عندما تمتهن مهنةً شاقةً كالطبّ، قد لا تجد متنفساً لهواياتك ومواهبك كالموسيقا وغيرها، فكيف إذا اجتمع الطب مع كتابة القصة والتمثيل، هي قصة استثنائية لطبيبة وفنانة حاصلة على جائزة أفضل ممثلة مسرحية، والكاتبة التي صدر لها أوّل عملٍ أدبيٍّ مطبوع.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الدكتورة "لجين حمزة" بتاريخ 12 نيسان 2020 لتتحدث في البداية عن مرحلة الطفولة حيث قالت: «ولدت في "الإمارات العربية المتحدة"، وعشت طفولتي متنقلة بين "أبو ظبي"، و"السويداء"، أولى مواهبي ظهرت في الكتابة بعمر صغير، وتلقيت الدعم والتشجيع من الأهل، كنت بسن الخامسة عشرة عندما تقدمت لمسابقة تابعة لمنظمة "شبيبة الثورة" وحصدت المركز الأول في مجال القصة القصيرة، التي تحكي عن حالة وفاة وفقدان، وأذكر تأثر المدرسين بها حينها بالأسلوب وسعة الخيال، وكانت تلك القصة هي باكورة كتاباتي في هذا المجال، وفي الصف الحادي عشر شاركت أيضاً بالمسابقة نفسها وحصدت المركز الأول، لتبدأ رحلة الكتابة في حياتي».

صدرت المجموعة القصصية في عام التخرج من كلية الطب البشري، تحمل اسم "صقيع"، وهي اسم أول قصة كتبتها في الصف العاشر عن حالة وفاة الأم، وعلى مدى عشر سنوات كان لدي في كل عام قصة، لتحمل مجموعة "صقيع" عشر قصص قصيرة طبع منها 1000 كتاب ووزعت جميعها، وأقيمت جلستان نقديتان لمناقشة المجموعة الأولى في المركز الثقافي العربي في "المزة" في "دمشق"، والثانية في "السويداء" بتجمع أدبي ثقافي لعدد من الأدباء في المحافظة

لم يشكل هاجس الكتابة عائقاً أمام التميز الدراسي، فكان أن درست "حمزة" الطب البشري، حيث أضافت: «رغم حبي للمطالعة والكتابة إلا أن ميولي كانت للمواد العلمية، وأحب الجانب الإنساني الكامن لدى الأشخاص، بطبعي أحب المساعدة وتقديم الخدمات لمن يحتاجها، فكان لدراستي الطب البشري تحقيقاً لكل ما ذكرت، في سنوات الدراسة انقطعت عن الكتابة والمطالعة بشكل فعلي، فدراسة الطب تحتاج لتفرغ كامل، وبعد التخرج رغبت في متابعة الاختصاص في الطب النفسي، ولم تساعدني الظروف آنذاك، فسجلت اختصاص جلدية ولم أتابع رغبة مني في المتابعة في الطب النفسي في القريب».

الدكتورة "لجين حمزة"

وعن انطلاقة العمل تابعت: «لم أفتتح عيادة خاصة، بل بدأت العمل في "دائرة العلاقات المسكونية" عام 2019 بمركز "بيتنا" مختص بمعالجة قضايا العنف، حيث أعمل على تقديم الإرشادات الصحية من خلال جلسات للمراجعين وتقديم الرعاية الصحية، وعلى الصعيد الشخصي مهتمة باحتياجات المجتمع ومتابعة قضاياه ومن خلال المركز استطعت السير بأول خطوة في هذا المجال بتقديم محاضرات بما يتعلق بقضايا الميراث وجرائم الشرف وغيرها من المواضيع التي تتعلق بالمرأة وحقوقها، وتصب في مجال اهتماماتي وقراءاتي وأبحاثي بشكل دائم، ولم تقتصر محاضراتي على المركز بعد نجاحها واستقطابها لعدد كبير من المتابعين والمهتمين، بل قدمت محاضرات في منتدى "جذور" الثقافي، وفي جمعية "خطوة" للإرشاد الأسري».

صدر عن دار "العرب" في "دمشق" المجموعة القصصية الأولى للدكتورة "لجين حمزة" عام 2015، وعنها أضافت: «صدرت المجموعة القصصية في عام التخرج من كلية الطب البشري، تحمل اسم "صقيع"، وهي اسم أول قصة كتبتها في الصف العاشر عن حالة وفاة الأم، وعلى مدى عشر سنوات كان لدي في كل عام قصة، لتحمل مجموعة "صقيع" عشر قصص قصيرة طبع منها 1000 كتاب ووزعت جميعها، وأقيمت جلستان نقديتان لمناقشة المجموعة الأولى في المركز الثقافي العربي في "المزة" في "دمشق"، والثانية في "السويداء" بتجمع أدبي ثقافي لعدد من الأدباء في المحافظة».

من مسرحية "الفارسة والشاعر"

لم يتوقف إبداع "لجين" عند الكتابة، فكان أن دخلت المسرح بثقة الحالم والعاشق لهذا الفن، حيث قالت: «بدأت بدورة إعداد ممثل تابعة لوزارة الثقافة، وشاركت في عملين مع المخرج "رفعت الهادي"، "الفارسة والشاعر" لـ"ممدوح عدوان" حيث حصلت على جائزة أفضل ممثلة عام 2017، ومسرحية "الدب" لـ"شيكوف"، وفيما بعد شاركت مع المخرج "وليد العاقل" في فيلم "بنت القليب"، وفيلم "أبو صابر"، ومع الفنان "معن دويعر" بمسرحية "انعكاس"، ومع "قصي العيسمي" بفيلم قصير بعنوان "12 – 5"، ومع "موفق مسعود" بمسرحية "كأس سقراط"، وكان لدي ظهور في مسلسل "خبز الحياة" إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وآخر عمل كان عام 2019 في المسرح القومي في "دمشق" مع المخرج "محمد مصطفى" بمسرحية "مع الجميع على حدة"».

المخرج "رفعت الهادي" المتابع لـ"لجين" منذ البداية، قال عنها: «موهبة متميزة، التقيتها للمرة الأولى عندما كانت في الصف العاشر، وقرأت قصة قصيرة من تأليفها تحمل عنوان "صقيع"، أعجبت بأسلوبها وشجعتها، توالت لقاءاتنا بفترات متباعدة قبل أن ألتقيها عام 2016 حيث أهدتني مجموعتها القصصية، في ذاك الوقت كنت أحضر لدورة إعداد ممثل ورغبتْ بشدة في الحضور معنا، وبالفعل بدأت الدورة حيث استغرقت 9 شهور، لتكون حصيلتها عمل مسرحي بعنوان "الفارسة والشاعر" حيث حصلت من خلاله على جائزة أفضل ممثلة».

الكاتب "فوزات رزق" تحدث عنها بالقول: «عرفت "لجين حمزة" مذ كانت تتلمس طريقها في عالم الكلمة، كانت تطلعني على هواجسها في بداية رحلتها الأدبية، وكنت أشعر أن لدى هذه الفتاة الصغيرة ما تقوله، وبخاصة أن لديها إمكانية واضحة تتجلى بامتلاكها زمام اللغة، السلاح الأول الذي ينبغي أن يمتلكه من يريد ولوج هذا العالم الساحر.

وزادني اهتماماً بها وهي الطالبة في كلية الطب أنها ثابرت لتحفر لها مكاناً في عالم الأدب، وقرأت مجموعتها "صقيع" التي صدرت عام 2015 قبل أن تنشر، وتفاجأت بهذا النفس القصصي الطويل والتفاصيل الدقيقة التي هي من خصائص الرواية، وشيئاً فشيئاً بدأت تؤسس لنفسها مكاناً في الأندية والمنابر الثقافية، ولم تكتف بذلك فقد جعلت لنفسها مكاناً في المسرح، لما للمسرح من علاقة حميمة بحياة الناس وآلامهم ومخاوفهم».

وبدراسة نقدية لإحدى القصص التي كتبتها "لجين" أضاف "رزق": «سأقف عند قصة مما كتبت "لجين" بعد أن استوت تجربتها، وهي بعنوان "السيدة أمل"، وإذا كان عنوان القصة هو العتبة النصية الأولى التي تؤسس للقصة لتقرأ من خلالها فقد اشتغلت "لجين" على العنوان بحرفية واضحة، ففي "السيدة أمل" ترصد الكاتبة الحالة السورية الراهنة بكل عذاباتها ومآسيها، فتتحدث عن عذاب أم تبحث عن ابنها المفقود، وتلجأ إلى "أمل" في المنظمة الإنسانية لتساعدها، ويتصاعد الحدث بإلحاح الأم يومياً للوقوف على أخبار الابن، فتقابل بالتذمر.

غير أن الحدث ينكسر فجأة حينما يمرض ابنها فتدرك أن عاطفة الأمومة التي اجتاحتها، نفسها تجتاح تلك المسكينة، وتبدو براعة الكاتبة في النهاية الدراماتيكية للقصة حينما تتصل الأم بعد انقطاع، وتقول ما لا يخطر ببال، ومما ورد في كلامها "أردت أن أخبرك أن ..."، ففي هذه العبارة عناية واضحة بالفضاء النصي، إذ إن الكاتبة توقفت عند "أخبرك أن" ووضعت متعمدة ثلاث نقاط لها مدلول واضح في الفضاء النصي، في إشارة إلى أن "السيدة أمل" تهيأت لأن تسمع خبراً معيناً، فسمعت أمراً غريباً، أعتقد أن من يكتب بهذا الزخم يستحق أن ترفع له القبعة».

بقي أن نذكر أنّ الدكتورة "لجين حمزة" من مواليد "أبو ظبي" في "الإمارات" عام 1989.