يعدّ الراحل الشاعر الشيخ "حسين أبو فخر" واحداً من شيوخ التنوير في "جبل العرب" خلال القرن الماضي، وشاعر التثوير أمام الرؤساء العرب، له دواوين ووقفات إبداعية مهمة في الحركة الثقافية والأدبية.

حول تاريخ ونشأة الشاعر الشيخ "حسين أبو فخر" وحياته الاجتماعية، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 تموز 2018، التقت نجله الأديب الشيخ "ياسر أبو فخر"، الذي بيّن قائلاً: «ولد الشيخ "حسين بن محمود أبو فخر" في قرية "ريمة اللحف"، تلك القرية الوادعة الهادئة من قرى "السويداء" العامرة بأهلها والمسيَّجة بالصدق والعفّة والنقاء، في بيت من بيوت العلم والإيمان والوطنية. شبّ على حب المعرفة، وكانت ولادته عام 1918 ليكون فارساً جليلاً من فرسان الكلمة الطيّبة، وشيخاً وقوراً أشبع درساً وفهماً، فعاش حياته طائراً مغرداً، يصدح على أغصان شجرة التوحيد وأفنان الوطن والعروبة، بفكر متنور وبعد إنساني.

مثّل الراحل الشاعر الشيخ "حسين أبو فخر" ظاهرة أدبية تنويرية في زمن قل فيه العلم بعد سياسة التتريك والفرنسة اللتين عملتا على نشر الأمية والابتعاد عن التراث العربي، لكن أديبنا وشاعرنا كان واحداً ممن حفروا بصخور البازلت أفكاره ورؤاه الإبداعية بشعره الحامل للدلالات والصور والوقائع المعاصرة، خاصة أنه المعاصر لكل حدث جرى، إذ دوّن ووثق بقصائده المواقف الاجتماعية والوطنية والسياسية وحتى الخدمية الاقتصادية، وحقق حضوراً أدبياً متميزاً على الساحة الثقافية الشعرية في "سورية" حين نال جوائز عديدة داخل القطر وخارجه، ومثّل "السويداء" بالمحافل الإبداعية المتنورة أمام رؤساء العالم العربية والوفود الدبلوماسية. والأديب الشاعر "حسين أبو فخر" يزخر بمائدة أدبية تحمل التنوع الفكري والأدبي في القصيدة العمودية والنثرية وشعر التفعيلة، لكنه كان مصمماً على الشعر العمودي، وما زالت قلائد أشعاره نضعها ونقرأ فيها أحداث اليوم باستشراف المبدع للمستقبل، يقيناً أن الشعراء هم عطر الأنبياء في الأرض، والراحل كان واحداً من هؤلاء برؤيته التنويرية وأدبه الوطني الاجتماعي التثويري

عاش حياته بعيداً عن مواطن التعصب والجهل، وصدح بصوته الجهوري بضرورة العلم وخاصة للفتيات لدورهن في بناء الأجيال على المعرفة والدرس، وكان شديد الاعتزاز بكرامات وتاريخ أهله وأسلافه، وعبّر مراراً في شعره الجزل الرصين عن ذلك، مشيراً إلى سمو مرتبتهم في نفسه، من خلال مقطوعة شعرية حفرت على ضريح أجدادنا الميامين، شديد التواضع والحرص والوفاء، ومن جميل شعره في هذا السياق ما ورد في قصيدة له بعنوان: "حنين"، معتزاً ومفتخراً بسلفه الصالح:

الشيخ ياسر أبو فخر

جــمال التقى دين وزهد وعفة... وطـوبى لراضٍ يتقي الله طـيّعا

جذور من الإيمان حقاً ورثتها... عن السلف الميمون أصلاً ومنبعا

من مؤلفاته الأدبية

تطل على مسرى النجوم فروعها... وتحدو حياة الطامحين تطلّعا

فمن جاوز السبعين لا شك ينتشي... بمن جاوزا عهد الحضانة رضّعا

الأستاذ فرحان الخطيب

فكيف وخلفي من ســلالة مــاجد... شموع تناجيني سراج لمن رعا

ولم تطل الأيام والسنون، حتى تنتقل والدته إلى جوار ربها صيف عام 1939 فيفتقد مع إخوته الأربعة والأخت الوحيدة الظل الظليل والحنان الوارف من هذه الأم الرؤوم، وبعد سبعة أشهر يتوفى والده ويرحل عن الحياة وأصغر أبنائه بعمر السنتين».

وتابع الشيخ "ياسر أبو فخر" بالقول: «شمّر الفتى اليافع عن ساعده بجد، وتحمل مسؤولية الحياة وشظفها، فأصبح الأب والأخ والراعي لهؤلاء، فعاش ممزقاً بين واقع مرّ فُرض عليه وطموحات عريضة يصبو إليها وإرث كبير من المكارم والقيم، فبدأ ينهل من معين الأدب والشعر، فامتلك ناصية الحرف والكلمة وأقبل مكبّاً على الكتاب، ولديه شغف شديد للاطلاع على مكتبة والده وكنوزه الأدبية، فحفظ الكثير من غرر القصائد وعيونها، فأعجب بـ"المتنبي" وحكمه وفرائده، و"المعري" وعبقريته، و"شوقي وعظمته، والشيخ الفاضل وروحانيته، و"أبي تمام" وحماسته. ومن محاسن المصادفة أن عين لبلدتنا "ريمة اللحف" في منتصف الخمسينات معلماً وشاعراً موهوباً من مدينة "حماة" الساحرة، إنه المعلم الفاضل "صبحي سويد" الذي كان له الفضل في اكتشاف هذه الخامة البكر بدّرها المكنون، فأخذ بحسه المرهف وصنعه الجميل بعد أن سمع "العتابا" من الشاعر، يتردد إلى منزله زائراً متسامراً، يتبادلان أطراف الحديث عن جمال العربية وروعتها ورقة معانيها، وفي إحدى الأمسيات سمع المعلم هذه "العتابا" فوجد فيها كلاماً جميلاً بديعاً، لكنه أراد أن يأخذ بيد الشاعر لما هو أبعد من ذلك، وأخبره أن لديه أفكاراً خلاقة، ومعاني بارعة، فلماذا لا يسخرّها لشعر جميل وقوافٍ رائعة؟ ولم تمض مدة حتى استوعب الشاعر التقطيع العروضي وتفاعيل البحور ومبادئ علم النحو والبلاغة، مستفيداً من أذنٍ مرهفة، وحسٍّ موسيقي يطرب لجمال الكلمة وروعتها، وفازت قصيدته "أخت الفرات" بالجائزة الثانية المعروفة بجائزة "الجواهري" عام 1982، وكذلك شارك في قصيدة "وهج الكفاح"، حيث يقول فيها:

لم نكن إلا كما شاء العلا... صخرة البأس تحدّت كل ساح

وقد رضعنا المجد عن آبائنا... فانتشيا وانتشت منّا البطاح

لا تقل نحن جـماد إننا... قد عجنّا الصخر من وهج الكفاح

وقد توفي في التاسع عشر من شهر آذار 2003، وشيعت جنازته في مركب مهيب».

الأديب "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب العرب، أوضح قائلاً: «مثّل الراحل الشاعر الشيخ "حسين أبو فخر" ظاهرة أدبية تنويرية في زمن قل فيه العلم بعد سياسة التتريك والفرنسة اللتين عملتا على نشر الأمية والابتعاد عن التراث العربي، لكن أديبنا وشاعرنا كان واحداً ممن حفروا بصخور البازلت أفكاره ورؤاه الإبداعية بشعره الحامل للدلالات والصور والوقائع المعاصرة، خاصة أنه المعاصر لكل حدث جرى، إذ دوّن ووثق بقصائده المواقف الاجتماعية والوطنية والسياسية وحتى الخدمية الاقتصادية، وحقق حضوراً أدبياً متميزاً على الساحة الثقافية الشعرية في "سورية" حين نال جوائز عديدة داخل القطر وخارجه، ومثّل "السويداء" بالمحافل الإبداعية المتنورة أمام رؤساء العالم العربية والوفود الدبلوماسية. والأديب الشاعر "حسين أبو فخر" يزخر بمائدة أدبية تحمل التنوع الفكري والأدبي في القصيدة العمودية والنثرية وشعر التفعيلة، لكنه كان مصمماً على الشعر العمودي، وما زالت قلائد أشعاره نضعها ونقرأ فيها أحداث اليوم باستشراف المبدع للمستقبل، يقيناً أن الشعراء هم عطر الأنبياء في الأرض، والراحل كان واحداً من هؤلاء برؤيته التنويرية وأدبه الوطني الاجتماعي التثويري».