بثقة وهمّة اختارت "مينا الحلبي" الترجمة عملاً ومهنة، على الرغم من أن قلة من النساء يخترنها تبعاً للمسؤولية القانونية وصعوبتها، غير أن العزم يذلّل الصعاب.

لم تنل الترجمة القانونية الاهتمام الكامل في مراحل سابقة من قبل الشباب في محافظة "السويداء"، لكنها اليوم تلاقي اهتمام الكثيرين، واليوم تنظم الشابات لهذا الركب كتجربة رائدة تأخذ مساحة للاستقرار والتطور لكونها احتلت مساحة من الطلب، وفق حديث الترجمان المحلف "مينا الحلبي"، التي حدثتنا عن تجربتها من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 تشرين الأول 2017، وقالت: «لكل باحث في اللغة حلم امتلاك متعة الاكتساب الثقافي من أي لغة جديدة يتعلمها ويتقنها، فاللغة كما نعلم جميعاً مخزون ثقافي هائل إذا امتلكنا مفاتيحه نمتلك طيفاً أوسع من حدود امتلاك المعنى لهذه الجملة أو تلك. وكشابة كان شعوري الدائم أن لا حدود للمعرفة والبحث، فمنذ الطفولة وبحكم الالتحاق بمدرسة لبنانية راقية أثناء العيش في بلد مثل "نيجيريا"، كنت مرتبطة باللغة الإنكليزية والعربية على حد سواء، ولدى العودة إلى بلدي تابعت وأخواتي هذا الاهتمام، لكن مع تجاوز المرحلة الإعدادية بدأ حلم صغير يكبر، وارتبط بالترجمة، لأرسم خارطة أولية لمشروعي المستقبلي وأبدأ خطوات للعمل كترجمان محلف، حتى وإن كانت الدراسة الجامعية غير هذا التخصص، لكن بعد نيل الشهادة الثانوية، كانت لدي رغبة بفروع علمية أخرى، وكانت علامات الأدب الإنكليزي الأقرب، وباشرت الدراسة بقناعة أضعف من المعتاد، لكن مع متابعة أول محاضرة شعرت بالارتياح، وتابعت بشعور كبير بأن النجاح سيحالفني، وبقي حلمي المرافق للترجمة دافعاً قوياً للبحث الدائم عن كل ما يدعم مشواري الذي لا أجد فيه الكثير من الاختلاف عن حياة طلاب مثلي، لكن تيقنت أن كل مرحلة قادمة محملة بالأصعب على مستوى الدراسة وتحمل المسؤولية، فاللغة عالم متشعب غني، ولا بدّ من إتقان سبل الحوار معه لاكتشافه أكثر وجني ثماره الجميلة».

خلال هذه الأشهر عدد جيد من الشابات أدّين القسم، وهنّ في طور الاستعداد لخوض التجربة، وهذا يعزز حلمي أن أشترك مع عدد من المتخصصين في لغات غير الإنكليزية، مثل: الفرنسية، والروسية، واليابانية، لتكون لدينا فرص لتقديم خدمات أكبر وفق المهارات اللغوية المتوفرة، وهذا حلم أسعى إلى تحقيقه

مهنة الترجمة بمسؤولياتها الكبيرة خيار نسائي يحتاج إلى التفكير، وأضافت: «في مراحل الدراسة وبعدها عملت على إثراء معرفتي والتخصص أكثر بالمصطلحات المطلوبة للمهنة، لكن الاتجاه لاتخاذ خطوة عملية أثناء دراستي للماجستير في الأدب الإنكليزي، والتقدم للامتحان، فحصلت على الشهادة المطلوبة للترخيص، لكن خطوة التأسيس لعملي الخاص قدمت لي معارف جديدة أهمها المسؤولية القانونية الملزمة للمترجم، وهذا موضوع احتاج إلى التفكير، لكنه لم يؤخر خطوتي، وباشرت العمل.

الترجمان مينا الحلبي

الفكرة التي أردت التعبير عنها أننا بتنا في زمن ذابت فيه الفوارق التي تضع حواجز لمشاركة المرأة وعملها، وأتصور أن أمام النساء فرصاً كبيرة في هذه المهنة، خاصة أنني لم أجد صعوبات اختلفت عن تلك التي يلاقيها الرجل في عمله كترجمان، فالحالة المهنية تتطلب الحيوية والمتابعة والتشبيك مع المختصين في المجال والمكاتب المتخصصة، لخلق حالة تعاون وعمل لا نستطيع القول عنه إنه مشترك، لأن لكل مترجم خصوصيته وقواعده الذاتية التي ينطلق منها، لكن فكرة أداء القسم القانوني أعطتني الدافع والرغبة على خوض التجربة وتحمل المسؤولية، واستثمار ما لدي من خبرات لأقدم صورة عن المرأة في هذه المهنة تكمل خبرات وعطاء المترجمين الذين سبقونا، وكانت لهم جهود مميزة في إرساء فكرة وحضور الترجمان والخدمات الكبيرة التي يؤديها على ساحة المجتمع».

وعن حلمها بالتوسع وتنويع اللغات، تتابع: «خلال هذه الأشهر عدد جيد من الشابات أدّين القسم، وهنّ في طور الاستعداد لخوض التجربة، وهذا يعزز حلمي أن أشترك مع عدد من المتخصصين في لغات غير الإنكليزية، مثل: الفرنسية، والروسية، واليابانية، لتكون لدينا فرص لتقديم خدمات أكبر وفق المهارات اللغوية المتوفرة، وهذا حلم أسعى إلى تحقيقه».

عمر الدمشقي

لم يتردد في التعامل مع شابة دخلت هذه المهنة باختيار وثقة، حيث قال "عمر الدمشقي" صاحب مكتب تصديق وثائق: «تعدّ "مينا" أول شابة ألتقيها تعمل في هذا المجال في "السويداء"، لكنني لم أتردد في التعامل معها، وقد تابعتها عن قرب تقدم عمل مميز ودقيق، ولمست المثابرة والمتابعة والالتزام بالمواعيد، وهي في ذات الطريقة التي تؤكد أن لدى كثيرين من الشباب دقة وتميز ورغبة بالعطاء خارج حدود الربح المادي والعمل للحصول على الخبرة، وتقديم المعنى الحقيقي لعمل الترجمة الذي يمتد على مساحة واسعة ومتشعبة، خاصة في هذه المرحلة التي نرى فيها الحاجة ماسة إلى ترجمة الوثائق تبعاً لزيادة الرغبة في السفر والدارسة خارج القطر، وظروف مختلفة فرضتها المرحلة، لكن ما يسعدنا كمتخصصين أن عدداً جديداً من الشباب اختاروا هذا العمل وعملوا لامتلاك المهارة المطلوبة له، وهذا عامل مساعد لنا كمكاتب نعتمد في إنجاز عملنا على خبرتهم ومهارتهم، وإن زيادة العدد والتنوع فرصة لعمل أكثر جودة وخدمات أوسع مطلوبة ولها أهمية كبيرة في هذه المرحلة».

ما يجدر ذكره، أن "مينا عادل الحلبي" من مواليد "عرمان" عام 1987، خريجة جامعة "دمشق" عام 2009، نالت شهادة الماجستير في الأدب الإنكليزي عام 2017، وافتتحت مكتبها الخاص كترجمان محلف، وتستعد لدراسة الدكتوراه.