مسرحيّةٌ ومدرّسةٌ للموسيقا، استثمرت خبراتها الفنيّة لتقدمَ الموسيقا والمعرفة، من خلال عرائس تنبضُ بصوتها وفكرها للأطفال، فكانت المعلّمةَ والفنانّةَ التي وظّفت علمّها وتجربتّها لبناء شخصيةِ الطفل بشكلٍ سليم، وحصدت الإعجابَ طوالَ مسيرتها القصيرة.

درست "رانيا أبو زكي" الموسيقا وعلمتها لكن على طريقتها الخاصة، ولم تكن معلمةً وحسب بل عملت مع رياض الأطفال وطوّرت تجربتها المسرحية بما يخدم مشروعها مع الطفل في علاقة تحدثت عنها من خلال مدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 2 أيلول 2019 وقالت: «علاقتي مع الطفل اختيار ذاتي، عندما بدأت التدريس لمست ظواهر سيئة ومؤذية يمارسها الأطفال تجاه بعضهم البعض، وكانت التجربة الأولى التي وضعتني على مفترق طرق إما أن أتابع كأشخاص كثر أرى وأنتقد فقط، أو أن يكون لي دور بالتحسين والبحث عن حلٍّ على الأقل ضمن دائرة عملي وأطفالي الذين ألتقيهم بالمدرسة أو الروضة، وقد أتمكن من أن أقدم لهم شيئاً، لأنّني بكل بساطة لم أتمكن من تجاهل مظاهر مؤلمة، وسلوك بات يتعامل به أطفالنا، لذا قررت المواجهة والعمل وعدم تجاهل أي موقف مرّ معي أو لاحظته».

هدفي واضح من خلال الرسائل التي تقدمها الدمى أو يقدمها الأطفال، آمنت بشكل مطلق أنّنا بالحبّ والمحبّة نستطيع أن نبنيَ كل شيء، عندما نحبّ ذاتنا والآخر بكل حالاته، وبذلك نحقق توازناً كبيراً وجميلاً، وعندما يظلّ الطفل على قيد الحياة ولا نلغيه بمرور الزمن

وعن تجربتها وطريقة استثمار اللعبة، قالت: «عندما قررت العمل اعتمدت كثيراً على الدمى انطلاقاً من الصديق الخيالي الذي يحيا داخل كل منا، أو اللعبة (الدبدوب) المتعلقين فيها مهما كبرنا، حاولت أن أكون موجهة وواضحة الهدف، وخططت لملامسة الجانب البريء من شخصياتنا كباراً أو صغاراً، لأنّنا ضمن وسط أحياناً يهمش هذا الجانب فينا، وقد وجد المستهدفون مكاناً للتعبير عن ذاتهم بلا حدود أو قيود، وبشكل عام فقد تضمنت خطة العمل كسر الحاجز بين الذات الداخلية والشخصية التي كونها الأهل ضمن كل عائلة، ومعتقداتها لنجعل الطفل يلمس ذاته ويفكر بينه وبين نفسه من خلال القصص التي أحكيها لهم خلف مسرح الدمى، ففي البداية استخدام الدمية للتعبير عن الذات كمرحلة أولى، حيث يحكي كل طفل قصة من نسج خياله لإيجاد الحلول لها، وبالمرحلة الثانية أعطي الطفل خطاً عريضاً للقصة، وهو ينسج قصة ليضمنها حلولاً، وفي الأغلب الخطوط العريضة للقصص معتمدة على المشكلات وتبسيطها، وكان آخر بند بالخطة أن يترك الطفل الدمية ويقف ليحكي قصصاً أو يعبر عن شيء داخله بلا استناد على دمية، وهنا كان العمل على دعم الثقة بالذات ليتمكن من التعبير بلا خجل أو خوف، هذا ما نحاول تطبيقه، ونصمم الدمى والعرائس بناء على هذا الهدف، لتكون الدمية حاملة لفكرتي التي أضع نص حوار مسخر لزرع قيم لا بدّ للطفل من تمثلها لبناء شخصية سليمة، هذه التجربة أيضاً طبقتها خلال العمل مع الدكتورة "خزامى البعيني" ضمن مبادرة كلية التربية لدعم المتضررين في أحداث الريف الشرقي في "السويداء" من خلال الدورة التدريبية، وقبل البدء بالعمل مع المتضررين، ومن خلال العمل بشكل مباشر مع المتضررين أيضاً، هذه التجارب أكدت لي تميّز عالم الطفل، وشجعتني لأكون معهم كطفل وليس كمعلمة».

رانيا أبو زكي أثناء الدرس

تجربة المسرح التي عاشتها وبقيت مستمرة فيها مع التعليم أثرت العمل وعززت خطوات التطور، وقالت: «تجربتي بالمسرح كانت أساس كل شيء، لأنّي متل أي طفل أعيش الحالة، وأتعامل معها بناء على ما أتلمسه من ملاحظات، فقد كنت بحاجة مساحة أكون فيها كل الشخصيات التي لم يكن بالإمكان أن أعيشها بالواقع، ولأنّنا بحاجة لمكان يستوعب التناقض الذي نمرّ فيه، فكانت خشبة المسرح هي المكان المقصود، لذلك أحاول توفير المساحة للأطفال للتعبير انطلاقاً من تجربتي بالمسرح».

وفي الختام تشي لنا بأن الحبّ هدفٌ ورسالةٌ، وتقول: «هدفي واضح من خلال الرسائل التي تقدمها الدمى أو يقدمها الأطفال، آمنت بشكل مطلق أنّنا بالحبّ والمحبّة نستطيع أن نبنيَ كل شيء، عندما نحبّ ذاتنا والآخر بكل حالاته، وبذلك نحقق توازناً كبيراً وجميلاً، وعندما يظلّ الطفل على قيد الحياة ولا نلغيه بمرور الزمن».

من أحد المسرحيات

مديرة إحدى الروضات "أنغام أبو فخر" خريجة علم النفس، عملت معها من خلال عدة مشاريع، ووصفت عملها بالتميز، وقالت: «للمسرح دور كبير في تنمية وتطوير شخصية الطفل، ولأنّ الوضعيات التي يجد الطفل نفسه فيها والتي يتطلبها تفرض عليه توظيف الذكاء حتى يقدم دوراً ناجحاً، كما أنّ المسرح يطوّر قدرات الخيال لدى الطفل، وهنا كان دور المعلمة "رانيا"، حيث استطاعت من خلال أسلوبها التعامل مع الأطفال وتوجيههم بشكل صحيح وهادف، وقد كانت الفكرة من جعل المسرح حصة درسية، وتفعيل دور المسرح التفاعلي في حياتنا ومدارسنا ومناهجنا، والتعرف من خلاله على اهتمامات الأطفال وميولهم ومخاوفهم، لتكشف بعضاً من جوانب شخصية الطفل بطريقة غير مباشرة، حيث ساعدتنا في التعرف على اهتمامات الطفل، وحاولنا معها أن نركز كل أسبوع على تقديم عمل محوره قيمة يجب زرعها بالطفل، ونؤكد عليه كل الأسبوع، وتقوم "رانيا" بإعداد مسرحية تخصّ الموضوع، وكانت النتائج متميزة لتثبيت الفكرة وخاصة أنّ أسلوبها محبب لدى الأطفال، وقد كونت علاقة جميلة ومثمرة معهم».

الفنان "ربيع البعيني" تعاون معها في تصميم العرائس، وتشاركا في عدة أعمال فنية في المسرح، قال: «عملنا في مجال المسرح مع المخرج "موفق مسعود" في "فصل من الخراب"، حيث كانت مشاركتها في أداء حركي، وتناقشنا بمسرح الطفل كثيراً، لديها أفق واسع وعملت مع الأطفال المنكوبين، وقد أخذنا نفكر بما يمكن تقديمه للطفل، لامستْ بسرعة بديهتها وثقافتها العالية مواضيع كثيرة ومهمة، نعمل اليوم معاً لنسخر الدمى للطفل لمساعدة الطفل ولم تتأخر عن تطوير صيغها لتزرع قيماً جميلةً لديه، فكرنا بطريقة تقديم المعلومة، ولديها في الغالب طرق لتبتكر الفكرة، وكنت أساعدها بتصنيع الدمى، لتنشر القيم وتحاول زرعها في حوار الدمى وخلق تفاعلاً غنيّاً، ولتكريس الأفكار لدى الأطفال والاستمرار لإيجاد المثل لدى الطفل وتحرص على المتابعة، هي مجدة تنجز سيناريوهات بربط حركي سمعي وبصري أهّلها للعمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وأطفال التوحد ومتلازمة "داون"، ومرضى السرطان بثقة وجدارة».

الفنان ربيع البعيني

ما يجدر ذكره أنّ "رانيا أبو زكي" من مواليد "السويداء" 1996، خريجة معهد موسيقي طبقت مسرح العرائس في عدة روضات ومراكز متخصصة، ممثلة شاركت بعدة مسرحيات واتبعت عدة دورات إعداد ممثل وكتابة سيناريو، وألفت اسكتشات مسرحية ضمن مشروع "شغف"، وشاركت بعدة أعمال مسرحية مع المخرج "موفق مسعود"، و"ثائر حديفة"، متطوعة لدى الأمانة السورية للتنمية.