كان آخر خلافٍ شهدته "أم الزيتون" عام 1951 قبل عيد "الأضحى" بيومين، حيث جاءت الشرطة وسجنت كل الأهالي، ليتفق الجميع على الصلح، ويخرجوا في الوقفة الكبيرة، ومنذ ذلك الوقت تحولت القرية إلى خلية نحل فريدة في العمل والتطوع والمجتمع المتكاتف.

يقول مدرس الفلسفة المعروف، والناشط في الأعمال التطوعية "مروان كرباج": «في العام 1967 اجتمع عدد من الرجال في إحدى المضافات، وقرروا كتابة ميثاق وعهد جديد، يحدد ولادة القرية على المحبة والسلام، فكان هذا الاجتماع بداية تفوّق القرية في كل شيء، وباتت نموذجاً ليس فقط في "السويداء"، إنما في "سورية" كلها.

بداية 2019 بدأنا التجهيز للمشروع من المكان إلى التربة، حيث خضعنا لدورة مهمة عن الفطر، وتواصلنا مع شركة متخصصة لإنتاجه، واستفدنا كثيراً من تعليمات الشركة. وبعد ثلاثة أفواج استطعنا أن نرد رأس المال دون حساب تعب الذين ساهموا معنا في العمل من نقل وإشراف وتوزيع، والأرباح تذهب لدعم مشاريع الجمعية ومبادراتها المجانية

بدأ العمل التطوعي بشق الطرق ورصفها، وأغلب الشوارع في القرية كانت من العمل الشعبي، وكان لمرض أحد الكبار في السن بالقصور الكلوي في العام 1981 خطوة أخرى في تعزيز المحبة، فالعلاج في "سورية" مفقود، وكان الخيار أن يسافر إلى "الأردن" لكن التكلفة عالية جداً، وهو ما جعل شباب القرية ينقسمون إلى مجموعات، ويجمعون مبلغاً كبيراً من المال لكي يحاولوا إنقاذ الرجل من الموت، وشاءت الأقدار أن يموت قبل أن يصل، وتقوم عائلته بإرجاع المبلغ، فاجتمع شبان القرية مرة أخرى للتفكير باستثمار المبلغ، وكانت الفكرة الأساسية بإنشاء نقطة طبية جنوب القرية، وكل المبنى شغل بالتبرعات عدا النجارة، وما زال قائماً حتى الآن، وتستغله الجمعية الخيرية بإقامة الدورات لإنتاج الفطر وتربية النحل.

مجموعة من ناشطي القرية

في العام 1984 اقترح عدد من الشباب بناء مدرسة إعدادية، وأجور النقل التي يدفعها الطلاب إلى خارج القرية يمكن أن تصنع فارقاً، وهكذا كان، حيث بدأ العمل بالمدرسة بعد أن تبرع أحد المواطنين بالأرض، وما زالت المدرسة مؤجرة لمديرية التربية حتى الآن».

ويتابع "كرباج" حديثه عن التطورات اللاحقة: «جاء بناء موقف القرية الكبير المخصص للمناسبات نقطة تحول أخرى في التعاون، فلم يكن الأهالي يجمعون مبالغ محددة من بعضهم، بل كل فرد فيهم يساهم بقدرته واستطاعته، فمنهم من تبرع بالرمل، ومنهم من تبرع بالآليات، ومنهم من ساهم بأعمال البيتون، وهكذا، وكان هذا العمل مدخلاً لكي يساهم مغتربوا القرية في الأعمال التطوعية.

في معمل الألبسة

عام 2001 قام المغترب "إحسان كرباج" بوضع جائزة مالية للطلاب المتفوقين، بدأت قيمتها بثلاثين ألف ليرة، وتبلغ اليوم مليون ليرة سورية، حيث توزّع على المتفوقين في التعليمين الثانوي والأساسي، وينال الأول 125 ألف ليرة كي يدخل الجامعة متحفزاً للدراسة، ودون عوائق.

كما قدم نفس المغترب حافلةً لنقل الطلاب مجاناً إلى المدارس، ووضعه بخدمة الجمعية الخيرية، حيث كانت الأجور رمزية للمحافظة عليه.

منظر عام للقرية

عام 2016 قدم صندوق المغتربين لأبناء "أم الزيتون" في "الإمارات" مليون ليرة سورية لدعم الطلاب في الشهادتين الأساسية والثانوية، وجلب أهم المدرسين في المحافظة لهذه الدورات، وقررت اللجنة الطلابية تخصيص المليون ليرة كاملة لهذه المبادرة دون تكاليف إدارية أو نقل، وبهذه المبادرة استغنى الأهالي عن الدروس الخصوصية وهمّ الشهادات».

"جمال مهنا" جامع التراث المادي واللامادي قال: «من مآثر الأهالي تقديم الأرض مجاناً لأي منشأة توافق الدولة على إقامتها في القرية كالمدارس الثلاث، الإرشادية، البلدية، مركز الهاتف، ومدافن القرية التي كانت لكل العائلات بلا تمييز وبنموذج واحد حتى لشهداء القرية، وهي خطوة غير مألوفة في المحافظة.

كما قام الصناعي "فايز مهنا" بتأسيس صناعة جديدة في القرية، حيث بنى معملاً لصناعة الملبوسات، مدخلاً تفكيراً جديداً للمنطقة، وأتبعه بمعملين آخرين بالتعاون مع أخويه، وقام بتدريب العمال على أصول المهنة، ويدفع رواتب عالية مع التأمينات الاجتماعية على الرغم من الظروف الاقتصادية السيئة.

وكانت قصة وفاة شاب من "آل كرباج" بحادث سيارة واحدةً من قصص التكاتف وقت الشدة، فقد ترك الراحل خلفه أطفالاً وزوجة بلا أي معيل، فتصدى شباب القرية مع المغتربين لذلك، وقاموا بإصلاح السيارة التي كلفت أربعة ملايين ليرة لتكون مصدراً يقي العائلة العوز والفقر».

كانت معظم المشاريع والمبادرات والأفكار تطبّق عن طريق الجمعية الخيرية وأعضائها المتطوعين، وقد بدأ الأعضاء بالبحث عن مشاريع منتجة لرفد صندوق الجمعية بالمال، حيث قال مدرس العلوم المشرف على مشروع الفطر الزراعي "أيمن الهادي": «بداية 2019 بدأنا التجهيز للمشروع من المكان إلى التربة، حيث خضعنا لدورة مهمة عن الفطر، وتواصلنا مع شركة متخصصة لإنتاجه، واستفدنا كثيراً من تعليمات الشركة.

وبعد ثلاثة أفواج استطعنا أن نرد رأس المال دون حساب تعب الذين ساهموا معنا في العمل من نقل وإشراف وتوزيع، والأرباح تذهب لدعم مشاريع الجمعية ومبادراتها المجانية».

رئيس الجمعية "بسام كرباج" قال: «كل الأعمال السابقة الذكر كان للجمعية دور فيها، وعملنا ينصب على دعم الأهالي بأي أمر، وخاصة المجالات الصحية والتعليمية، من العمليات الجراحية، الصرف على عشرة طلاب جامعيين، السلل الغذائية للفقراء - وهي نسبة قليلة - ونعتمد على الهبات والمغتربين وحسنات الموتى، ونفكر في المستقبل من خلال تعليم الناس كيف تستطيع القيام بمشاريع إنتاجية كالفطر المحاري والنحل».

الجدير بالذكر أنّ القرية طوال فترة الحرب لم تشهد حالة واحدة مخلة بالأمن والقانون على الرغم من المحيط المشتعل حولها.