كان لقيام إحدى الأسر الفقيرة بإخراج ابنهم من المدرسة؛ كي يستطيعوا تعليم ابنتهم الأخرى؛ الشرارة التي جعلت أهالي قرية "مردك" تجتمع لتطلق مبادرة تهتم بالطلاب، وتجعلهم يصلون إلى مدارسهم وجامعاتهم من دون أي عوائق؛ وهو ما أسهم بزيادة التكافل الاجتماعي، وأزال همّاً كبيراً عن كاهل الجميع.

المبادرة التي بدأت بتعليق صغير على منشور في أحد مواقع التواصل الاجتماعي من ربة منزل، تحولت إلى واقع ملموس بعد أن تصدى لها المهندسان "إيهاب أبو عاصي"، و"هشام أبو شديد"، حيث تحدث الأخير لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 نيسان 2019، عن بداية العمل: «كان ذلك قبل ثلاث سنوات؛ عندما علمنا عن طريق مجموعة افتراضية لأهالي القرية على "الفيسبوك"، أن إحدى العائلات قررت إخراج ابنها الكبير من المدرسة الثانوية لكي تستطيع شقيقته إكمال تعلمها بسبب الوضع المادي السيّئ للأسرة، حيث طرحت إحدى السيدات إيجاد طريقة للمساعدة من دون أن تشعر العائلة بذلك، وحفاظاً على كرامتها، ومن خلال هذه الحادثة انطلقت بالمبادرة والمهندس "إيهاب أبو عاصي" عن طريق ذات المجموعة، وأعلنا عن فتح باب التبرع للمساهمة بنقل الطلاب إلى مدارسهم في مدينتي "شهبا" و"السويداء"، وبدأت تأتينا التبرعات من المغتربين والأهالي الميسورين، ونحن بدورنا نظمنا الجداول والموضوع المالي بدقة، وكلفنا مختار القرية "بسام الشحف" بالجانب المالي وتلقي التبرعات».

بعد أن استقرينا على هدف معين، انطلقنا، ففي السنة الأولى نقلنا كافة طلاب الثانوي إلى مدارسهم بـ"السويداء" و"شهبا" على حساب الصندوق ذهاباً. وفي السنة الثانية، اتفقنا مع (بولمان) لنقل طلاب الجامعات كل يوم سبت إلى "دمشق". وهذه السنة عدنا لنقل طلاب الثانوي الأكثر حاجة، فالمبادرة تحتاج إلى أموال كثيرة، ولهذا اتبعنا سياسة التخصيص

ويتابع: «بعد أن استقرينا على هدف معين، انطلقنا، ففي السنة الأولى نقلنا كافة طلاب الثانوي إلى مدارسهم بـ"السويداء" و"شهبا" على حساب الصندوق ذهاباً. وفي السنة الثانية، اتفقنا مع (بولمان) لنقل طلاب الجامعات كل يوم سبت إلى "دمشق". وهذه السنة عدنا لنقل طلاب الثانوي الأكثر حاجة، فالمبادرة تحتاج إلى أموال كثيرة، ولهذا اتبعنا سياسة التخصيص».

المهندس هشام أبو شديد

وعن المساهمين بالمشروع، وعدد الطلاب المستفيدين، أوضح المهندس "إيهاب أبو عاصي" بالقول: «تأتي المساهمات من مغتربي القرية والمقيمين الميسورين، ومن حسنات الأموات، حيث نمشي حسب الإمكانات المادية المتاحة، ففي كل شهر ندفع 150 ألف ليرة سورية هذه السنة، وفي العام الماضي الذي خصص لطلاب جامعة "دمشق" دفعنا 100 ألف ليرة سورية في الشهر، والعام ما قبل الماضي دفعنا ما يقارب 200 ألف ليرة سورية في الشهر الواحد. وبلغ عدد المستفيدين 60 طالباً هذا العام، والعام الماضي 30 جامعياً، والعام ما قبل الماضي استفاد كافة طلاب الثانوي الذين تجاوزوا المئة طالب وطالبة.

وبالتنسيق مع مديري المدارس، قمنا في العام الماضي بشراء ثياب شتوية لطلاب الابتدائي والإعدادي الأكثر حاجة، واضعين نصب أعيننا أن تصل إليهم بكل سرية، ومن دون أن يشعر الطالب نفسه بذلك».

صورة قديمة عند انتهاء العمل الشعبي في مردك

مختار القرية "بسام الشحف" تحدث عن التعاضد في القرية، والمبادرات التي يقوم بها الأهالي بالقول: «تتميز قرية "مردك" منذ عشرات السنين بأنها سباقة للعمل الشعبي، وما زالت هذه الحالة مستمرة حتى اللحظة، فكثير من شوارع القرية نفذت بأيادي رجالها، وأي عمل هنا يتم بمعرفة الجميع ومساهمتهم. وأتت مبادرة إيصال الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم لتخفف الأعباء الحياتية عن كاهل الأهالي، فضمن الحرب الطويلة، وتدهور الوضع المالي لكافة السوريين، كان الحل بالتضامن والتكافل؛ وهو ما جعل كافة الطلاب بأمان، فهم في نهاية المطاف الثروة التي نعول عليها للخروج من أزماتنا».

يذكر أخيراً، أن قرية "مردك" تشتهر بثقافة أهلها، واهتمامهم بالفنون المختلفة من موسيقا وفن تشكيلي، وتضم أكبر نسبة متعلمة في المحافظة.

"الباص" الذي ينقل الطلاب إلى مدينة السويداء