يُحمّل الشاعر "وائل أبو يزبك" قصائده الشعرية الدلالة والانزياح؛ معتبراً أنهما أساسيان في تكوين قصيدته، والشعر من دونهما نظم بلا معنى.

حول الدلالة والانزياح في الشعر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 نيسان 2019، التقت الشاعر "وائل أبو يزبك" عضو اتحاد الكتاب العرب، فأوضح قائلاً: «تختلف قراءة الشعر في طبيعتها عن قراءة النثر، ففي الوقت الذي لا يتطلب النص النثري من القارئ سوى استقبال المعنى الواحد الذي تحدده الكلمات بدلالاتها الواضحة المألوفة والمتداولة بين الناس من خلال استخدامها كمفردات يومية، فإن النص الشعري يتطلب من القارئ أن يخوض مغامرة إبداعية يستحضر فيها كل تجاربه ومعارفه السابقة وثقافته ليتلقى الطيف الواسع من المعاني والانفعالات التي تبزغ من الكلمات المرتبطة بعلاقات دلالية وإيقاعية ونحوية جديدة تتفاعل مع ذاكرة المتلقي من إيحاءات خاصة متولدة من تجارب سابقة، وتتناغم مع معطيات المناخ العام للنص الشعري، حيث تهيّئ المتلقي لسبر أغوار المعنى والرؤية والحالة الشعورية التي يحملها النص، وهذا يحتاج إلى قارئ تتوفر لديه حساسية خاصة مرتبطة به وبواقعه الإنساني، وتجاربه الخاصة مع الكلام وأبعاده المطروحة في النص الشعري، بما يسمح له الولوج إلى عالم الشاعر ودواخله، وهنا تبرز أهمية قراءة النص الشعري (القصيدة) على أنها تجربة، لأن الأدب ليس موضوعاً، بل تجربة على حد قول "ستانل فش"، والمعنى ليس شيئاً يستخلصه المرء من القصيدة كاستخلاص الجوزة من القشرة، بل هو تجربة المرء أثناء القراءة. إن الشعر فاعلية لغوية في المقام الأول، ولعب بالكلمات، ويبرز الفارق الجوهري بين الشعر والنثر أساساً في طريقة تناول اللغة وتوظيفها؛ فاللغة النثرية وسيلة لبلوغ غاية تتطابق فيها الدوال مع المدلولات، وتتوافق فيها الكلمات مع معانيها المعجمية والقاموسية، حيث يكون المعنى واضحاً بعيداً عن التعقيد والتخيل، ويكون النص النثري تبعاً لذلك بعيداً عن الجماليات الصوتية والإيقاعية، فالنثر يصف ظواهر الأشياء من دون تفاعل مع حواس المتلقي ومشاعره».

الشاعر "وائل أبو يزبك" امتلك ناصية اللغة الجزلة، وناصر القصيدة العمودية بكل جلالها ووقار مقامها، فكان فيها فارساً وشاعراً طاعت له القوافي، واستسلمت له الصورة الشعرية فبرزت ظاهرة جاذبة، لا لبس فيها ولا غموض؛ وهو ما ساعد قصيدته على أن تكون وهاجة في حلتها، سامقة في مقاصدها، متينة الحبكة، وملتفة بغلالة الرصانة والاتزان، وهو من الشعراء الذين استطاعوا تجسيد الشاعرية بجدارة ما بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة في المدة الأخيرة، ونجح في ذلك أيما نجاح، مرتكزاً على موهبة عالية، شذب غناءها بالدرس المتواصل والتجربة الغنية؛ وهو ما أهله لأن يكون في مصاف الشعراء الذين تحتفي بهم منابر الكلمة الصادحة والمؤثرة، خاصة بما يتميز بشعره من الدلالة والانزياح بوضوح

وتابع الشاعر "أبو يزبك" بالقول: «أما لغة الخطاب الشعري، فهي غاية بحد ذاتها؛ لأن الكلمات أساس البناء المعماري في النص الشعري، ومنها يتكون نسيج القصيدة بخيوط متواشجة ومتلاحمة، حيث لا يظهر معنى الكلام في الخطاب الشعري محدداً مسبقاً داخل النص، وإنما يشع من خلال تفاعلها مع مجاوراتها في التركيب اللغوي والنحوي متأثرة بالصوت والإيقاع والمناخ العام للنص، والشحنات التي يمكن أن تولدها هذه الكلمات من خلال رحلتها بين الزمان والمكان، وبذلك تأخذ العلاقة بين الدوال والمدلولات بعداً يختلف عن العلاقة بينهما في الخطاب النثري أو في اللغة العادية، ويصبح الخطاب هنا عنفاً منظماً يرتكب بحق الكلام الاعتيادي، بل يستلبه استلاباً ويوغل بغرابته، إلا أنه بهذه المفارقة الجميلة، يحمل إلى تجربة أكثر امتلاء، وأوسع جمالية، إن أول إنجاز لحركة الحداثة الشعرية كان رفض الكلمات القاموسية، والإيغال في لغة الحياة اليومية التي نسمعها ونتحدث بها. إن ما ذكرناه يسمى الانزياح في اللغة، فإذا كان الشعر تمرداً أو نضالاً ضد اللغة على حد قول "البيرس"، فمن خلاله تنزاح اللفظة عن مدلولها الأصل في المعجم، حيث تصبح قادرة على الإشعاع بطيف واسع من المعاني التي تتنوع بتنوع القراءات المختلفة لها، لعل الحديث عن الانزياح في الشعر يقودنا إلى مناقشة عناصر الخطاب الشعري الحداثي، والتطور الحاسم الذي ولدته الحداثة؛ وتحديداً في طريقة إنتاج المعنى، ففي الوقت الذي يكون فيه المعنى سابقاً على النص في الخطاب الشعري التقليدي؛ أي إنه مكتمل بذهنية الشاعر قبل البدء بقصيدته، فإن المعنى في الخطاب الشعري الحداثي، يكون نتيجة عناصر الخطاب وليس سبباً لها؛ أي إن المعنى يتولد في ذهن المتلقي بعد تفاعله مع لغة النص وإيقاعه وصوره التي تخلق لديه مناخاً حسياً وعاطفياً يقوده إلى استنتاج معنى ما؛ لأن المعنى ليس واحداً مسبقاً، بل تتعدد القراءات والدلالات والإيحاءات؛ وبذلك فإن النص الحداثي يعتمد بصورة كبيرة على الصورة الشعرية البعيدة عن التزيين والزخرفة، وتتحد الصورة مع اللغة لتوليد دلالات وإيحاءات يستقبلها المتلقي لتتفاعل مع حواسه ومشاعره ومخزونه المعرفي، حيث تصبح الصورة الشعرية جزءاً من الصورة الكلية للقصيدة، يتمم بعضها بعضاً وصولاً إلى ملامسة حواس المتلقي وتحريض خياله ودفعه إلى الارتقاء بمناخ القصيدة والتوحد فيه، ويتضح ذلك في قصيدة لي بعنوان: "احتفالية الليلة البيضاء"؛ من ديواني المعنون: "تراتيل للعشق والأرض"، أقول فيها:

الشاعر فرحان الخطيب

أحب الثلج يسقط في جبال... على مهل مهيبات رواس

كأنه ساحر يلقي عليها... عزيف الجن في ليل خلاسي

الشاعر وائل أبو يزبك

وطرق عصاه حين ترن ريح... كوقع خطاه في أفق نحاسي

يكـــللها بأبيــــض مــخملي... ويضــفرهــا بــلا ورد واس».

من أعماله الشعرية

وحول الدلالة والانزياح في قصائد الشاعر "أبو يزبك"، أوضح الشاعر "فرحان الخطيب" عضو اتحاد الكتاب بالقول: «الشاعر "وائل أبو يزبك" امتلك ناصية اللغة الجزلة، وناصر القصيدة العمودية بكل جلالها ووقار مقامها، فكان فيها فارساً وشاعراً طاعت له القوافي، واستسلمت له الصورة الشعرية فبرزت ظاهرة جاذبة، لا لبس فيها ولا غموض؛ وهو ما ساعد قصيدته على أن تكون وهاجة في حلتها، سامقة في مقاصدها، متينة الحبكة، وملتفة بغلالة الرصانة والاتزان، وهو من الشعراء الذين استطاعوا تجسيد الشاعرية بجدارة ما بين القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة في المدة الأخيرة، ونجح في ذلك أيما نجاح، مرتكزاً على موهبة عالية، شذب غناءها بالدرس المتواصل والتجربة الغنية؛ وهو ما أهله لأن يكون في مصاف الشعراء الذين تحتفي بهم منابر الكلمة الصادحة والمؤثرة، خاصة بما يتميز بشعره من الدلالة والانزياح بوضوح».

يذكر، أن الشاعر "وائل أبو يزبك" من مواليد "السويداء" عام 1968، له مجموعتان شعريتان: "نبي الشعر، وتراتيل للعشق والأرض"، ومجموعة قيد الإصدار بعنوان: "على شرفات الانتظار".