من أجل إعادة اكتشاف الفن والجمال؛ قدمت الفنانة التشكيلية والمصمّمة في مسرح العرائس "هنادة الصباغ" عدة أعمال ومشاركات مسرحية قريبة من اهتمامات الأطفال والكبار، باعتمادها تقنيات الدراما واهتمامها بصنع الدمى المتحركة، وتشغيلها بطرائق فنية مبتكرة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 أيار 2019، الفنانة "هنادة الصباغ" لتحدثنا عن سبب اختيارها مجال مسرح العرائس المعتمد على الحسّ والإبداع الخيالي، فقالت: «اخترت هذا العمل المتميز لأنه مستوحى من خلق شخصيات بسيطة من القماش أو الخيش أو الورق، وغيرها من الخامات، وإعطائها بعض التفاصيل الحركية لنقل الإحساس إليها، لتتكلم بلسان حال الفنان، فمن خلال اهتمامي بالفن التشكيلي وشغفي اللا متناهي بالأعمال اليدوية، واختصاصي بالنحت والكتلة والفراغ، كل ذلك ساعدني في مجال صناعة الدمية مع متابعة دراستي للأزياء والسينوغرافيا المسرحية، فقررت متابعة دراستي مجال مسرح الدمى التي كانت بالنسبة لي حالة خاصة خيالية فيها كل السحر، وبعيدة عن الواقع، وتطرح فكراً وثقافة للمتلقي، وتأخذه إلى عالم الجمال والخيال. بدأت العمل وشغفت به وكل ما سبق من اهتمامات بالفن ودراسات كان بمنزلة الخطوة الأولى للوصول إلى هذا العالم الجميل، وتبادل الخبرات مع خبراء وفنانين من الدول الأخرى لنقل ثقافة وتراث بلدي إلى الخارج. ومن خلال دراستي في كلية الفنون الجميلة، ركزت على (كركتر) الشخصية، والاهتمام بالخامات وتطويعها في مجال المسرح، إضافة إلى تنسيق الديكور وتوزيعه بالفضاء المسرحي، وما زلت أتابع عملي بمسرح العرائس وتصميم الدمى؛ مع مواصلة عملية الابتكار في كل عمل، وحرصت أن تكون كل تجربة متفردة ومختلفة عن سابقتها ضمن سياق تطور وتكامل مستمر في العروض المقدمة، وأحاول دائماً اكتساب خبرات وتجارب جديدة، وهذا بحدّ ذاته متعة كبيرة بالنسبة لي».

من الأسماء المهمة جداً في مسرح العرائس، ومن الناحية الأكاديمية فهي تمتلك معرفة وخبرة عالية المستوى في مسرح الطفل من خلال صناعة العرائس وتحريكها، والمادة التي تصنع منها الدمية، حيث تملك القدرة على تصنيع وتحريك الدمى، وتتميز بإيصال المعلومة إلى الجمهور من خلال علاقتها مع الطلاب والمادة الفنية. أما عملياً، فقد قدمت مجموعة من التجارب والعروض كانت مميزة فيها من خلال صناعة دمية غير تقليدية؛ فيها شكل فني إبداعي، وقدرتها على التحريك وفهم الشخصية، وفي كل العروض التي قدمتها الشيء المميز الذي أنجزته أنه لم يكن هناك تقليد في عروضها، بل بدت الدمى وكأنها حية لها حضورها، وهذا ما لاحظناه في آخر عمل فني "موزاييك العرائس". وعلى الصعيد البصري، قدمت تقنيات بصرية تمثلت في حالة الابتكار والتجديد وسلاسة عملية تحريك الدمية في فن مسرح العرائس، ونجحت في الجمع بين الدمية والشخصية المسرحية وتقديمها بأسلوب مشوق وراقٍ على المسرح

أما بالنسبة للتطور والمواكبات في عمل مسرح العرائس، فتابعت قائلة: «واكبنا التقدم والنهضة في مجال مسرح الطفل والدمى، خاصة في "سورية"، وأقمت عدة ورشات عمل بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا لأنواع جديدة من الدمى لم نتطرق إليها سابقاً، وتسمى عمل مسرح الطاولة. تجربتنا الأولى كانت عام 2017، حيث فتحنا بها آفاقاً جديدة للخيال، وخصوصاً أنه عمل للكبار، وقدمنا بداية عام 2019 في مهرجان "الطفل" عرضاً بعنوان: "موزاييك العرائس"؛ وهو عمل استعراضي لفقرات مختلفة من الدمى المتنوعة بين غناء ورقص وتمثيل وصراع وسلام، وتطرقنا إلى أنواع جديدة من الدمى الكبيرة والمحمولة والفكية ودمى الطاولة والعصا والمسرح الأسود، لترسيخ فكرة أن مسرح العرائس هو مسرح العائلة، وبهذا العرض كسرنا الكثير من القواعد السابقة، ولا سيما أنها تجارب جريئة نسعى من خلالها إلى نشر الثقافة والفن الراقي بمشاركاتنا الدورية لتعليم تصنيع الدمى للأطفال والكبار في "سورية" وخارجها.

عرض "حياة من ورق" فكرة وإخراج هنادة الصباغ

من ناحية ثانية، قمت بعدة أعمال مع مديرية المسارح والموسيقا بتنفيذ وتصميم عروض لمسرح العرائس في "دمشق"، منها: "سكان البحر"، "مزرعة الأصدقاء"، "حيلة أرنوب"، وقمت بتصنيع دمى للأعمال التلفزيونية مع الديكور، مثل "مغامرات طارق" الذي نال عدة جوائز في مهرجان "تونس" و"القاهرة" عام 2009، وكذلك العمل التلفزيوني "أبو محجوب"؛ وهو عمل للكبار يوثق التراث في شهر رمضان من خلال شخصية (المسحراتي) عام 2015، وقمت بتنفيذ دمى لفرقة "زها" المسرحية في "الأردن" عام 2018، ومسرحية "نجيبة والسوسة العجيبة" عام 2016، وشاركت بمهرجان "الإسكندرية"، ومهرجان "القراءة" في "دبي"، وورشات عمل بدولة "قطر"، وقمت بتنفيذ وإخراج مسرحيتي "الصديقان"، و"سوس وبكتريا"، وغيرها».

من زاوية أخرى، تحدث "تامر العربيد" الدكتور في المعهد العالي للفنون المسرحية وعميد المعهد سابقاً عن رأيه بالأعمال والمشاركات التي أنجزتها الفنانة "هنادة" على صعيد مسرح العرائس بالقول: «من الأسماء المهمة جداً في مسرح العرائس، ومن الناحية الأكاديمية فهي تمتلك معرفة وخبرة عالية المستوى في مسرح الطفل من خلال صناعة العرائس وتحريكها، والمادة التي تصنع منها الدمية، حيث تملك القدرة على تصنيع وتحريك الدمى، وتتميز بإيصال المعلومة إلى الجمهور من خلال علاقتها مع الطلاب والمادة الفنية. أما عملياً، فقد قدمت مجموعة من التجارب والعروض كانت مميزة فيها من خلال صناعة دمية غير تقليدية؛ فيها شكل فني إبداعي، وقدرتها على التحريك وفهم الشخصية، وفي كل العروض التي قدمتها الشيء المميز الذي أنجزته أنه لم يكن هناك تقليد في عروضها، بل بدت الدمى وكأنها حية لها حضورها، وهذا ما لاحظناه في آخر عمل فني "موزاييك العرائس". وعلى الصعيد البصري، قدمت تقنيات بصرية تمثلت في حالة الابتكار والتجديد وسلاسة عملية تحريك الدمية في فن مسرح العرائس، ونجحت في الجمع بين الدمية والشخصية المسرحية وتقديمها بأسلوب مشوق وراقٍ على المسرح».

الدمية زهرة من عمل موزاييك العرائس

أما "مأمون الفرخ" الفنان ومدير مسرح الطفل سابقاً، فتحدث عن معرفته بالفنانة "الصباغ" قائلاً: «هي فنانة مهمة جداً، وقد عملت نقلة نوعية قوية في مجال مسرح الطفل خاصة، وفي الحقيقة حافظت على الأسلوب القديم، إلا أنها غيرته بتقنية متجددة وطورته تدريجياً، حيث حَمَلت مشكلة الطفل، وكيف تبني سلوكه من خلال عروضها المسرحية المحببة له، وخاصة في المرحلة الأولى من العمر، كما أنها سافرت إلى بلدان عديدة في الخارج لتعطي أبناء البلد أفكاراً فنية وخبرة مسرحية جميلة ونوعية، تمكنت من عمل الكثير من الورشات لتقدم مشروعها الجديد المبني على فكر متجدد في نظام مسرح العرائس؛ مختلف عن الفكر السائد.

وكان مشروع "حياة من ورق" على مسرح "القباني" عملاً لافتاً وشائقاً من حيث القصة؛ تتناسب وتتكامل مع الدمى التي قدمتها على المسرح، والعمل الثاني "موزاييك العرائس" أيضاً نقطة تحول كبيرة بالنسبة لها، ولاحظنا اختلافاً من حيث التعامل مع الدمية والفراغ والديكور، فهي فنانة جديرة بالتقدير؛ لأن لديها مخزوناً هائلاً بالعلم وخبرة عملية عالية».

راقصة باليه بلباس دمية تصيميم وفكرة هنادة الصباغ

من الجدير بالذكر، أن الفنانة "هنادة الصباغ" من مواليد "السويداء" عام 1976، خريجة كلية الفنون الجميلة بجامعة "دمشق"، وحاصلة على ماجستير اختصاص سينوغرافيا مسرحية، وتصميم مسرح عرائس من "روسيا" الاتحادية.