صمّم "بهاء الغضبان" كوخاً خشبياً بالاستفادة من مهارته بإعادة تدوير الأخشاب، كعنوان لمشروع يعدّه رسالة إلى الشباب؛ للعمل وبناء منازل من الخشب بأقلّ التكاليف.

روح المكان تفيض بالدفء الذي يخلقه الخشب، رتبه "بهاء" قطعة بعد قطعة بطريقة يدوية، وبإمكانات محدودة، كما تحدث من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 21 كانون الثاني 2019، وقال: «تعاملت مع الخشب تبعاً لاهتمامي بهذه المادة الطبيعية، التي يمكن استثمارها وإعادة تدويرها بوسائل بسيطة، لكن شرطها الصبر والتروي للتمكن من الحصول على شكل جميل ومناسب للاستخدام. هذا المنزل تتمة لأعمال سابقة نفذتها، لكنه منزلي الأول الذي أعدّه نواة لمشروع أسميته "إن جاز"؛ لأقدم بالتجربة وعلى أرض الواقع نموذجاً لمنزل صغير تتكامل به شروط السكن.

عملت ضمن حدود الإمكانات المتوفرة، مع أن وجود معدات كهربائية كان يمكن أن يختصر الوقت والجهد لنحصل على نتائج متميزة. وقد نتمكن خلال المرحلة القادمة من الحصول على بعضها في حال حصلنا على دعم من مشاريع مشابهة، أو إحدى الجهات التي تقتنع بخبرتي والتجربة للمساهمة في تقديم بدائل من المنازل الخشبية؛ وهذا ما أطمح إليه

المنزل صورة لما يمكن لنا أن ننتجه في حال حاولنا العمل واستثمار مخلفات البيئة لبناء أكواخ يمكن أن نستفيد منها بالسكن، مع العلم بالأزمة التي يعاني منها الشباب، ومن وجهة نظري، فإن المخلفات الخشبية حلّ أولي بسيط وغير معقد، ويمكن أن تكون بديلاً مناسباً، إن صمّمت على شكل منازل صغيرة ومجهزة بطريقة جيدة».

بهاء الغضبان بجانب معدات العمل البسيطة

عن المنزل الكوخ يخبرنا بالقول: «في هذه التجربة الأولى من نوعها في مدينة "السويداء" تمكنا من تجهيز كوخ تتوفر فيه شروط السكن؛ معزول ومقاوم لعوامل الطبيعة، بمساحة 40 متراً مربعاً، وارتفاع مترين ونصف المتر. مصمّم على شكل "جمالون" من قطع من أخشاب "الطبليات" المخصصة للتلف والحرق، يراوح طول القطعة الواحدة بين 90-100 سنتيمتر. هذه القطع التي تستخدم لمرة واحدة، ولدينا منها كميات كبيرة كانت مادتي الأولية للبناء.

الفكرة كانت حلماً، وعندما تحدثت عنه مع جاري "طارق العاقل" تحمس للمشروع، وساعدني بتأمين التكلفة المادية لنشكل هذا المنزل الصغير. وقت العمل لم يتجاوز مدة شهر ونصف الشهر، متواصلة في ظروف البرد القارس. لنتمكن في هذا الموسم من اختبار مقاومة هذا الكوخ للعوامل الجوية خلال أشهر الشتاء القادمة.

أنس شلغين في الكوخ

النتيجة قدمت دليلاً أساسياً على نجاح التجربة التي أعول عليها كثيراً، وهي تتحدث عني؛ لأنني شاب من بين آلاف الشبان في منطقتنا وممن بحثوا خلال ظروف الأزمة عن فرص جديدة للعمل، عنوانها إنتاج كل ما يخدم المجتمع، ويهيّئ لفرص جديدة للحياة المستقرة. أتمنى أن تصل رسالتي إلى من بقي بعيداً عن العمل. لدينا طاقات كثيرة يجدر بنا الاستفادة منها، وأخبرهم بأنني أسعد بأي تعاون مع مهتمين بالتدوير والحرف اليدوية، لنقدم خدماتنا لكل من يرغب بإنشاء منزل من توالف الخشب، نطعمها ونؤثثها بالخشب والمعادن ونزينها بالزجاج والقماش المدور. أتصور أن هذه فرصتنا لتقديم طاقتنا وخدماتنا للمجتمع الذي يحتاج إليها».

المشروع هدية لعشاق الفن والمهتمين بالطبيعة، يضيف "بهاء": «المكان قريب من كلية الفنون الجميلة؛ يزورني طلاب الفنون، وأخذنا نرتب مع فنانين ومهتمين، ليكون المكان مستقَراً لورشات عمل تخصص لهؤلاء الطلاب، والكوخ مفتوح لزيارة كل من يرغب، وتم تأثيثه أيضاً بطاولات وكراسٍ من الخشب المعاد تدويره، ونخطط للتوسع؛ فقد حصلنا على أخشاب من بقايا بكر الأسلاك الكهربائية التي ترمى بعد الاستخدام، لنشغل الفناء بتصاميم جديدة تناسب الاستراحة الصيفية، وتقديم أشكال وتكوينات جميلة من الخشب بألوانه الجميلة ومتانته المعروفة».

الكوخ من الخارج

معدات بسيطة منعته الظروف من تطويرها، حيث قال: «عملت ضمن حدود الإمكانات المتوفرة، مع أن وجود معدات كهربائية كان يمكن أن يختصر الوقت والجهد لنحصل على نتائج متميزة. وقد نتمكن خلال المرحلة القادمة من الحصول على بعضها في حال حصلنا على دعم من مشاريع مشابهة، أو إحدى الجهات التي تقتنع بخبرتي والتجربة للمساهمة في تقديم بدائل من المنازل الخشبية؛ وهذا ما أطمح إليه».

يمتلك "طارق العاقل" ماكينة مشروبات ساخنة؛ اقتنع بالمشروع ودعمه، وقال: «لمست همة عالية للعمل لدى "بهاء" الذي يعمل بمعدات يدوية مجهدة؛ وهي عبارة عن "كماشة" ومثقب يدوي وقطع بسيطة، أنجز بها خلال شهر ونصف الشهر كوخاً تتكامل فيه صفات الجمال. صبره وحرفيته العالية لتدوير القطع وفق احتياجاته ورؤيته استفزتني؛ لذا ساعدت بتأمين الأخشاب لهذا الكوخ، وكانت ثقتي كبيرة بعمله، فقد اطلعت على أعمال سابقة ومتقنة قدمها.

اقترحت عليه استكمال المشروع والتوسع ليقدم خدمات لكل المهتمين، وصرت أقدم المشروبات الساخنة وأتفاعل مع الزوار الذين عبّروا عن السعادة بالزيارة وتكرارها، وأتوقع أننا بحاجة إلى مثل هذه الأمكنة التي تبنى بأيدي الشباب بعمل يدوي يظهر لهم قيمة الوقت، وكم نحتاج إلى همة الشباب لبناء كل ما هو جميل ومفيد».

طالب كلية الفنون الجميلة "أنس شلغين" وجد المكان مناسباً للاستراحة والرسم، وقال: «في المكان تفاصيل جميلة، أهمها أنه عمل فني متعدد الاستخدامات، حرص "بهاء" أن يكون من الخشب الخالص، استخدمه بالحالة الطبيعية، واستثمر أشكاله من دون قص أو لصق، ليضيف إلى المكان ميزة جديدة تعبّر عن أهمية الفكرة وما لديه من مهارات مميزة.

كطلاب فنون، نحتاج إلى الاطلاع على كوخه، لنتعلم منه كمشروع تدوير فني وفكرة تنموية للشباب بوجه أساسي، اعتمد في تنفيذها مهارته الخاصة للخروج بشكل متوازن يفي بالحاجة البصرية لهاوي الفن والعمل المتقن؛ لذا أزور المكان باستمرار، ورفاقي تعرفوا إليه وأخذنا نعتمده مكاناً للرسم. أتصور أن مخططه للتوسع والتنسيق مع مجموعة من الفنانين والنحاتين فكرة مناسبة ومفيدة».

ما يجدر ذكره، أن "بهاء الغضبان" من مواليد "السويداء" عام 1984، درس الثانوية العامة، وتخصص بالديكورات الداخلية.