لصوت الوتر وقع خاص على مسامع طفل حلم بالآلة الموسيقية وصنعها بيديه، "أيمن الباروكي" موسيقي بالفطرة، أسس لحضوره بجهد ذاتي ومشقة، جعلته يصنع آلاته ويؤلف ألحانه، ويدرس موسيقاه.

أحد الأسماء اللامعة على مستوى المحافظة، روايته مع الموسيقا تشي بعشق نذر له سنوات الشباب ليصل إلى مبتغاه، فقد بحث بذاتية مفرطة عن أفكار تغني التجربة وتضيف إلى معارفه وعشقه للوتر؛ وهو ما يدل على عمق موهبته التي منعته الظروف من احترافها. وقال في حديث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 18 تشرين الأول 2018: «منذ الطفولة حلمت بالحصول على آلة موسيقية، لكن الظروف لم تكن تتسع لحلم طفل في سنته الخامسة لعب بعلبة معدنية فارغة، فثقبها وشبك عليها أسلاك الهاتف على شكل أوتار ليسمع صوته المحبب، في حيلة طفولية دلّت على موهبة تابعتها سنوات وسنوات، وفي النهاية حصلت على آلة موسيقية، لكن بعد أن أنهيت خدمة العلم، حيث أخذتني الحياة والمهن المختلفة التي اشتغلت بها بمهارة كبيرة لأحصل على مورد للرزق.

منذ الطفولة حلمت بالحصول على آلة موسيقية، لكن الظروف لم تكن تتسع لحلم طفل في سنته الخامسة لعب بعلبة معدنية فارغة، فثقبها وشبك عليها أسلاك الهاتف على شكل أوتار ليسمع صوته المحبب، في حيلة طفولية دلّت على موهبة تابعتها سنوات وسنوات، وفي النهاية حصلت على آلة موسيقية، لكن بعد أن أنهيت خدمة العلم، حيث أخذتني الحياة والمهن المختلفة التي اشتغلت بها بمهارة كبيرة لأحصل على مورد للرزق. تعويض آخر رواتب الخدمة جمعتها لأحقق حلمي بامتلاك "كمان"، لكن مبلغي البسيط كان أقل من سعرها بكثير، فاستعضت بالعود عنها، وسدّدت جزءاً من ثمنه، وقسطت الباقي، والمهم أنني حصلت على آلة موسيقية

تعويض آخر رواتب الخدمة جمعتها لأحقق حلمي بامتلاك "كمان"، لكن مبلغي البسيط كان أقل من سعرها بكثير، فاستعضت بالعود عنها، وسدّدت جزءاً من ثمنه، وقسطت الباقي، والمهم أنني حصلت على آلة موسيقية».

أيمن الباروكي يعزف على قانون من صناعة يديه

هذه كانت البداية، فحلم تعلّم العزف على الكمان بقي ينغصه، لكن العمر سار باتجاه آخر، وقال: «بعد أن حققت نوعاً من الاكتفاء الاقتصادي البسيط، أخذت من خلال أصدقاء لي البحث عن مدرّب للعزف على الكمان، فقد أردت تعلّم أصول العزف على النوتة ووفق الطريقة العلمية، كما تمنيت منذ الطفولة، واتجهت إلى مدرّب مشهور، لكن محاولاتي فشلت عندما رفض المدرّب تعليمي بحجة أن عمري 23 عاماً، وقد فاتتني فرصة التعليم، رفضه صدمني، لكن وجود أصدقاء إلى جانبي جعلني أقترب أكثر من الموسيقا؛ عندما اقترح "أمجد الجرماني" و"عماد حاتم" أن نؤسس فرقة، وأن لدي فرصة لتعلّم العزف على الأورغ إلى جانب العود وآلات أتقنها، وكان عليّ شراء أورغ غالي الثمن بالنسبة لظروفي، لكن سعيت بكل ما لدي لأشتريه وأبدأ من جديد؛ وهذا ما كان.

ستة أشهر تابعت التدريبات، وحصلت على دورة قصيرة مع مدرّبة روسية تابعت تدريباتها في "دمشق". كان البحث في الموسيقا عن الأفكار الجديدة عملية شاقة؛ أجمع معلومات، وأبحث عن تفاصيل في المقامات والمعزوفات المؤثرة لكبار الفنانين، وكل ذلك كوّن رصيدي، لأشارك بعد ستة أشهر من التدريب في حفلة مع الأصدقاء كانت بداية لعملي مع فرقتنا، ومن خلال هذه التجارب كان الأصدقاء يعبرون عن شعور جميل يلمسونه في تعاملي مع الموسيقا».

معين نفاع

المشاركة مع الفرقة والنجاح خلق فرصته لإثبات موهبته، وقال: «تصميمي على إتقان العزف وتحقيق الحلم هدفي الوحيد الذي قاومت به نظرة المجتمع والأهل والعراقيل التي واجهتني، خاصة عندما كنت أتدرّب، وكان من أقاربي من ينزعج من الصوت، وقد يتهكم على ما أقوم به، كنت أقفل النوافذ وأحتال لخفض صوت الآلة، لكن ذلك لم يثنِ عزيمتي على التدريب، ومع عملي الشاق بقي للتدريب وقته على الرغم من التعب، وكنت حريصاً أن أقدم للجمهور أجمل ما لديّ، لكن بروح الآلة، وما فيها من طاقات تنتظر العازف الحقيقي ليقدمها برقة وإحساس.

ملاحظات العازفين الكبار تعبير جميل دفعني أكثر إلى الأمام كي أتابع العمل على إتقان العود والكمان إلى جانب الأورغ والكاوالا، وأخصص لكل منها وقتها، وكانت النتائج مرضية لبت طموحي، وأباشر منذ عدة سنوات كمدرس في أهم المعاهد الموسيقية في مدينتنا، وهو معهد "فريد الأطرش" في وقت أصبح فيه ولداي "لبابة" و"أمير" عازفين، فقد شاركاني مع زوجتي حب الموسيقا، وحاولت تعليمهما كل ما حرمت منه صغيراً، اليوم هما عازفان لديهما طاقات متميزة، ويدرسان بذات المعهد، ونتشارك معاً في حفلات وفرق موسيقية متميزة».

آلاته وموسيقاه سر سعادته

آلة القانون بكامل أناقتها تزين منزله، وهي من تصنيع يديه، تجربة مثيرة قال عنها: «صمّمت كماناً صغيراً صنعته أيام الشباب لأتعلّم العزف، أخذت أبحث في تكوين الآلة الموسيقية، وتعلّمت تكوينها وكيف تصنع، صنعت آلة "القانون" بطريقة يدوية كاملة، ولم أبالغ في الحديث عن تصنيع العرب النحاسية التي بردتها بيدي لتأخذ الشكل والقياس المطلوب، وقطعة أخرى حاولت فيها وضع كل تفاصيل الدقة والجمال، هذا القانون أحتفظ به وليس مخصصاً للبيع، في الوقت الذي أنجزت فيه تجارب لتصنيع العود الكهربائي وهو للمتخصصين، وقد وصلت أعوادي إلى عدة دول، لكنها صناعة لا أنفذها إلا بطلب خاص لأصمم للشخص قطعته الخاصة، ومع محبتي لهذه الورشة لن أجعلها تشغلني عن عملي الموسيقي في تأليف مقطوعاتي الخاصة والتحضير لتدريبات طلابي.

من الأصدقاء من يقصدني لإصلاح عود أو كمان، وأقوم بذلك؛ وهذا لبى غايتهم، وقد أصلحت أعواداً محطمة، وانتشر الخبر لأجد كثيرين من الشباب يطلبون المساعدة في هذا العمل، ولا أرتجي الربح؛ فأنا مع الموسيقا رابح ومرتاح».

حالة إبداع تحدث عنها الموسيقار "معين نفاع" مدير معهد "فريد الأطرش"، وقال: «عندما أتحدث عن "أيمن" تتزاحم الأفكار وتفيض؛ فأنا أمام حالة مثلى في الإنسانية ونموذجية في الإبداع. أتاني يوماً وطلب تزويده ببعض العلوم الموسيقية، ولمست من اللقاء الأول شغف المتعطش ودقة العارف، وكانت صداقة أعتزّ بها مع شخص محب متفانٍ لا يملّ من تقديم العون والخبرة، فهو مهني من الطراز الأول، أراه يجيد ما تصنع يداه، ويتقن تجميل وتحسين الأشياء والأمزجة، فهو كريم فيما حباه الله من مواهب متعددة. عازف أورغ بارع، وعازف كمان وعود وناي وكاوالا، وأذهلني بمحاولاته العزف على القانون. مؤلف موسيقي له العديد من التجارب التي ترقى إلى مستوى الملحنين الكبار. وله خبرته في تقنيات أجهزة الصوت، وتنسيق أصوات الآلات والمغنيين في الحفلات، وصانع آلات موسيقية أبدع في صناعة العود الكهربائي، ومن جديد صناعة آلة القانون والآلات الإيقاعية والناي والكاوالا، وبارع في صيانة كافة الآلات الموسيقية، وتفصيل قطع لها، مثل زند ورأس التشيللو والكمان وكافة أقسام الآلات. خبرة اكتسبها بجهده ومحاولاته جعلته يتفرد في هذا المجال».

ما يجدر ذكره، أن "أيمن الباروكي" من مواليد "السويداء" عام 1968، أتقن علومه الموسيقية خارج التعليم الأكاديمي، عازف ومدرّس، يمتلك ورشة لصناعة الآلات الموسيقية الفريدة، وينجزها بعشق وتلبية لطلب عشاق مثله للغة الشعوب.