على مدى مئات السنين، والشجر بكل أصنافه يعامل في "جبل العرب" معاملة خاصة، لكونه جزءاً أساسياً من هذه الأرض الوعرة، لكنها مدهشة بسكانها الذين تعلموا حب الطبيعة بالفطرة. إلا أن اللصوص عاثوا فساداً بثروة الناس، وحوّلوها إلى حطب، فانفجر "أبناء السنديان" ليعيدوا البهاء إلى هذه الأرض.

مجموعات تمثّل عشرات الأشخاص التواقين لحياة أكثر هدوءاً وسلاماً، يحملون أدواتهم بفخر، لكي يصلوا إلى غابة كانت فيما مضى غابة، لكن آمالهم لا تحدّها حدود حتى ينبت الشجر، حيث يؤكد المهندس "وليد شعيب" أحد مؤسسي مجموعة "أبناء السنديان" لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 6 آذار 2019، أنهم مستمرون حتى النهاية، وقال عن تجمّعهم: «هي مجموعة سورية حصراً، أعضاؤها لا حصر لهم، لأنهم من دون استثناء أحبوا الأرض السورية برمتها بما عليها من بشر وشجر وحجر، وقد وضعوا خلف ظهورهم كل الآيديولوجيات والتيارات والتصنيفات، والسياسة، والأديان، والجنس، والسن، وتوحدوا على حب الوطن، بهدف زرع الشجر والحب والخير والجمال، ويمدون يد العون والمساعدة على الدوام لكافة مؤسسات الدولة التي تقدم لهم ما أمكن من أجل تحقيق تلك الأهداف النبيلة، ولكل راغب بالمساهمة».

كبرت المجموعة وزادت بالاشتراك مع مجموعة من المتطوعين في منطقة "صلخد"، حيث كان هؤلاء قد بدؤوا قبل ذلك في حملة تشجير منطقة "عبد مار" التي تم الاعتداء عليها، فأصبح الجميع يقومون معاً بحملات التشجير وفقاً لخطة مديرية الزراعة ودائرة الحراج

وعن بداية تكوين المجموعة والدافع الحقيقي لذلك، أضاف: «إن معظم الناس في المجتمع قد آلمهم الاعتداء المتكرر والجائر الذي تعرضت له أحراج محافظة "السويداء" من قبل أقلية خارجة على القانون، وقد قام كثيرون برفع الصوت عالياً للتصدي لهم، من خلال الملتقيات ووسائل التواصل الاجتماعي، ونشر الصور عن تلك الاعتداءات الجائرة. وهنا لم ننسَ شح وسائل التدفئة التي دفعت بعض الأشخاص إلى التحطيب الجائر، لكن باعتقادي كل ذلك لا يبرر هذا الاعتداء الجائر على شجر عمره مئات السنين. ومن قام بهذه التعديات ليس كما يدعون بأنهم محتاجون وفقراء، بل هم تجار يملكون كل الأدوات اللازمة لقتل الشجر».

الأطفال كانوا حاضرين بكل عفويتهم

وتابع: «بدأت فكرة "أبناء السنديان" بعد كل التعديات على الحدائق والحراج والغابات، التي وقفنا جميعاً عاجزين أمامها، ولم نستطع التصدي لها والحد منها، فخطرت فكرة التشجير كرد حضاري على المحطبين والتجار، حيث اقترح الروائي "فوزات رزق" فكرة القيام بحملة تشجير، لبّيت الدعوة بالتنسيق مع مديرية الزراعة دائرة الحراج الذين قدموا الغراس، وأسهم فيها عدد كبير من محبي البيئة الذين قدموا الغراس أيضاً والأدوات؛ حيث شارك فيها ما لا يقل عن 300 شخص من مختلف الشرائح؛ بينهم أطفال صغار، زرعنا خلالها 2700 شجرة. كان يوماً بهياً بكل التفاصيل، وأشبه بالعيد أفرح القلوب وأوقد جذوة الأمل بقادم أحلى، وأصبح تاريخ العشرين من كانون عيداً نحتفل فيه كل عام».

ويتابع: «كبرت المجموعة وزادت بالاشتراك مع مجموعة من المتطوعين في منطقة "صلخد"، حيث كان هؤلاء قد بدؤوا قبل ذلك في حملة تشجير منطقة "عبد مار" التي تم الاعتداء عليها، فأصبح الجميع يقومون معاً بحملات التشجير وفقاً لخطة مديرية الزراعة ودائرة الحراج».

المهندس وليد شعيب مع زوجته في إحدى الحملات

الناشطة في المجموعة "نجاة الأشقر" تحدثت عن النشاطات التي قاموا بها، وكيفية التواصل مع المهتمين بالقول: «قبل أي نشاط يتم الإعلان عنه بواسطة صفحة المجموعة على "الفيسبوك"؛ لتتمكن أكبر شريحة من مشاهدته والمشاركة، ويكون الإعلان بالتنسيق مع مديرية الحراج، التي بدورها تؤمن لنا الغراس. أما النشاطات الأخرى التي نقوم بها، فهي متعددة، حيث قمنا في فصل الصيف وتحت شعار: "مدينتك مرايتك - معاً لنعيد مدننا أجمل"، بـ12حملة تنظيف؛ شملت عدة طرق، منها: مدخل المدينة من دوار "الملعب" حتى دوار "العنقود" لتنظيف الشارع مع المنصّف، وقمنا أيضاً بطلاء المنصّفات على طول الخط.

وكانت أغلب حملات التنظيف على طريق "قنوات" من حديقة "الفيحاء" حتى مدخل بلدة "قنوات"، وهذه الحملات بالتنسيق مع مجلس مدينة "السويداء"، الذين بدورهم قدموا لنا السيارات الخاصة لنقل النفايات التي جمعناها.

بعد نهاية إحدى الحملات

كانت المشاركة مميزة من الأطفال وعدد كبير من الأصدقاء المغتربين الذين كانوا يقضون إجازاتهم في الوطن، حيث بلغ عدد الغراس التي زرعناها على مدى حملاتنا نحو 70 ألف غرسة منوعة، وكانت نسبة نجاح الغراس أكثر من 90%، وكان هناك متابعة لسقاية ما غرسناه».

تحولت حملات الزرع إلى ظاهرة للفرح والخير، وانتشرت الحملات في أغلب البلدات والقرى، وهو ما لاقى صدى كبيراً بين أفراد المجتمع، وما رافق ذلك من طقوس أخذت تنتشر تباعاً، وأضافت "الأشقر" عن ذلك: «كنا بين الحين والآخر نقوم بجولات على أحراج السنديان لنسلط الضوء من خلالها على أعمال قطع الأشجار، ونقوم بحملات توعية بين الناس من أجل حماية الأحراج وعدم العبث بها، وقد لاقت نشاطاتنا ترحيباً كبيراً من كافة المواطنين السوريين داخل وخارج الوطن، وانتقلت الحملات إلى كافة المناطق والقرى في المحافظة. والشيء المميز، وبعد أن ننتهي من غرس الأشجار، نخصص وقتاً للفرح، حيث نفترش الأرض ونتناول إفطارنا مما نأخذه معنا من مأكولات خفيفة ومشروبات ساخنة كالشاي والقهوة، ونخصص أيضاً وقتاً للغناء واللعب مع من يشاركنا من أطفال وكبار، فيمتلئ المكان فرحاً وحباً وجمالاً، وأغلب الأحيان يصل عدد المشاركين إلى سبعين شخصاً من كافة الأعمار، فهناك الطفل الصغير، والشباب والمسنّون الذين يضيفون نكهة رائعة إلى نشاطنا الجميل، فشعارنا: "معاً لنزرع الشجر والخير والحب والجمال"».