امتلكت "فائزة الصفدي" مهارة الحياكة على النول التراثي القديم، الذي كان لسنوات مصدر رزقها وفرصتها للعمل بعمل أحبته، وسعت جاهدة لتؤسس مشروعاً صغيراً بالاعتماد عليه.

سنوات أمضتها في تعلّم مهارة الحياكة وقدمت عملها لأفراد قريتها، ولكل من أحب البسط التراثية والوسائد الصوفية الزاهية الألوان، حيث بقي النول الوحيد العامل في منطقتها، لتلبي احتياجات كبار السن وهواة المنسوجات التراثية؛ كما تحدثت من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 تشرين الأول 2018، وقالت: «في الريف تنتشر الصناعات التراثية تبعاً لتعلق الأهالي بالتراث والقطع التي اعتادوا ظهورها في المنازل والاعتماد عليها كقطع فريدة تصنع في الأغلب بأيديهم ووفق ذوقهم الخاص، لذلك فإن وجود النول في بلدة "القريا" خدم غايات كثيرة أهمها الاكتفاء بحياكة كل ما يحتاج إليه المنزل من بسط ومخدات وقطع تستخدم للفرش في مواسم الشتاء باعتماد الصوف العربي الطبيعي.

سنوات كان فيها العمل مزدهراً حقق نوعاً من الكفاية لأسرتي، لكن مع طغيان الأساليب العصرية تغيرت الظروف وانخفض الطلب إلى الحدود الدنيا، لكن العمل لم يتوقف لدي وكنت أتابع الطلبيات البسيطة، لكن المشكلة كانت في انخفاض الدخل؛ لأن الحياكة كانت عملي الوحيد، وتعاونا كأسرة لتجاوز هذه الأزمة، وبقي حلمي مرتبطاً بالنول وفكرة المحافظة عليه كي لا يأكله الصدأ، ويبقى على قيد العمل أنسج من خلاله ما أجده الأجمل، وفي ذات الوقت بحثت عن فرصة للتطوير وحياكة قطع عصرية بنكهة تراثية كانت على شكل حقائب نسائية كتجربة اختبرتها ولمست استحسان الشابات لها

وبالنسبة لي، فإن امتلاك النول قيمة كبيرة وفرصة عمل يعيد إلى الذاكرة هذه الحالة، ويحقق الغاية بالحصول على منسوجات جميلة من الصوف الخالص بعيداً عن الأساليب العصرية الحديثة لصناعة المفروشات.

فائزة الصفدي بجوار نولها

ففي عام 1986 حصلنا على هذا النول من صاحبه في بلدة "عرى" عندما رغب في بيعه، وشجعت والدي على الشراء لأتعلم الحرفة على يدي رجل طيب من قرية "أم الرمان"، ساعدنا في نقله وتركيبه وعلّمنا على طريقة الحياكة، والتعامل مع هذا النول الذي بلغ عمره اليوم قرابة مئة عام. ومن يومها حرصت على الاستمرار بالعمل أحيك البسط بأنواعها، وأعيد إصلاحها وأنسج "مخدات" للمضافات وفق النموذج القديم، نخططها بألوان زاهية، فهذه القطع بقيت مطلوبة لمدة طويلة من الزمن خاصة مع خروج الأنوال القديمة من العمل؛ لضعف الاهتمام بالحرفة وعدم توفر الدعم المطلوب لحمايتها وحماية أصحاب المهارة في تشغيلها».

وتتابع عن بدايات العمل: «سنوات كان فيها العمل مزدهراً حقق نوعاً من الكفاية لأسرتي، لكن مع طغيان الأساليب العصرية تغيرت الظروف وانخفض الطلب إلى الحدود الدنيا، لكن العمل لم يتوقف لدي وكنت أتابع الطلبيات البسيطة، لكن المشكلة كانت في انخفاض الدخل؛ لأن الحياكة كانت عملي الوحيد، وتعاونا كأسرة لتجاوز هذه الأزمة، وبقي حلمي مرتبطاً بالنول وفكرة المحافظة عليه كي لا يأكله الصدأ، ويبقى على قيد العمل أنسج من خلاله ما أجده الأجمل، وفي ذات الوقت بحثت عن فرصة للتطوير وحياكة قطع عصرية بنكهة تراثية كانت على شكل حقائب نسائية كتجربة اختبرتها ولمست استحسان الشابات لها».

حقائب من صناعتها وتصميمها

عن المشروع وخطوات التأسيس، تضيف: «بوجود النول بحالة جيدة وخبرتي في الحياكة، عملت على إنتاج ما رغبت من أحجام القطع يمكن الاستفادة منها؛ لتشكل حقائب بقياسات مختلفة تنسجم مع أذواق الصبايا والألبسة الملونة والزاهية، وكانت تجربتي الأولى بعدد قليل حاولت تسويقه ضمن البلدة، ونجحت في ذلك، لكن عدم توفر الدعم المالي جعل التجربة محدودة لمدة حتى عرضت فكرتي على الأمانة السورية للتنمية برنامج "مشروعي"، للحصول على قرض صغير لتأمين المواد الأولية من أصواف ولوازم تركيب الحقائب وحياكتها بالأسلوب المناسب، وبالفعل حصلت على القرض، وحرصت أن يكون العمل على أساس الحرفة التراثية؛ أي إن المادة الأساسية التي تصنع منها الحقيبة قطعة منسوجة بعناية على هذا النول القديم.

وقد دعمتني الجهة المانحة للقرض من خلال منسقيها الذين تابعوني لأكون مشاركة في "معرض دمشق الدولي" وأستثمر فرصة حققت لي انتشاراً مقبولاً، وأتمنى تكرارها في معارض تراثية للتعريف أكثر بحرفتي، وما يمكن الاستفادة منها».

رحاب أبو صعب

عن التسويق وفرصة تطوير العمل، تضيف: «المشروع صغير، وقد لا يحقق الكثير من الأرباح في المرحلة الحالية تبعاً لغياب الاهتمام بالتراث ومنتجاته، خاصة أن القطع المحاكة يدوياً تتطلب الحصول على أسعار أفضل، لكنني حاولت دراسة التكلفة للمحافظة قدر الإمكان على فرصة التسويق وتحسين الطلب، وقد تلقيت دعماً كبيراً من الأمانة السورية للتنمية، لأتمكن من عرض منتجاتي في "معرض دمشق الدولي" في دورته الأخيرة، وكانت فرصة جيدة للعمل، واليوم أعدّ طلبيات جديدة لأقدمها للأسواق، مع العلم أنني تمكنت من التسويق من المنزل، لكن المطلوب مساحة تسويق أكبر لأتمكن من تغطية النفقات والاستمرار بالعمل، ولن أتوقف عن حياكة القطع التراثية على الرغم من قلة الطلبيات؛ لأحافظ على نماذج من هذه القطع التي لا يمكن أن يقارن جمالها بجمال أي منتج عصري مهما كان نوعه وجودته».

نوع مميز من العمل بمزايا مختلفة تبدأ من الأصواف ولا تقف عن حدود جمال الألوان والزخرفة التي تصممها "فائزة"، كما تحدثت "رحاب بو صعب" من أهالي "القريا"، وقالت: «على الرغم من قسوة الظروف بقيت "فائزة" وفية لنولها؛ تعمل بجدّ مهما انخفضت الطلبيات، وبقي هذا النول ملجأ لها للتجربة وحياكة قطع مختلفة استثمرتها مؤخراً في صناعة حقائب ملونة صنعت من الأصواف العربية الجميلة. الفكرة التي نفذتها بالاعتماد على قرض لاقت استحسان الصبايا، وكثيرات يطلبن الحقائب التي تصممها لكون شكلها جديداً ومميزاً.

من خلال "معرض دمشق الدولي" هيأت طلبية كبيرة سوقتها وعرفت من خلال جناحها بحرفة تراثية جميلة، لكونها عرضت "المخدات" الصوفية والبسط، حاملة رسالة لعلها تصل إلى من استطاع تقديم الدعم لهذه الحرف، وتلاقي رواجاً جميلاً في هذه المرحلة، وكثر عادوا إلى الصناعات التراثية لكونها فريدة ومتميزة؛ ومنها هذه الحقائب، فالفكرة تتطور باستمرار بالاعتماد على حرفيتها العالية، وما امتلكت من مهارة في تصميم الجديد منها وفق إمكانيات هذا النول الذي تسعى جاهدة إلى الاحتفاظ به وصيانته بوصفه مصدر دخلها الأهم، والذي تتوقع من إنتاجه الخير دائماً».

ما يجدر ذكره، أن "فائزة" من مواليد "القريا" عام 1969، عرفت بحرفتها التراثية التي استمرت بفضل متابعتها؛ على أمل أن تتوسع ليكون النول جزءاً من مشغل يتسع لحرفيات غيرها.