لم تكن حياتُها رحلةً مشوّقةً بل عانت لتكون ذاتها لكن "رندة رشيد" سعت الوقت لتقدم خدماتها التطوعية للأطفال والمسنين في دار "الرعاية الاجتماعية" ولمجتمعها، وتواجدت معهم تخيّط ملابسهم وتسليهم بأنشطة مختلفة مما حقق لقلبها السعادة.

تعلمت الخياطة من العمل في عدة مشاغل، أتقنت تفاصيلها ووجدت فيها فرصة العمل التي كانت في وقت لاحق وسيلتها لمساعدة غيرها كما تحدثت من خلال مدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 29 كانون الثاني 2019 وقالت: «من قرية "عرمان" الجنوبية قدمت مع أمي وأخوتي لنسكن "السويداء" ونطوي صفحات حزينة من الحياة، لكن تحدي الحياة هنا لم يكن أسهل، كعائلة حصلنا على سكن ضيق في إحدى حارات المدينة، تعاملنا مع أهلها ولمسنا الود والمحبة، لنكمل مشوار الحياة في طريق شائك بين متطلبات الحياة ومسؤولياتها، ولأنّي أكبرهم سناً تحملت مع أمي وأخوتي الكثير لكننا تماسكنا وتابعنا الحياة بإيمان أنّ القادم أجمل.

في كل مرة أتجه فيها لدار "الرعاية الاجتماعية" أضع نصب عيني فكرة، أرتب أساسيات الدخول لها سواء لعبة ندوّرها لتصل لمن عليه دور الحديث عن موضوع معين، مرة سألتهم أي الأيام أكثر حزناً وقلة منهم تحدثوا، وكان حديثاً حزيناً وجارحاً، لكنه اختتم بفرح لأننا تمكنا معاً من التعبير والحديث بكل صراحة مع دموع غسلت قلوب الكثير، لنكرر ألعاباً أخرى تختتم بدعاء ومحبة وفرح، هؤلاء هم الجزء الثاني من عائلتي صورة أمي وقريباتي، أصدقاء نلتقي لنخلق نوعاً من الفرح ليكون لنا أياماً مشتركة نعد فيها طبخات أو نتشارك الغناء ونبدل بها ساعات الصمت بأصوات فرح، ونغمة هادئة بأصوات كبار السن الذين يحملون الكثير من الألفة لمن زارهم واهتم بهم

كلما كانت تزيد الأحمال على أكتافنا كنا نزيد الجهد، حيث بدأت العمل في مشغل خياطة، وكان الأهم في تلك المرحلة أنني حصلت على دخل قليل لكنه أفضل من لا شيء، هنا تعلمت العمل، الحبكة القص التعامل مع القماش والماكينة التي كنت تعرفت على بعض مبادئ العمل عليها من أمي سابقاً، سنوات عملت بهذا الشكل لأتمكن من البدء بشكل خاص، لكن بقيت الحالة المادية أضعف من تحقيق الطموح حتى تشاركت مع أحد الأقارب وعملنا معاً لفترة، بعدها رغبت بالانفراد بالعمل وكان علي لأحافظ على عملي أن أحصل على ماكينة ومكان للعمل وأعيش مرحلة جديدة في حياتي لن أنساها».

رندة رشيد خلف ماكينتها

كيف ساعدها أهل الحي للحصول على مكان مناسب تجربتها الأولى مع العطاء وتقول فيها: «سنوات عشنا فيها في هذا الحي وتعايشنا مع الأهل كنا عائلة واحدة كل ذلك جعلهم يتمسكون بي، وعندما تركت شريكي كان رد فعل أهل الحي وصاحبة البناء الذي استأجرت به أن تؤمّن لي محلاً للإيجار، وبعد أن حصلت على ماكينة باشرت العمل عليها في منزلي، هنا تعلمت درساً للمحبة أثّر في حياتي.

في كل المراحل شعرت أن العمل مع المجتمع ولخدمة من حولي يقدم لي الكثير من الراحة خاصة أن عملي بالخياطة وإصلاح الملابس يعرفني على أشخاص كثر يقصدون ورشتي وأتعرف على معظمهم عن قرب، وكذلك كانت مشاعري عندما قمت بالزيارة الأولى لدار "الرعاية الاجتماعية" في "السويداء" ووجدت فرصة لإلقاء التحية على الأطفال والمسنين، وتعرفت عن قرب على شريحة نزلاء أحد الأمكنة التي يعيش فيها الأطفال والنساء في ظروف مختلفة، تقدم لهم خدمات كبيرة لكنني في تلك المرحلة لم أكن أعرف عنها شيء».

رندة مع المسنات

بعد الزيارة الأولى كنشاط تطوعي وعمل تضيف "رندة" وتقول: «في هذا المكان تعرفت على أطفال وكبار يأكلون ويشربون يستحمون تقدم لهم الجمعية كل وسائل العيش باحترام ومحبة، وحاولت أن أكون عوناً لهم بتقديم خبرتي لخياطة ملابس الأطفال والكبار وأخذت أنتظم في زيارة أسبوعية غالباً تكون يوم الخميس، وفي كل مرة كنت أتحدث للمسنين ألمس احتياجهم للحديث لمن يسمعهم، هم بالتأكيد أعادوا قصصهم مرات عديدة لكنني في كل مرة حاولت معهم أن نجد وسيلة جديدة للحديث من خلال لعبة أو حوار نتشارك به وفي النهاية نخرج من داخلنا أوجاع قديمة تريح النفس.

هذه الجلسات باتت عملي الأهم الذي أقوم به مرة في الأسبوع نسجت من خلاله بدعم من مجلس إدارة الجمعية والمشرفين صداقة مع كبار السن، ليكون لكل لقاء موضوع فكرة يدور حولها الحديث، هم نزلاء يجدون عناية كبيرة، لكنهم بحاجة لمن يسمعهم يتقمص دور أولادهم وعائلاتهم، هذه الجلسات شكلت نوعاً من الدعم النفسي أقدمه بمحبة لهذه الشريحة لكنني المستفيدة أكثر منهم لأني أحببتهم وأخذت أشعر بأهمية وجودي بضع ساعات لا أتنازل عنها».

عدنان أبو حلا المدير الإداري لجمعية الرعاية الاجتماعية

عن الألعاب والأحاديث والأنشطة تضيف "رندة" بالقول: «في كل مرة أتجه فيها لدار "الرعاية الاجتماعية" أضع نصب عيني فكرة، أرتب أساسيات الدخول لها سواء لعبة ندوّرها لتصل لمن عليه دور الحديث عن موضوع معين، مرة سألتهم أي الأيام أكثر حزناً وقلة منهم تحدثوا، وكان حديثاً حزيناً وجارحاً، لكنه اختتم بفرح لأننا تمكنا معاً من التعبير والحديث بكل صراحة مع دموع غسلت قلوب الكثير، لنكرر ألعاباً أخرى تختتم بدعاء ومحبة وفرح، هؤلاء هم الجزء الثاني من عائلتي صورة أمي وقريباتي، أصدقاء نلتقي لنخلق نوعاً من الفرح ليكون لنا أياماً مشتركة نعد فيها طبخات أو نتشارك الغناء ونبدل بها ساعات الصمت بأصوات فرح، ونغمة هادئة بأصوات كبار السن الذين يحملون الكثير من الألفة لمن زارهم واهتم بهم».

المدير الإداري في دار "الرعاية الاجتماعية" "عادل أبو حلا" تحدث عن "رندة رشيد" بصيغة الشكر وقال: «هي إحدى المتطوعات لمصلحة الدار التي قامت بالزيارة بشكل فردي عندما دعوتها لزيارة الأجنحة لتتعرف على النزلاء الأطفال وكبار السن، تحدثت معهم وتفاعلت مع الأجواء وأبدت ارتياحاً لما رأت، وكان أن كررت الزيارة وعرضت خدماتها لتساعدنا في خياطة ألبسة الأطفال وكبار السن تضبطها على مقاسهم بمحبة واهتمام، وفي المراحل الأولى كانت تصطحب القطع إلى ورشتها وتعيدها جاهزة، لكن بعدها أحضرت ماكينة خياطة لتودعها في الدار وتقوم بإصلاح القطع هنا، إلى جانب جلسات الدعم والزيارة للمسنين حيث تهتم بهم وتمضي ساعات معهم يتحدثون ويلعبون، تنفذ أنشطة ترفيهية مختلفة تزرع الفرح في نفوس الكبار الذين أصبحوا ينتظرون زيارتها ويخبرونها كيف يريدون تمضية أيام الصيف أو الشتاء بتحضير أكلة معينة أو عمل يفرحهم».

من أهالي الحي من اطلع على عملها وتمنى لو شاركها مثل "رغدة عريج" وهي ربة منزل وتقول: «تابعت "رندة" في عملها وتعرفت عليها عن قرب وكيف قدمت خدمة كبيرة لأهالي الحي الذي أحبوها واحترموا عملها، هي شابة مكافحة أعطت الكثير لأسرتها تعبت لتؤسس عملها ولتكون قادرة على مساعدة غيرها.

زياراتها للمسنين هي نشاط كبير تستعد له باهتمام تسألنا عن قصص تهم كبار السن لتقدم لهم الأفضل وما يسلي أوقات فراغهم بما هو مفيد، تمنيت مشاركتها والتعبير عن المحبة الكبيرة التي تمتلكها دون ضجيج، لم ترغب أن يتحدث عنها أحد، لكن رئيس الجمعية ومجلس إدارتها عبروا عن التقدير والاحترام لجهدها وقاموا بتكريمها بإحدى الحفلات، وهذا بالفعل تكريم تستحقه لأنها تطوعت بدافع ذاتي دون أي غاية أو مصلحة وقد رغبت بالحديث عنها لتكون مثلاً لشاباتنا ليتعلموا أن لدينا فرص كثيرة للعطاء وفعل الخير».

ما يجدر ذكره أنّ "رندة رشيد" من مواليد "دمشق" "مخيم اليرموك" عام 1977، مقيمة في "السويداء".