قرن من الزمن والشيخ "سعيد الحناوي" يحفر في صخور المعرفة والعلم باحثاً عن كنوز ينشرها في مجتمعه وبيئته وطلابه، من خلال السلك التعليمي، ولم يكتفِ بذلك، بل بات المرجع لكثير من القضايا التاريخية والاجتماعية والإنسانية، مجسداً إرثه الغني.

حول شخصيته وسيرته، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 نيسان 2018، التقت ابن شقيقه شيخ العقل "حمود يحيى الحناوي"، الذي بيّن قائلاً: «ولد الراحل الشيخ "سعيد الحناوي" في شهر نيسان 1918، حيث نشأ وترعرع في كنف والده الشيخ "أبو هاني علي الحناوي"، ووالدته "أم هاني صالحة شبلي الحناوي" شقيقة الشهيد "عمار"، الذي قضى في معركة "المسيفرة". رافقته الآلام صغيراً، يوم كانت البلاد ترزح تحت عواقب الاحتلال العثماني والاستعمار الفرنسي؛ من خلال موقع والده كشيخ عقل، والمسؤوليات الكبيرة تنعكس على الصغير والكبير، ظهرت عليه علامات الذكاء والنبوغ، فرأى والده أن يلحقه في كتّاب قرية "سهوة البلاطة" بعد أن جهز له أدوات التعليم البدائية آنذاك؛ المقتصرة على لوح من التنك، ووعاء صغير من الزجاج يحتوي ماء مصبوغاً بالتراب الأحمر، وريشة للكتابة مصنعة محلياً عند نجار القرية الشيخ "أبو يوسف خير الحناوي" من القضيب النابت بالقرب من غدير الماء، حيث يحضره التلاميذ من وادٍ يسمى "الشاغور" جنوب القرية، وأخذ يتردد مع أنداده من أبناء القرية إلى شيخ الكتّاب "أبو هزيمي سلامي كحل"، وبعد أن أنهى دراسته في كتّاب القرية، انتقل إلى المدارس الرسمية في مدينة "السويداء"، ثم إلى مدرسة "التجهيز الأولى" في "دمشق"، وهناك من أترابه من أصبحوا أعلاماً أذكر منهم: "عيسى عصفور"، و"صياح جهيم"، و"رضوان وسعيد قاسم الحناوي"، و"سلامة عبيد"، و"جميل عبيد"، و"حسين الحجلي"، و"يوسف مزاحم" وزير التموين في عهد الوحدة، والدكتور "شكري فيصل" مدرّس الأدب العربي بجامعة "دمشق". بعدها ألحقه والده بمدرسة "اللاييك" في "بيروت"، ولم يتمكن من متابعة الدراسة، وعاد إلى القرية. وكان قبل ذلك قد حصل على شهادة الابتدائية، ونظراً للظروف الصعبة التي كانت سائدة في البلاد، وندرة المتعلمين؛ التحق بالتعليم، ليتم تعيينه بقرار من مفتش التعليم وموافقة مديرية المعارف ليعمل معلماً في قرية "طربا"».

كانت تربطنا نحن الكتاب علاقة وطيدة مع الراحل الشيخ "سعيد الحناوي"؛ ذلك لأن الظروف حرمته من متابعة تعليمه والالتحاق بالمدارس التكميلية والجامعية، إلا أنه لم يهمل المطالعة والاطلاع على الآداب والعلوم والمعارف لدرجة كبيرة، فكان شغوفاً وكأنه يريد أن يعوّض ما فاته. وساعده على ذلك، أنه يملك ذاكرة قوية؛ يختزن باستيعاب كل ما يقرأ بدقة متناهية؛ الأمر الذي جعله مرجعاً وعلامة تفوق على المختصين من أصحاب الشهادات العالية، ويشهد له الكثيرون، حيث يقصده الأدباء والشعراء والطلاب والدارسون وطالبو العلم والاستشارة، فهو من أهل الرأي والمشورة، وينطبق عليه المثل: "الرجل الرجل"، كما أنه تمتع بثقافة عالية، وكان متمكناً من اللغة العربية ويملك ناصيتها، ويجيد اللغة الفرنسية كالعربية، ويعد من رجال الفقه بالعلوم الدينية من خلال حفظه للقرآن والكتب المقدسة، كما أنه خبير في الأعشاب والأنساب والحياة العشائرية والمواقع الجغرافية والقضاء

وتابع الشيخ "حمود الحناوي" بالقول: «في عام 1947، انتقل للتعليم في مدرسة قرية "بكا"، ثم في قرى "الشريحي"، و"رساس"، وأخيراً "سهوة البلاطة"، وفي منتصف الخمسينات كان بين الصفوف، ومن أبرز الذين تصدوا ببسالة وشجاعة وصبر لمهنته على الرغم من الضغوط السياسية عليه، فقام مدير المكتب الثاني طالباً نقله إلى أبعد مكان، وحضر بنفسه إلى القرية مهدداً، فتصدى له مدير المدرسة آنذاك "علي عزي"، وكذلك مدير التربية الأديب "سلامة عبيد". ولم يتوقف الأمر على النقل، بل تم اعتقاله وخُلّي سبيله بعد مدة زمنية قصيرة، وبقي معلماً حتى استقال من المهنة عام 1967؛ مودعاً خمسة وعشرين عاماً من عمل أحبه وأخلص له، ومما قاله مودعاً في كملة مؤثرة موثقة: "لقد دخلت إلى سلك التعليم معلماً صغيراً متواضعاً طوال ربع قرن، وخرجت معلماً صغيراً متواضعاً، وستبقى فصول الدراسة الأقرب إلى قلبي وسكني، وسيبقى صوت الأطفال النغم المحبب إلى سمعي، وستظل ذكريات الزملاء والزميلات مطبوعةً في ذاكرتي وضميري ما دمت حياً"».

شيخ العقل "حمود الحناوي"

وعن ثقافته، بيّن الدكتور "فايز عز الدين" رئيس "فرع اتحاد الكتاب العرب" في "السويداء" قائلاً: «كانت تربطنا نحن الكتاب علاقة وطيدة مع الراحل الشيخ "سعيد الحناوي"؛ ذلك لأن الظروف حرمته من متابعة تعليمه والالتحاق بالمدارس التكميلية والجامعية، إلا أنه لم يهمل المطالعة والاطلاع على الآداب والعلوم والمعارف لدرجة كبيرة، فكان شغوفاً وكأنه يريد أن يعوّض ما فاته. وساعده على ذلك، أنه يملك ذاكرة قوية؛ يختزن باستيعاب كل ما يقرأ بدقة متناهية؛ الأمر الذي جعله مرجعاً وعلامة تفوق على المختصين من أصحاب الشهادات العالية، ويشهد له الكثيرون، حيث يقصده الأدباء والشعراء والطلاب والدارسون وطالبو العلم والاستشارة، فهو من أهل الرأي والمشورة، وينطبق عليه المثل: "الرجل الرجل"، كما أنه تمتع بثقافة عالية، وكان متمكناً من اللغة العربية ويملك ناصيتها، ويجيد اللغة الفرنسية كالعربية، ويعد من رجال الفقه بالعلوم الدينية من خلال حفظه للقرآن والكتب المقدسة، كما أنه خبير في الأعشاب والأنساب والحياة العشائرية والمواقع الجغرافية والقضاء».

أما عن آثاره وأعماله، فقد أوضح الباحث "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتاب العرب بالقول: «لم يكتب كثيراً، بل أورث أفكاره في ذاكرة من حوله، مضافته منتدى فكري ومجلس للحوار من مختلف الآراء والاتجاهات وأصحاب الفكر، يُسعد بلقائهم، خاصة بالمناظرات التي كانت تقام على مدار السنة من دون انقطاع، ومن آثاره أن ترك لنا مكتبة تجمع أمّات الكتب القديمة والكتب الحديثة، وكأنه تعمّد أن يقول لنا هذه أمانة ما قرأت، فإذا أردتم أن تقرؤوا لي، فهو في بطون الكتب التي قرأتها، وبالإمكان الاطلاع عليها، وهي مفتوحة لكل طالب علم وباحث، كنا على صلة وثيقة بالشيخ "سعيد الحناوي" من خلال العلاقات الاجتماعية، فهو شديد الحرص على الأصدقاء، وما أكثرهم، ولم يتخلّ عن واجب مادي أو معنوي، يعيش هموم الناس وأفراحهم وأتراحهم، وخاصة المرضى وأصحاب الحاجات، فكان إنساناً بكل معنى الكلمة، وما رأيت أوسع منه بيتاً، ولا أسخى منه يداً، من أصلب الرجال وأشجعهم وأحزمهم، وخاصة في المواقف الحرجة التي تتطلب الحسم وحلّ المشكلات، وله مبادرات اجتماعية وإنسانية وعلمية جمة».

د. "فايز عز الدين"