بين "سهيلة" و"تمائم طافية" تجربة أدبية ملامحها من بواطن وخفايا البيئة المحلية، بالشكل والمضمون، والتصاق روحي، قدم "سلام عزام" الروائي، الذي ينتمي إلى بيئة كوّنته على رتم هذيانها الحي.

هذا الكاتب الذي أخذته الكتابة من واقع عملي ليسير في ركاب القلم لامس في تفاصيل حكاياته عمقاً روحياً للإنسان، أفصح عنه بمرونة مشهدية تحيط القارئ بما كان، ومسار حدثي شفيف.

أظن أن القصة وإن كانت تستطيع اجتراح دهاليز داخلنا بطرائقَ مختلفة، من خلال قدرتها الفنية على تصوير الجَوهريّ في الشخصية لحظة انفلاتها من خيوط عناكب التزوير، إلا أن الرواية استطاعت أن تحملني إلى شواطئ بعيدة، ولا أرتوي، فهي مدى صهوتُه الكون النابض إلى الاتساع؛ وهذا سرّ غوايتها لتبدوَ لي سيدةَ الآلهة. وإن كانت القصة إلهة السحر التي تتبدّى لي بألف شكل، ولا لونَ يحددها، إلا أن الرواية عالم يتماهى مع اللا منتهي من الفضاءات الملونة في عتمة العينين، وربما في سجن الذاكرة؛ عالم يمتلئ بالبراري، أستطيع على مداه أن أتنفس حريتي

في إطلالته عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 1 نيسان 2018، عبر عن علاقته مع الأدب والرواية والبيئة، وقال: «أن يكون على كاهلك حملٌ من ملح مدى الحياة؛ فهو خيارٌ ليس أصعبَ من خيار ركاب الحرف والكلمة. خاصة حين يصبح هذا الخيار كما الهواء، تتنفسه حتى لا تموت.

الكاتب سلام عزام

فركاب الحرف والكتابة بالنسبة لي، مكان تتعلق به روحي ويغرق فيه نبض دمي، يرافقني في كل حين، حتى إنه يستحيل هواجسَ تؤرقني اشتعالاً في ثلج الكلمات، تؤرجحني على حواف اللا مكان، وترميني بغتة في أمكنة ضيقة أكاد أختنق فيها، عالقاً على فاصلة منقوطة بين البداية والنهايات. عقدين ونيّف من التكّات عمر تجربتي، وإن كان يرافقني كظلي على شفاف خفةٍ مع تجربتي بفن الرسم الذي رافقني منذ طفولتي».

بين "سهيلة" مجموعته القصصية ورواية "تمائم طافية" زمن وتجربة وانتقال من القصة إلى الحالة الروائية يظهره بفارق بين الجنسيين الأدبيين وفق تعاطي الكاتب وتفضيله لأي منهما، وقال: «أظن أن القصة وإن كانت تستطيع اجتراح دهاليز داخلنا بطرائقَ مختلفة، من خلال قدرتها الفنية على تصوير الجَوهريّ في الشخصية لحظة انفلاتها من خيوط عناكب التزوير، إلا أن الرواية استطاعت أن تحملني إلى شواطئ بعيدة، ولا أرتوي، فهي مدى صهوتُه الكون النابض إلى الاتساع؛ وهذا سرّ غوايتها لتبدوَ لي سيدةَ الآلهة.

الكاتب فرحان ريدان

وإن كانت القصة إلهة السحر التي تتبدّى لي بألف شكل، ولا لونَ يحددها، إلا أن الرواية عالم يتماهى مع اللا منتهي من الفضاءات الملونة في عتمة العينين، وربما في سجن الذاكرة؛ عالم يمتلئ بالبراري، أستطيع على مداه أن أتنفس حريتي».

في نصوصه تسدل البيئة المحلية حضورها وتوحي بتأثره المغموس بعاطفة الابن الذي ينتمي إلى هذه البيئة الخالصة الصفاء، كما يضيف: «البيئة المحلية غير الملوثة، التي ما تعبت من حمل روح الإنسان، بين ظل ريشاتها ولون حجارتها؛ ذلك الإنسان الذي بوحُه خضرة متناهية بحجم الضوء، وصدحُه اشتعال السماء في سر عتمتها، الإنسان الذي لم يعرف بعد طعم النابالم. هذه البيئة تسحرني وتغويني، وتستحيل منافسة من نوع آخر، بفاعليتها وتقاطعاتها وتواشجها مع الزمن المنحل في ثناياها.

من أعماله

وإن كان السؤال ماذا قدمت لي؟ أهي المصدر الأولي للفكرة؟ أظن أن البيئة هي التي قدمتني، لتصبح أنا، وأسئلةً تضج بها أرضية المأساة، وتظهر منها سماء للفرح؛ من خلال خطف الزمان وتدويره بشريط الذاكرة التي تستطيع تلوين الأبيض والأسود بخطوط الأمل. فالفكرة ليست كلماتٍ من رخام مزخرف، ولا حروف قوافٍ من ذهب. كما أنها ليست عبثاً للكلمات، ولا هي موجودة في مصنع الحجر، أو مشغل الكلام، وعلى أطراف الألسن، وإنما الفكرة هي الومضة الداخلية في أعماقنا، والفيض من التأملات التي تجول في الخاطر والقلب والروح».

في روايته "تمائم طافية" مع "راضي" وعلى لسانه وصمت "حسن" المتكلم سرد تمائم عزفت على وتر نفسي عميق مقارباً الواقع والخيال بتراتبية حدثية شيقة، يحدثنا عنها بالقول: «ليس مهمة الكاتب أن ينقل شخصيته من الواقع إلى حروف كلماته لتبدوَ واقعية، بل المهمة الأصعب، ومن خلال فن التخيل، ذلك السر العظيم، وإن اتكأت بعينك على الواقع، تستطيع أن تكوّن بألف لون الشخصية المختلَقة، وتبدو موقناً بأنك ستذهب إليها غداً لمعرفتك بها.

روح "راضي" السجينة الباحثة عن إنسان تبوح له، و"حسن" توأم الصمتَ، أراد أن يكون أبكم، والمكان المتواشج مع الزمان في الذاكرة لكليهما. كانت هذه هي الأرضية التي تداخلت فيها لغة السرد العازفة على أوتار الغوص في العمق اللا مرئيّ في النفس البشرية، فيتندّى صدى البوح المجفف في أقبية القهر. كل ذلك من خلال المونولوج الداخلي والمناجاة مع الذات أو الآخر البعيد الساكن فينا، أو مداعبة خضاب شريط الذاكرة الذي لا يموت.

هذا المونولوج الذي يحمل ثنائيات الإنسان، يعجّ بالحياة، ويصطدم بالزمن اللحظي الواقعي، الجاثم على حواف الأمكنة المثخنة بالفجيعة، والمكبلة بضياع مهول. حتى فعل الموت الإرادي، قبل الأوان، كان صراعاً من أجل البقاء، حيث تبدو حالة الفعل بأبهى صورها الرافضة».

نقلة في السرد تحدث عنها الروائي "فرحان ريدان" وعززها بالأمثلة من رواية "تمائم طافية"، وحللها بالقول: «في "تمائم طافية" ملامح فنية مهمة. والأحداث تُحكى لنا من خلال رؤيتين: من منظورين سرديين. هي نقلة سرد؛ حققها "سلام" برشاقة وخفَّة؛ وهذا ملمح جمالي يخص تقانة السرد. في هذا النص، ثمة إغواءٌ استدرجَ "سلام"؛ إغواء أن يقول كل شيء في رواية واحدة؛ وهذا يفسرُ وجودَ بعضَ الاستطالات التي لا تعزز أغراض السرد. وتتشابه مناخات النص السردي وأيضاً الأمكنة التي تدور فيها الأحداث لديه سواء في نصوصه القصصية أو في الرواية. غير أن إيقاع الكتابة، في روايته، أكثر نهوضاً، كما أنه أولى اهتماماً أكثر للشخوص، والصورة البصرية البيئة المحلية التي تتنازع البطولة مع الشخصيات».

ما يجدر ذكره، أن الكاتب "سلام عزام" من مواليد "الدويرة" عام 1958، خريج كلية الاقتصاد، في جامعة "حلب"، عام 1981. عمل في المصرف الصناعي، وهو متقاعد، صدرت له "سهيلة"، ورواية "تمائم طافية"، ولديه عمل قيد النشر.