عقد من حبات القلب تنظمه "أميرة أبو الحسن" برقة الأنامل شعراً. تتحدث عن شغفها بكتابة مشاعر الإنسان بين الحب والحزن والفرح، بإقرار مسبق أن الشعر يختار من يكتبه، يحتله ليقدم خلاصة افتتانه بالحياة.

من طفولة كان فيها للكتاب لون وقيمة وضياء، جمعت ذاكرتها حالة لغوية، وقصصاً إنسانية أخذت بيدها إلى عالم تعدّه متعباً ومرهقاً بالفكرة، ومنتجاً بالمعنى والحالة الإنسانية التي تجعله منشغلاً بألوان مشاعرنا، وتقلبات المزاج وتفاعلات البيئة. هي رحلة كانت محور حديثها من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 كانون الثاني 2018، وقالت: «للبيئة تأثيرها من حيث توفر الكتب للقراءة في سن مبكرة، والقراءة تراكم معرفي، وهي الأساس في أي إبداع، من غيرها سيبقى المنجز بسيطاً لا يتطور، وللقراءة دور كبير في غنى المفردات، فلا يكرر الكاتب نفسه؛ وهو عائق كبير في الكتابة.

أميل إلى تسميتها قصيدة النثر، ويريحني أكثر تسمية ما أكتب بالنصوص، وأظن أنها نوع مستقل من الأدب، هذا النوع الذي يدل على التغيير والتطور والتحديث الضروريين لكل ما يتغير ويتطور في حياتنا. يقول الشاعر "ت. إس. إليوت" في كتابه "في الشعر والشعراء": (إذا لم يكن لدينا أدب حيّ معاصر، فسوف نشعر بالغربة بصورة مطرّدة تجاه أدب الماضي). وأنا أؤمن بقوله هذا تماماً

أما عن الاتجاه إلى الشعر، فأظنّ أنه هو الذي يختار من يكتبه ويتجه إليه، هو زائر لطيف وثقيل في الوقت نفسه، يشدك من أذنك لتكتبه، وإن عاندته، يسكن عقلك ويحتل حياتك وتفاصيلك مطالباً إياك بكتابته.

الشاعرة أميرة أبو الحسن

الشاعر إنسان مرهَق بفكرة ما دائماً، وليس بالضرورة أن يعرف كيف يصوغها، فيضعها جانباً إلى حين، وكثيراً ما يتخلى الشعر عن الشاعر لأوقات قد تكون طويلة؛ يتعلم كيف يتقبلها ويتعايش معها، لكنها أوقات قلقة مثقلة بهمّ داخلي لا يراه ويفهم معناه سوى صاحبه.

لهذا أظن أن الآخرين يصفونه بالمزاجية، أو أن له طبعاً خاصاً، وهو في أغلب الأحيان يعيش في عزلة ظاهرة للعيان أو شبه عزلة ليتمكن من التوفيق بين حياته العامة وحياته الخاصة كشاعر، لكن لا شيء يبعث على الرضا والبهجة كاللحظة التي يخرج فيها النص متكاملاً؛ لحظة أستطيع أن أسميها سعادة صافية».

الروائي والشاعر شكيب أبو سعدى

علاقة الرجل بالمرأة محور يشغل مساحة من نصوصها، ليس بدافع البحث عن الإجابة، وأضافت: «لا تشغلني الإجابات بقدر ما تشغلني الحالة بذاتها، هو افتتان أكثر مما هي أسئلة، افتتان بحالة الشغف، بالبدايات والنهايات وما بينهما من شغف وشوق وغضب وتسامح وحزن وفرح، وهذه الحالات التي نسميها مشاعر استهوتني فكتبتها بطريقتي.

فالحب محرك للبشر، ننظر إلى الإنسان رجلاً كان أو امرأة، فنستدلّ على السعادة والرضا والاكتفاء، ونعرف أنه في حالة حب، وليست لدي الثقة بأن لأي شيء آخر مثل هذا التأثير، هناك بالتأكيد أسباب أخرى للسعادة والرضا والاكتفاء، إنما يبقى الحب هو الأساس، ومن غيره، هناك شعور دائم بأن هذه السعادة ناقصة بوجه ما».

من دواوين الشاعرة

فلا فائدة ترجى من الكتابة إن كتبت ما كتبه من سبقها في رأيها حول جرأة النص وتحمل المحيط الأدبي للفكرة، وتمسكها بتسمية قصيدة النثر، وليس القصيدة النثرية، تضيف: «أميل إلى تسميتها قصيدة النثر، ويريحني أكثر تسمية ما أكتب بالنصوص، وأظن أنها نوع مستقل من الأدب، هذا النوع الذي يدل على التغيير والتطور والتحديث الضروريين لكل ما يتغير ويتطور في حياتنا. يقول الشاعر "ت. إس. إليوت" في كتابه "في الشعر والشعراء": (إذا لم يكن لدينا أدب حيّ معاصر، فسوف نشعر بالغربة بصورة مطرّدة تجاه أدب الماضي). وأنا أؤمن بقوله هذا تماماً».

"بين سهو ونسيان" كان ديوانها الأول، وكانت تعمل بإصرار على تسجيل التجربة من بدايتها، وأضافت: «لا أريد أن أظلم الديوان، لكن بيني وبين نفسي أستطيع أن أشير إلى مناطق الضعف فيه. راقبت كتابتي من ديوان إلى آخر، ورأيت تطورها، وما زلت أتعلم، لكنني دائماً كنت أعرف أنني سأكتب قصيدة النثر فقط.

وحول التقنية الشعرية، فأنا أحاول إيصال الفكرة بأقل عدد ممكن من الكلمات، أحاول أن لا أكرر المفردات، فهناك اجترار مخيف للمفردات في كثير من النصوص التي نقرؤها؛ وهو أمر منفّر. وهناك الأمر الأهم، موسيقا النص الخفية التي لا يظهرها وزن أو قافية، لكنها موجودة بقوة.

ففي كل النصوص حاولت المحافظة على تلك الموسيقا الداخلية التي يحس بها القارئ من دون أن يراها. وحاولت أن يكون لي أسلوبي الخاص، قد تتكرر الأفكار عند الشعراء، لكن الأساليب تختلف».

تجربة شعرية ناضجة لا تكرر نفسها، وفق تعبير الروائي والشاعر "شكيب أبو سعدى"، وقال: «إن تسمية القصيدة الحديثة قصيدة شعرية لا يعلي من شأنها. وتسميتها قصيدة نثرية لا يقلل من شأنها؛ لأن المعيار الأول والأخير هو المستوى الفني للنص المتمثل بجمال اللغة والصورة الشعرية، والموسيقا الداخلية، والفكرة التي يحملها إلى المتلقي وما يتركه لدى القارئ من المتعة والمعرفة.

الشاعرة "أميرة أبو الحسن" من أوائل الشعراء في محافظة "السويداء" الذين اعتمدوا النثر الفني في كتاباتهم الشعرية، ولم تختر ذلك تفادياً للصعوبات التي تأتي من الالتزام بأوزان القصيدة التقليدية، أو قصيدة الشعر الحر (التفعيلة)، وإنما عن قناعة بضرورة التحرر التام من أي قيود تحدّ من حرية الإبداع.

من خلال قراءة الكثير من نصوصها، نجد أنها تمتلك أدواتها التعبيرية وتستخدمها في نصوصها باحترافية عالية.

لقد استطاعت الشاعرة أن تقدم نصوصاً شعرية رفيعة المستوى تسعفها معرفة عميقة باللغة ودلالاتها، لغة شاعرية كثيفة، وشفافة في آن، جريئة، متحررة، مؤثرة، عميقة في أفكارها ومعانيها.

ونستطيع القول من دون مواربة، إن تجربتها ناضجة ومستمرة، لا تكرر نفسها، ولا تتبع خطى الآخرين، دائماً تقدم الجديد في نصوصها من دون حشو أو لغو».

ومن آخر نصوصها، وحول ما تكتبه الآن، اختارت لنا الشاعرة هذا النص، وقالت: «أكتب عن الحرب بطريقتي؛ فهي أهم ما يحدث في حياتنا الآن، ولم يشغلني سواها في السنوات الماضية:

"في الحرب

يصبح الندم ترفاً

وحدها اللحظة.. تبقى

أن تستيقظ.. أن تتنفس..

أن تنهي عملاً بدأته في الأمس

أن تكمل عشاءك وتتمنى ألا يكون الأخير..

حين تختلف الرؤية.. حين يقل الكلام

حين في وحدتك

تدرك أنك لن تغرق وحدك

ولن تنجو وحدك

في الحرب..

في لحظة واحدة أنت مجرد عين تراقب المشهد

المشهد الذي.. ربما.. يكون.. هو.. الأخير"».

ما يجدر ذكره، أن الشاعرة "أميرة أبو الحسن" ولدت في "القامشلي" عام 1959، درست التجارة والاقتصاد، وصدرت لها دواوين: "بين سهو وصحو"، "حالات"، "احتفاء بشيء ما"، "رجل أضاع النوم في سريري"، "أرجوكم لا تقلقوا نومي". كما صدر لها ديوان مشترك مع الشاعرة البحرينية "إيمان الأسيري"، بعنوان: "بين بحر وبحر".