان هذا العصر وما يتفاعل معه وما يتفاعل بداخله من تنادرات الفكر وقيود التحرر، أو خطوات التحرر الواسعة التي انساقت مع الخطوط الحادة التي تحمل العمل، وهي الهيكل الحقيقي والتأسيس الأولي للعمل الذي أعيش مراحل شاقة لانتقاء حالته التكاملية مع اللون لينسجم مع الفكرة ويؤهلها للتقديم».

الفنان علي الكفري

ازدحام وضجيج الحالة التشكيلية يقتضي البحث عن التميز وفق ما قالت، وتضيف: «نحن نشهد ازدحاماً في عالم التشكيل، حتى إننا نكاد لا نعرف هذا العمل لمن، ما أسعى إلى تحقيقه هو أن يكون للعمل حديثه الخاص وهويته التي تميزه عن غير أعمال ليكون رسالتي وصوتي؛ فالأسلوب هو التوقيع والتعريف بالتجربة. لكل فنان حقيقي هاجس مرتبط بالتميز وإعطاء نفسه خطاً لا يشبه فيه أحد، أحب أن يعرفني المتلقي عندما يرى العمل قبل أن يعرف هوية الفنان الذي رسمها، وهنا يأتي التطور بالضرورة لتكون له بصمته الخاصة في عالم التشكيل؛ وهنا تكمن صعوبة الأمر، ولكل مجتهد نصيب».

الفنان "علي الكفري" وصف تجربتها ومراحل تطورها، وقال: «كلنا نعرف مأساة الرسم للمرأة السورية كامرأة عانت وتعاني الكثير. "هنادي الكفيري" تجربة جميلة تعرّفتها من خلال أعمالها، وفي البدايات شعرت بأنها كانت غير مستقرة، لكنها اشتغلت لتتطور مستفيدة من خطها القوي، ولديها قوة الإدراك، وقد انتقلت من اللون الواحد إلى حالة لونية معبرة.

اليوم وصلت إلى إنتاج أعمال جديدة تظهر قوتها، وأحد أعمالها على شكل ميدالية فيه كثير من العمل وفكرة واضحة وصريحة، فقد طورت نفسها بنفسها، مع المحافظة على الأسلوب لترتبط البداية بما وصلت إليه اليوم، وشعرت بطاقتها الخلاقة، وأن لديها شخصية وإحساساً جميلاً، وهذا الإحساس يظهر، وهناك عدد من الأعمال المميزة، تقدم أسلوبها الذاتي والخاص؛ لذلك أتفاءل لها بمستقبل جميل؛ لأنني أحب الفنان الذي يعود إلى قناعته ولا ينساق برؤى المحيط».

ما يجدر ذكره، أن "هنادي الكفيري" من مواليد "دمشق" عام 1978، خريجة كلية الفنون الجميلة، قسم الحفر والطباعة عام 2005، أقامت معرضها الفردي عام 2009 "إنانا" في المركز الثقافي بـ"السويداء" ومعارض مشتركة متعددة، وآخرها في "برلين"، عام 2017.