يعالج الكاتب والشاعر "شكيب أبو سعدة" فكرته الأدبية بنزوع واضح الرؤى، وتفاعل واسع الأفق مع البيئة المحيطة، فقد إنتاج لامس التميز، بقصائد "تكفي صنوبرة وحيدة" ورواية "سنة العصافير".

عن الدخول إلى مضمار الأدب والتجربة المحفوفة بالمخاطر كما يصفها بعضهم، وبداية تجربته الأدبية، تحدث الأديب "شكيب أبو سعدة" من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19 شباط 2018، قائلاً: «المخاطر في مجال الأدب تشبه في بعض الحالات مخاطر المهن، كأن تمسك بالقلم وتستخدمه بطريقة خاطئة، فيؤدي ذلك إلى فقدان بعض أصابع يدك، وأحيانك يدك بكاملها.

هذا ما اغتنمته في كتابة الشعر، وكما يقال: الشعر هو رياضيات الكتابة. في النص الروائي كان تأثير الشعر واضحاً في لغة الوصف. للبيئة المحيطة أثر مهم على الكاتب والشاعر، قد لا تظهر بصورة مباشرة، لكن تتسرب إلى مفردات لغته في سياق كتابة النص، ولا شك أن البيئة تركت بصمات واضحة على مجمل الشعر الذي كتبته. لا أستطيع القول إنني صاحب مشروع روائي، ولا أدعي مثل ذلك

وكلما كان الكاتب متمكناً من أدواته، وصادقاً مع نفسه، وواضحاً في رؤيته، وأميناً لا يخادع القارئ، تكون المخاطر أقل. لا أتحدث هنا عن مخاطر المحظور، فالكتابة فعل السحر، ومتعة المتخيل والواقع. ليست حصاد ما قبل الخريف فقط، بل حصاد جميع الفصول، منذ رسائل الشتاء البيضاء إلى نوافذ البيوت البعيدة، حتى مراوغة عصفور لسنبلة واقفة.

الروائي جهاد عقيل

تجربتي مع الأدب متواضعة؛ لم أخض في محيطه عميقاً، أمضي فيه حتى الحدود التي تقيني الغرق».

في روايته "سنة العصافير" خرج من فكرة التعايش، رسم ملامح حقيقية لكينونة إنسانية أصيلة بلا مبالغة، كما حدثنا عن روايته، وإذا كانت الكتابة تجربة ذاتية، قال: «ما يجمع الناس في "الجبل" -على اختلاف مشاربهم- هو أكثر من التعايش؛ إنها الحياة المشتركة؛ وهذه سمة من سمات أهل الجبل، لم يشذّ عنها سوى نفر قليل. "الجبل" شهد صراعات كبرى بعضها داخلي، له أسباب اقتصادية، وبعضها دفاع عن الوجود والأرض، ومقاومة الغزو والغزاة، حتى أثناء ذلك، كان للحفاظ على الحياة المشتركة قوة القانون الأخلاقي الذي لا يشذّ عنه الجبليون، على الرغم من محاولات قوى خارجية متعددة تدمير ذلك.

من إصداراته

"سنة العصافير" حكاية زمن مضى، حفل بقيم تمسك بها أهل الجبل، قيم جعلت بقاءهم أمراً ممكناً، في دوامة صراع لا مثيل له، في مواجهة طبيعة قاسية، وفقر، وقوى عاتية؛ داخلية، وخارجية. كتبت "سَنَة العصافير" في زمن مقيت، شهدنا فيه تدمير كل الإرث الذي جعل هذا الجبل جبلاً.

أما عن تجربة الكتابة، فأظن أنها ذاتية وغير ذاتية في الوقت نفسه؛ الكاتب يبدع، ويضع شيئاً من معرفته، وشيئاً من معارف الآخرين؛ إنها مزيج من أشياء حدثت وأشياء لم تحدث، وينتج عنها شيئاً جديداً، يبدو حقيقياً أكثر من أي شيء حقيقي أو حي».

الكتابة ذات الأفق المحلي وتقنياته الروائية والسردية، التي أخرجنا فيها من حدود الجبل إلى دائرة جغرافيّة أكبر، وطعّمها بالحدث الغني، عن كيفية تطوير الكاتب لهذه التقنية، يضيف: «إن الفضاء المكاني للرواية امتد من "جبل حوران" حتى "لبنان"، في هذا الحيز الجغرافي جرت أحداث الرواية. لم أبتعد عن البيئة المحلية، وتعاملت معها بأمانة وإنصاف. كان لدي شيء متميز أقوله يخص مجموعة من الناس، لحق بها الكثير من الظلم وسوء الفهم والتجني في مراحل من تاريخ هذا البلد، وأردت أن تكون الحقيقة ساطعة، وكانت "سنة العصافير".

وأقول: إن روائع الأدب الروائي، خرجت إلى العالمية من بيئات محلية تميزت بطابعها الخاص والمختلف. هناك دائماً بين الشعوب ما هو مشترك وإنساني، وإن اختلفت وتباعدت في الجغرافية والثقافة ومستويات التطور، وبصرف النظر عن الاختلافات اللغوية، والإثنية، والقومية، والدينية، القارئ خارج الجبل لا يريد منك أن تحدثه عن بلده، يريد أن تحدثه عن بلدك.

أما عن الكيفية التي يطور فيها الكاتب تقنياته، فأظن أن ذلك يحدث بالاجتهاد والمعرفة والقراءة، وممارسة الكتابة مع بعض الموهبة، في النهاية تقنيات الكتابة هي محصلة لكل هذا».

عن غياب قصص الحب التقليدية في العمل، في الوقت الذي يجعلها بعض الكتّاب حامل ومحور الرواية، وأن الحب حاضر في روايته، يقول: «الفن الروائي واسع ومتنوع، الرواية يمكن أن تكون عن أي شيء. وأهداف الروائيين متنوعة، على الكاتب أن يعرف ماذا يريد، وعما يتحدث. لقد اخترت في الكتابة الاتجاه الذي رأيته مناسباً. يمكن للكاتب أن يستعمل أي تقنيات طالما كانت مؤثرة وتؤدي الغاية التي كتبت من أجلها.

"سَنَةُ العصافير" ليست حكاية حب بين رجل وامرأة، لكن الحب كان حاضراً فيها، كما هو في تجليات الحياة ضرورة من ضروراتها، بلا إقحام ومبالغة، وإثارة مفتعلة لا لزوم لها».

في "سَنَةُ العصافير" كان الحب حاضراً بأبهى صوره وتجلياته، على الرغم من الإخفاقات التي ابتلى بها في خضم حياة صعبة. أثر البيئة المحيطة في نصوصه الشعرية واضح، حيث اقتنص تفاصيل الجمال والحياة، كما عبر بالقول: «هذا ما اغتنمته في كتابة الشعر، وكما يقال: الشعر هو رياضيات الكتابة. في النص الروائي كان تأثير الشعر واضحاً في لغة الوصف. للبيئة المحيطة أثر مهم على الكاتب والشاعر، قد لا تظهر بصورة مباشرة، لكن تتسرب إلى مفردات لغته في سياق كتابة النص، ولا شك أن البيئة تركت بصمات واضحة على مجمل الشعر الذي كتبته. لا أستطيع القول إنني صاحب مشروع روائي، ولا أدعي مثل ذلك».

حداثة خاصة يؤصلها هذا الكاتب وفق حديث الروائي "جهاد عقيل"، الذي قال: «تمنحك كتابة "شكيب أبو سعدة" فضاءات مغايرة، تأخذ بيدك لتدك بها حصون الأيديولوجيات، وتمضي بك نحو الحياة. روايته "سَنَةُ العصافير" تقدم لك الطاقة التي تهبك إياها إعادة اكتشاف ما ألفه قلبك واعتادته عيناك، فتتحول حلقات متناوبة من العصافير الميتة، إلى دوائر تدور بك عميقاً في مناطق الوعي لتنتزع ما ألفته عيناك وروحك وقلبك، لتكتشف أن هذه الدوائر لم تكن سوى دوامة الحياة والموت التي نعيشها يومياً، الرواية تعبئك بروائح الربيع، وربما تفر ابتسامة طائشة من بين عينيك، وربما تضرب كفاً بكف، لكن الرواية من دون شك تمنحك القدرة على مواجهة المستحيل خاصة، وأنت تتلقى هذه النهاية الرائعة التي تمثل بؤرة الروي. إنه نوع من الفن منفتح على الاحتمال لا يأبه كثيراً لفن الرواية، هكذا يخلق "شكيب أبو سعدة" حداثة خاصة به».

ما يجدر ذكره، أن الكاتب "شكيب أبو سعدة" من مواليد "السويداء" عام 1945، يحمل شهادة جامعية في التجارة وإدارة الأعمال.