عشرون عاماً من الاغتراب تتوجها "فداء أبو صعب" بعمل بنكهة عربية، تحاول من خلاله إدخال مأكولات المطبخ السوري والجبلي إلى قائمة الطعام الفنزويلي.

السيدة التي عملت في بداية الرحلة مع زوجها في مجال التجارة، رغبت في الخروج عن العمل الاعتيادي، لتختار مجال الطبخ كفكرة توفرت فرص تحقيقها؛ كما تحدثت من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 7 آذار 2019، وقالت: «قبل الزواج والاغتراب مع زوجي إلى "فنزويلا"، تخرجت في معهد الفنون النسوية، ومن خلاله تعلمت مهارات مختلفة في الفنون والأعمال اليدوية إلى جانب فنون المطبخ والغذائيات، وحاولت أن أجسّد هذه الفنون في مطبخي والاهتمام بغذاء عائلتي.

أشعر بالغبطة بنشر جانب من ثقافتنا الغذائية بين هواة الطبخ من الشعب الفنزويلي، وفي ذات الوقت لدي اهتمام بالطالبات العرب ومن "سورية" بوجه خاص لأدربهنّ على أصول المطبخ السوري الذي لم تكن لديهن فرصة في التعرف إليه بسبب الاغتراب، إلا من خلال تجارب أمهاتهن وقد لا تتوفر لديهن المعرفة الكاملة. كما أتعامل بذات الطريقة مع سيدات قريبات مني من الجالية السورية، وأحاول المساعدة في المناسبات، فالأكل مكون أساسي في الحفلات، ولا بد من الاهتمام بتقديمه بأجمل الصور وأطيب النكهات، والأهم وفق أصول إعداده وتقديمه المتعارفة منذ القدم ووفق الطقس العربي

لكن لم يخطر في ذهني أن أعود إلى العمل في مجال يتعلق بدراستي، بعد أن عملت لسنوات طويلة مع زوجي في مجال التجارة، وهي الأكثر رواجاً بالنسبة للمغتربين في هذا البلد، لكن يبدو أن رغبتي بتغيير العمل والخروج إلى عمل جديد بسبب الملل تفوقت للتفكير بعمل أكثر حيوية، أنتقل به إلى تجربة جديدة عنوانها فنون الطبخ وأناقة الإعداد والتقديم.

طالبات تدربهم فداء على طبخة الملفوف من المطبخ السوري

البداية كانت بالالتحاق بمعهد متخصص وتعلّم فنون الطبخ المختلفة في "فنزويلا" للتخصص في مجال المأكولات. باشرت التدريب، لكن عندما بدأنا تحضير مأكولات من موطننا الأصلي، قدمت وصفات سورية لاقت الاستحسان، وانتقلت إلى تعليم هذه الوصفات وفق رؤية البروفسور المسؤول في معهد "شيف إنترناسيونال"؛ وهو أحد المعاهد المتخصصة في "فنزويلا"، وعندما اقترح البروفسور "هيسوس شانسيس" مدير المعهد أن أقوم بتدريب الطالبات على فنون المطبخ السوري، وبعض أكلاتنا التراثية القديمة التي وجد فيها نوعاً من التميز، حاولت استرجاع الكثير من المعلومات التي كنت أطبقها في المنزل، وأعيد تطبيقها في المعهد، لتكون بالشكل الجميل والنكهة المميزة بهدف تقديم ما يعبر عن مطبخنا السوري.

هذه الفكرة أعجبتني وعادت بي إلى سنوات قديمة قبل الاغتراب، وأجواء كانت فيها أكلاتنا سيدة الاجتماعات واللقاءات العائلية، بما تصبغه هذه الأكلات من أجواء جميلة، لأحضّر دروسي على وقع هذه الخاصية التي جعلت من الطعام مكملاً لحالة عائلية تفتقدها مجتمعات كثيرة.

فداء تطبق وصفاتها

وكانت فرصة أن أقدم هذه المأكولات بطقوسها ومكوناتها القديمة، وكيف تعلمنا تحضيرها من الأمهات والجدات، وأن المطبخ السوري تطور قبل أن تظهر المعاهد والأكاديميات، عندما كانت كل سيدة أكاديمية بحد ذاتها تجمع وتعدّ مكونات طبختها التي تمزجها بالحب لتقدم أطباقاً شهية لأولادها، وكل من كان ضيفاً على مائدتها.

ما أتابعه اليوم يتلاقى مع رغبتي بنقل رسالة وصورة مقربة عن المائدة السورية؛ مكوناتها والعناصر المغذية التي نمتلكها، مثل: البرغل، والحمّص، والحبوب بوجه عام، ومنتجات الكروم والحقول الطبيعية. أخبر طالباتي وطلابي كيف نحضّر "الكشك" و"البرغل" ونطبخ "العدس"، ونستفيد من ورق "العنب" والخضراوات التي نكوّن منها وجبات غنية باللون والنكهة لتضاف إلى قائمة المأكولات في هذا البلد الذي احتضننا، وقد لاقيت في المعهد الاهتمام والرعاية لأقدم خبرة وأكتسب خبرة في هذا المجال.

ومن مأكولات جبل العرب "المنسف" و"الكبة" والحلويات التراثية، وفي كل مرة كان أستاذي يبدي إعجابه بها، وفي جلسات لعدد من المختصين نذاكر مزايا هذا المطبخ، والأجمل أن كل من دربتهم بات لديهم وجبات مفضلة من هذا المطبخ، وتعلموا طبخها وتدربوا على إتقانها».

رسالتها إلى الشعب الفنزويلي وأبناء الوطن المغتربين لتدربهم على ما فاتهم من نكهات، وتقول: «أشعر بالغبطة بنشر جانب من ثقافتنا الغذائية بين هواة الطبخ من الشعب الفنزويلي، وفي ذات الوقت لدي اهتمام بالطالبات العرب ومن "سورية" بوجه خاص لأدربهنّ على أصول المطبخ السوري الذي لم تكن لديهن فرصة في التعرف إليه بسبب الاغتراب، إلا من خلال تجارب أمهاتهن وقد لا تتوفر لديهن المعرفة الكاملة. كما أتعامل بذات الطريقة مع سيدات قريبات مني من الجالية السورية، وأحاول المساعدة في المناسبات، فالأكل مكون أساسي في الحفلات، ولا بد من الاهتمام بتقديمه بأجمل الصور وأطيب النكهات، والأهم وفق أصول إعداده وتقديمه المتعارفة منذ القدم ووفق الطقس العربي».

البروفسور "هيسوس شانسيس" أستاذها في معهد "شيف إنتر ناسيونال"، تحدث عن تجربة مميزة للتعريف بالطعام السوري، وقال: «باقة من المأكولات الشرقية والسورية بوجه خاص قدمتها "فداء" بداية كطالبة، وكانت مجدة وأظهرت اهتماماً كبيراً بالمأكولات السورية والفنزويلية على مدار عامين، وقد شكرتها على ما قدمت لنا من معلومات عن المطبخ السوري، لذلك خصصنا ساعات لتطبيقها وتدريب الطالبات على إتقانها، لنتمكن من نقل معلومات من المطبخ السوري وتقاليده ونضيفها إلى مطبخنا وأساليب الطهو لدينا.

حالة من التفاعل التي نتمكن من خلالها الاستفادة من معارف جديدة، ومهارات نتعرف من خلالها إلى مكونات وطرائق مميزة، خاصة عندما تذوقنا طبخات وحلويات من المطبخ السوري، مثل: "النمورة"، و"البرازق"، و"الكبة"، و"الفلافل"، وغيرها لذيذة ومتميزة، وهي بالفعل غريبة على قارتنا، وجميل أن نتعلمها وننشرها، وبالمقابل ننقل من مطبخنا أنواعاً مميزة، وهذا أهم ثمار وجود طلاب عرب مثل "فداء" في برامجنا التعليمية للطبخ».

تهتم بالطبخ إلى درجة جذبت انتباه الأقارب والأصدقاء من الجالية، كما تحدثت "إلهام دوارة" المغتربة في "ميردا"، وقالت: «"فداء" نشيطة وربة منزل أنيقة لديها اهتمام كبير بالمطبخ، وبما تقدم لأولادها والضيوف، خبرتها كبيرة بتقديم الأكلات السورية بكل أنواعها وأكلاتنا التراثية القديمة التي اعتدناها في البلاد، وفي لقاءات العائلات هنا نقلتنا معها إلى أجواء البلاد والمناسبات التي كانت فيها موائدنا مع الأهل والأحباب.

فهي تعطي للطبخ حقه وتنفذه على أصوله، قدمت أنواعاً وأصنافاً مميزة، وقد حرصت على التعريف بأنواع صعبة التطبيق ومميزة، عرّفت بمطبخنا وفنون المائدة السورية بذوق وأناقة، ونقلت الصورة الأجمل عن تقاليدنا في الطبخ، وقد عرفت بين أبناء الجالية بتميزها، وكثيرون يسألونها عن الوصفات ويستفيدون من خبرتها، ولها الفضل بالتذكير بعدد كبير من الأطباق التي غابت عنا».

ما يجدر ذكره، أن "فداء أبو صعب" من مواليد "الرحى" عام 1979، خريجة معهد فنون نسوية مغتربة استقرت في ولاية "ميردا"، واشتهرت بما تصنعه، وتدرّب طلابها على طبخ وتحضير الأصناف السورية.