يعدّ الشيخ الراحل "محمود أبو فخر" أول قاضٍ في "جبل العرب" في القرن الماضي، وذا معرفة ثقافية أدبية وفقهية وتاريخية، ومرجعاً في الأحوال الشخصية.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 5 كانون الأول 2017، التقت حفيده الشيخ "ياسر حسين أبو فخر" صاحب كتاب "أريج الغصون"، الذي بيّن قائلاً: «يعود نسب الراحل جدي الشيخ "محمود أبو فخر" إلى بلدة "بريح" من جبل "العرقوب" في "لبنان"، حيث ولد عام 1872، وتوفي عام 1940 في قرية "ريمة اللحف" على كتف "اللجاة"، في القسم الشمالي الغربي من "جبل العرب"، وهي الجامعة في تخومها بين الصخر والسهل. ويعد البيت الذي نشأ به جدي واحداً من البيوت العامرة في ربوع هذا الجبل، وقد درج في ربوع قريته، محاطاً برعاية والديه، فدخل عالم العلم والمعرفة عن طريق الكتاتيب المعتادة في زمن الاحتلال العثماني، وبرع في الجدِّ والمثابرة مستفيداً من مكتبة أسلافه، وخاصة والده الشيخ "سلمان شهاب أبو فخر"، فقرأ سير الأولين وأشعارهم وآدابهم وتاريخهم، وكوّن في مسيرة حياته حصيلة ثقافية متنوعة، أتت أُكلها وأينعت ثمارها بما ترك من آثار أدبية رائعة شعراً ونثراً. عرف بشغفه للقراءة والمطالعة، وتحصيل المعارف والعلوم في عصره، وتميز عن أقرانه بذلك، إضافة إلى تميزه بعلاقاته الأدبية الرصينة مع كبار المثقفين والقامات الوطنية والفكرية من أصحاب النهضة واليقضة العربية، وصلاته المحترمة مع الصحف والمجلات الصادرة، وما تحويه بطونها من آراء وأحداث وأشعار وأفكار».

ما وصلنا من مآثر الراحل الأديب الشيخ "محمود أبو فخر" القاضي الأول بتاريخ "جبل العرب"، والشاعر المميز لما له مع الشعر من أسلوب ومفردات لغوية معجمية تحمل دلالة الربط بفقه اللغة والفكر وبنية المجتمع، وعالج في أشعاره قضايا متعددة، وساهم في نشر الثقافة والمعرفة، ويكاد يكون الوحيد بين أقرانه من حمل العقل التنويري في زمن سياسة التتريك والفرنسة من الجهل والأمية، واستطاع بشخصيته وعقله وأدبه وتميزه وعلاقاته المتنوعة أن يكون شخصية إشكالية في عالم القضاء والأدب، إضافة إلى أن شخصيته انطوت على رؤية علمية أدبية فقهية ذات دلالات متعددة في بناء المجتمع، حيث وضع لبنة أساسية في أصول المحاكمات والقضاء، وساهم برفد الحركة الثورية النضالية ضد الاحتلال العثماني والفرنسي بروافد معرفية مهمة جداً في تاريخ النضال والتحرر والمقاومة

وتابع: «لا يمكن نسيان صلاته الوطنية والأدبية مع رجال الفكر وأشاوس "الغوطة" في "دمشق" وزعمائها، ومنهم المجاهد الكبير "نسيب البكري"، والدكتور "عبد الرحمن الشهبندر"، و"محيي الدين السَّفرجلاني"، و"منير الرَّيس"، وقد عمل على استقبالهم في مضافته. ونظراً لسعة اطلاعه على أصول الفقه والقانون والتشريع ومصادره، فقد انتدبه الأخيارُ والأطهار من الأعيان الأفاضل لمعالجة القضايا الاجتماعية والمنازعات الاجتماعية من إرث وزواج وطلاق ووصايا، وما تحمل في طياتها من نزاعات وخلافات، فكان أول قاضٍ في تاريخ سكنى "جبل العرب"، وهذا ما تؤكده المصادر المذهبية في المحكمة المذهبية للجبل، وأقرته الدراسات التاريخية، ووثقه الباحثون والمؤرخون والعاملون في القانون والمحاكم الشرعية أيضاً.

الشيخ ياسر حسين أبو فخر

وقد وثق الباحث الدكتور "حسن أمين البعيني" في كتابه حول القضاء المذهبي في "جبل العرب"، حيث قال: «ولم يعرف الجبل القضاء المذهبي الرسمي إلاّ في عام 1921 بعد تأسيس حكومته التي ضمت بين إدارتها مديرية للشرعية عُين لها الشيخ "محمود أبو فخر"، فكان أول قاض للمذهب. وكان يذيلُ الحكم الصادر عن المحكمة المذهبية بالنصح والإرشاد للمتخاصمين أملاً في الاستقامة والبعد عن مهاوي الضَّلال والانحراف، وذلك بأسلوب رصين وجمال في التعبير يحمل الهدف المنشود، ومن نصائحه المحفوظة: (إلام تستمرون على غيّكم، وتستمرئون مرعى بغيكم، وحتَّامَ تتناهون في زهوكم، ولا تنتهون عن لهوكم؟ تبارزون بمعاصيكم مالكَ نواصيكم، يا ليت شعري فما قيلكم إذا آض اللحد مقيلكم، أليس إلى الله مصيركم؟ فمن سواه نصيركم؟ لطالما أيقظكم الداعي فتناعستم، وجذبكم الواعد فتقاعستم، وبصرّكم الناصح فتعاميتم، وحصحص -أي بان وظهر- لكم الحق فتماريتم)».

ومن مآثره الأدبية أوضح الشيخ "ياسر" بالقول: «أرسل جدي للأديب اللبناني "أمين بك ناصر الدين" مدير تحرير صحيفة "الصفا" في "لبنان" قصيدة يبدو فيها التأثر بأساليب القدماء، والاستهلال الشعري بالوقوف على الأطلال ووصف الطبيعة قبل الوصول إلى غرض القصيدة في الثناء والإطراء على فكر وسجايا المقصود بهذا العمل الأدبي، منها:

الأديب فرحان الخطيب

قفــا خــليلي بيــن الرنــد والخـــزم... في معرك الأمتين العرب والعجم

ثم انظرا من خلال الضال كي تريا... تفــاوت الزهر بين الورد والعنــم

من مؤلفاته

واستبدلا هزج القينات إذ صدحت... ورق الأراك بتغريـــد مـن النغــم

في موقف شــائق للعين موقعـــه... بيـن الثـريــا وبيـن اليــم والأكــم

حتى يصل إلى قوله:

كأنمـا المزن من تهتان منطقــه... تهمي على روضة القرطاس بالقلم

هو الخضم الذي عمت مكارمه... تغطمط الجــود في تيــاره العــرم

وهناك الكثير من القصائد والنثر في الرسائل بينه وبين سادة ذلك العصر والزمان من كتاب وملوك وقادة، وثوار مناضلين حماة الأرض والعرض».

وبيّن الأديب "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب قائلاً: «ما وصلنا من مآثر الراحل الأديب الشيخ "محمود أبو فخر" القاضي الأول بتاريخ "جبل العرب"، والشاعر المميز لما له مع الشعر من أسلوب ومفردات لغوية معجمية تحمل دلالة الربط بفقه اللغة والفكر وبنية المجتمع، وعالج في أشعاره قضايا متعددة، وساهم في نشر الثقافة والمعرفة، ويكاد يكون الوحيد بين أقرانه من حمل العقل التنويري في زمن سياسة التتريك والفرنسة من الجهل والأمية، واستطاع بشخصيته وعقله وأدبه وتميزه وعلاقاته المتنوعة أن يكون شخصية إشكالية في عالم القضاء والأدب، إضافة إلى أن شخصيته انطوت على رؤية علمية أدبية فقهية ذات دلالات متعددة في بناء المجتمع، حيث وضع لبنة أساسية في أصول المحاكمات والقضاء، وساهم برفد الحركة الثورية النضالية ضد الاحتلال العثماني والفرنسي بروافد معرفية مهمة جداً في تاريخ النضال والتحرر والمقاومة».