ينشر الشاعر "منصور حرب هنيدي" قصائده متجاوزاً حدود الشكل إلى المضمون بين القصيدة التفعيلة والنثر في البنية، مستعيضاً بالإيقاع الداخلي عن الوزن والقافية في النمط الكلاسيكي، حاملاً ببنية قصيدته سكون الضجيج.

بين القصيدة الكلاسيكية والتفعيلة والنثر وفوارق تتعدى حدود الشكل إلى المضمون، وخيارات الشاعر على صعيد البنية الشكلية، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 أيلول 2018، التقت الشاعر "منصور حرب هنيدي" مدير الثقافة في "السويداء"، الذي بيّن قائلاً: «في كل مرة أحاول الإجابة فيها عن أسئلة مشابهة أجدني منحازاً إلى قول الشاعر "أدونيس": (كلُّ شكلٍ مضمون). فموضوع القصيدة والحالة الشعورية لحظة كتابتها والتراكم الثقافي والمعرفي وتطور الذائقة الشعرية تفرض بمجموعها شكل القصيدة، والمهم في الأمر هو القدرة على الغوص في مياه اللغة العميقة واصطياد لؤلؤة الشعر الثمينة، فالغوّاص الماهر هو الذي يتقن التنبؤ بما تحتويه المحارة، وبهذا المعنى يصبح الشكل مرهوناً بمحدداته التي تفرض بدورها الخيار الذي يتبناه الشاعر. وبالنسبة لي أرى القصيدة وهي ترفل بثياب متنوعة الألوان، ترفل كامرأة باذخة الجمال في ثياب متعددة الألوان والتصاميم، فتارةً ترتدي زيّاً شعبياً، وتارةً تلبس فستاناً قصيراً، ومرة ترتدي نقاباً، وأخرى تتمشى على الورق بلباس البحر وفقاً لما تقتضيه محددات الكتابة التي ذكرتها سابقاً. وعطفاً على ما سبق بسؤال حول إمكانية الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر أن يكون تعويضاً عن الوزن والقافية في القصيدة الكلاسيكية، إذ أرى أنه من الضروري أن تمتلك قصيدة النثر جماليات تعويضية خاصة تتيح لها التحليق في الفضاء الشعري الرحب، والإيقاع الداخلي أحد مكونات الجمال التي تستثمرها قصيدة النثر، مستعينة بالتناغم الحروفي وحركية القصيدة في التضاد والتقابل، وثنائية التحفيز والتفريغ، والصورة الشعرية الكلية والقفلة الصادمة. وفي النهاية يبقى هذا الأمر متعلقاً بذائقة المتلقي الذي يقبل هذا الشكل أو ذاك».

حين تقرأ للشاعر "منصور حرب هنيدي" ترى في أشعاره الرومانسية الواضحة لعمق القصيدة الكلاسيكية المتحدثة، حيث يصمم على الشكل الجمالي بمضمون دلالي يفوق الشكل جمالاً، وتراه منهكاً في البحث عن الصورة، متعباً في حرصه على قدسية الفن الشعري، مثابراً على الولوج في بحارٍ طامية للبحث عن لؤلؤة إبداعية يضعها على تاج قصيدته الملأى بالرومانسية والمستغرقة في رائحة الحب والجمال، وعلى الرغم مما يعانيه من إرهاق العمل الوظيفي والاجتماعي، إلا أنه يخلد مع نفسه في لحظة صفاء متجرداً مما حوله ليصنع باقة من عبير الكلمات السامية في قالب الشعر الحديث، وضمن بنية القصيدة الحديثة، "منصور حرب هنيدي" شاعر له في مملكة الشعر صولجانه الخاص وعالمه الأشمل، وهذا ما نلاحظه في مجموعته الشعرية "منذ قلب مضى" الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب

وعن الصورة الشعرية وتكثيف المعنى تابع الشاعر بالقول: «أغلب الأحيان تكون الصورة الشعرية تكثيفاً للمعنى؛ حيث تمنحه جماليات إضافية قد لا تستطيع الفنون الأدبية الأخرى الإفصاح عنها، ونظرتنا إلى الصورة الشعرية ودورها في بناء القصيدة تتكون من أن لكل فن أدواته ووسائله في التعبير عن المعنى، ولا شك أن الصورة الشعرية تمثل واسطة عقد القصيدة والعنصر الأكثر سطوعاً من عناصر تكوينها، فكلما تعددت مستويات الدلالة للصورة كانت أكثر عمقاً وتأثيراً، فالشعر الحقيقي يوحي ولا يفسر، والصورة الشعرية هي الجندي النبيل المرابط على خطوط التماس مع المتلقي للقيام بهذه المهمة الجليلة، فكلما كانت الصورة مبتكرة وصادقة وذات دلالات متعددة مع نسيج النص، كانت أكثر تأثيراً في المتلقي وذات قدرة على إصابة قلبه ليخفق مضرجاً بالدهشة. وبالإشارة إلى مكنون ذاتي على أشعاري أن هناك نزعة رومانسية حالمة نشتمّ من خلالها رائحة الحب والحزن والانتظار على قارعة ليل طويل، كيف للشاعر أن يكتب حبه وحزنه وانتظاره وهو مكبل بأغلال مسؤولياته الوظيفية والاجتماعية المضنية، ذلك لأن الشعر على حدّ تعبير أحد الشعراء هو الرقص على حبل النار، والبحث عن الأشياء المخفية في الأشياء. وبالنسبة لي، لم يكن الشعر يوماً ضرباً من ضروب الترف، بل كان وما يزال الشرفة التي أطلّ منها على حقول الدهشة المزروعة حباً وحنيناً وانتظاراً، وهو حبل النور الممتد من يد الله إلى قلبي، الذي أحرص كل الحرص على أن يبقى مضيئاً على الرغم من أعباء الحياة المعتمة».

الأستاذ محمد طربيه

ومن أشعاره نقتطف:

الشاعر منصور حرب هنيدي

"ها أنا رافلٌ بالندى

من منجزه الأدبي

مفعمٌ بالورودِ

أُبَدّل قلبي بآخرَ كالتيهِ

كيما أحاورَ عينيكِ عن كثبٍ

أسوةً بالربيعْ

أنحني فوق نهرِ الحنينِ البديعْ

فأرى في المياهِ شبيهي

أرى صوراً للنساء اللواتي تَعَدّدْنَ فيكِ

أراهنَّ يَعْبرْنَ حلْماً مضى

يَتَكاثَرْنَ

مثنىً ، ثُلاثاً ، رُباعاً ....

إلى ما يشاءُ التشهّي

ولكنَّ قلبي يدلُّ عليكِ

يدلُّ عليكِ احتكاكُ حصى الروحِ في القاعِ

صوتُ ارتطامِ الأماني على صفحةِ الماءِ

والجريانُ السريعْ".

وعن رؤية النقد في إطلاق حكم قيمة على أعمال شعرية للشاعر، أوضح الناقد الأدبي "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتّاب العرب قائلاً: «حين تقرأ للشاعر "منصور حرب هنيدي" ترى في أشعاره الرومانسية الواضحة لعمق القصيدة الكلاسيكية المتحدثة، حيث يصمم على الشكل الجمالي بمضمون دلالي يفوق الشكل جمالاً، وتراه منهكاً في البحث عن الصورة، متعباً في حرصه على قدسية الفن الشعري، مثابراً على الولوج في بحارٍ طامية للبحث عن لؤلؤة إبداعية يضعها على تاج قصيدته الملأى بالرومانسية والمستغرقة في رائحة الحب والجمال، وعلى الرغم مما يعانيه من إرهاق العمل الوظيفي والاجتماعي، إلا أنه يخلد مع نفسه في لحظة صفاء متجرداً مما حوله ليصنع باقة من عبير الكلمات السامية في قالب الشعر الحديث، وضمن بنية القصيدة الحديثة، "منصور حرب هنيدي" شاعر له في مملكة الشعر صولجانه الخاص وعالمه الأشمل، وهذا ما نلاحظه في مجموعته الشعرية "منذ قلب مضى" الصادرة عن اتحاد الكتّاب العرب».

يذكر أن "منصور هنيدي" من مواليد قرية "المجدل" 1969.