تستعيد "ابتسام المسبر" رائدة الرياضة الأنثوية في "السويداء" ذكرياتها عندما تدربت في حديقة منزلها، لتنقل بعدها وسائل الإعلام أخبارها وصورها كبطلة للجمهورية، ومن ثم لترفع علم بلدها في "مصر" و "تونس" و"ليبيا" كما حلمت وحققت.

السيدة الحاملة لروح الشباب لا تزال تحافظ على حيويتها ولم تخرج الرياضة يوماً من حساباتها، فبعد أن اتجهت إلى التقاعد بقيت وفية لرياضتها، توجه الشباب وكل من تجد فيه خامة حقيقية وموهبة رياضية لتقول له: إن مكانك في الملعب ومستقبلك فيه. وهي مؤمنة كما تقول لمدوّنة وطن أنه لدينا خامات وطاقات لا ينقصها إلا الاهتمام ونيل فرصتها من التدريب والمنافسة والتجربة لتنجح وتتألق.

أدت رسالتها الرياضية بامتياز وجمعت تفوقاً بعدة ألوان رياضية من ألعاب القوى إلى الفروسية إلى كرة اليد حيث اختتمت إنجازاتها، عندما صعدت بفريق مدرسي لكرة اليد الأنثوية مع المدرب "مقبل منذر" من الدرجة الثالثة إلى الثانية ومن ثم إلى الأولى

في زيارتك إلى منزل اللاعبة "ابتسام المسبر" تشعر بصدق أن الزمن أنصفك باللقاء معها، فهناك أشخاص عشقوا الرياضة وعاشوها بكل تفاصيلها في زمن كان شحيحاً بالإمكانيات غنياً بأرواح حلمت بالفوز والنجاح. تبدأ "ابتسام المسبر" سرد تفاصيل مسيرتها لمدوّنة وطن بالحديث عن بدايتها، فتقول: «كانت البداية مع الجمباز مع مدربي العصر الجميل في بلدي "سمير أبو حمدان" و"توفيق حمزة" وباقة ممن كانت لهم بصمات جميلة على رياضة "السويداء" عندما كانت مشاركة الشابات لا يتجاوز عددها أصابع اليد، كنت ممن عشقوا الرياضة فأخذت مساحة واسعة من وقتي في الجمباز ورمي الرمح وكرة اليد وألعاب اختبرتها، ونلت الذهب لأنني آمنت بما لدي من طاقة وبفضل ثقة من ساندوني من الأهل والمدربين».

ابتسام المسبر وصورها تتصدر المجلات الرياضية

بدأت برياضة الجمباز وكانت الصالة الوحيدة للتدريب في ذاك الزمن هي مدرسة "شكيب أرسلان" حيث كانت توجد فيها لساعات طويلة مثابرة على هدفها، ثم انتقلت إلى ألعاب القوى لتتميز في الجري مئة متر حواجز، وشاركت منذ بداية السبعينيات في البطولات المدرسية بشكل سنوي محققة أرقام قياسية، ومن ثم على مستوى سورية وهو ما أهلها لمشاركات خارجية.

بعد نيلها الميدالية الأولى في عدة بطولات، شجعها المدرب "توفيق حمزة" لتجربة رمي الرمح، وفي أول بطولة شاركت فيها كان الذهب من نصيبها على مستوى الجمهورية. رحلة إلى "دمشق" جعلتها حديث الصحافة في تلك المرحلة، ففي أقل من سنتين نجحت في تحطيم الأرقام القياسية السورية، وكانت بطلة الجمهورية تسع مرات، آنذاك أطلقت عليها الصحافة "الرياضية المعجزة" وتناولوا تجربتها الأولى التي دخلت ميدانها من دون تدريب يذكر، ومع ذلك نالت الذهب وحافظت عليه بإصرار، وحققت رقماً مميزاً حينها 8 أمتار و42 سنتيمتراً.

من صورها في بطولات الفروسية

"المسبر" تخبرنا كيف تدربت على رمي الرمح وتنقل الجميل لوالديها وأسرتها فكانوا داعمين لها في كل التفاصيل، ففي ذلك الزمن لم يكن للرمح ولألعاب القوى أمكنة مناسبة للتدريب. الاعتماد كان على القوة العضلية للاعب وتدريباته الذاتية واهتمامه الخاص ومتابعات مدربه ضمن ما توافر من إمكانيات. تتدرب في منزلها على رمي الرمح تستعيض بعصا المكنسة أو غيرها لتمارس تدريبها.

تقول "المسبر": «عائلتي كانت تراقبني وتشجعني كيف أحمل عصا المكنسة كرمح أجرب الرمية مرات ومرات أجري وأمارس تدريبي أسير خطوة خطوة مع نصائح مدربي لالتزام داخلي وحلم الحصول على ما يرضي طموحي، وكان الحصول على بطولة الجمهورية أكثر من تسع مرات متتالية. وفي عام 1974 قال المدرب لوالدي: سنأخذ "ابتسام" معنا إلى "مصر" ضحك والدي مستغرباً بطيبته المعهودة: "مصر" أليست بعيدة؟. لكنه وافق وشجعني بثقته بي، وما يمكن أن أحققه وكان أن سافرت مع البعثة، وعدت بالميدالية الذهبية لأخبره أني رفعت اسم بلدي في ملاعب "مصر" وذكر في الإعلام أن صبية سورية من "السويداء" ورامية رمح ماهرة حصدت الميدالية الذهبية بين فرق عربية كبيرة. تجربة "مصر" تكررت في "ليبيا" و"تونس" و"المغرب" في الأعوام التالية في عصر كانت الرياضة أكبر أحلامنا، وكان الجهد محرك الفوز دون دعم يذكر أو أماكن تدريب مناسبة أو أي شيء مما نجده اليوم، مما قد يحفز اللاعب لكنني أذكر جيداً أننا لم نكن نرضى بالخسارة، وكانت روح الفريق تجمعنا على أن لدينا مهمة كبيرة جداً لا يمكن التنازل عنها أننا فريق نمثل وطننا في محافل عربية، نقدم أخلاقنا طاقتنا وكثير من محبتنا للرياضة. أتصور هذا الدافع كان المؤهل الأكبر للنصر وتحقيق أفضل النتائج».

الصحفي الرياضي زياد عامر

بعد مسيرة رياضية حافلة توجهت بطلتنا نحو رياضة الفروسية في الوقت الذي كانت تتابع دراسة المعهد الرياضي وتخرجت منه لتكون مدرسة في مدارس "السويداء" ومدربة كرة اليد لفريق الرجال الذي حقق نتائج متميزة، لكنها اختارت أخيراً الاعتزال لتتفرغ لأسرتها التي كانت ثمرتها أربعة شباب حرصت أن يكونوا امتداداً لها ولزوجها في حياة عنوانها العطاء.

أوائل مدربي المحافظة الأستاذ "سمير أبو حمدان" تابع مسيرة "ابتسام المسبر" الشابة المتدفقة حيوية ونشاط قال عنها: «قدمت "ابتسام" الكثير لرياضة "السويداء" وكانت ممثلة للمحافظة ولسورية، لم تكن تتوانى عن التدريب وعن الاهتمام بكل شاردة وواردة عايشت إصرارها، وعشقها للرياضة معبرة عن ثقافة رياضية عالية. في مشاركاتها المحلية والدولية كان كل من نافسها بعيداً جداً عن مستوى الأرقام التي حققتها لأنها امتلكت قوة عضلية مميزة تطورت بتدريب شبه ذاتي لأننا في تلك المرحلة لم نكن نمتلك ملاعب ولا صالات مؤهلة وكان على اللاعب والمدرب جهد مضاعف لتقديم نفسه على الساحة الرياضية».

كان زمن "ابتسام المسبر" زمن من ذهب قدمت به الشابة في "دمشق" و"القاهرة" و"تونس" و"ليبيا" أجمل العروض، وسجلت أرقام قياسية في الجري ورماية الرمح والكرة الحديدية في حالة لم تتكرر.

الصحفي الرياضي "زياد عامر" يؤكد في حديثه لمدوّنة وطن أنه تابع "المسبر" في الرياضات المختلفة التي شاركت بها ونجحت. وقال: «لم تتوقف "ابتسام المسبر" عند حدود رياضة واحدة بل كانت متعددة المواهب مهتمة بكل ما أوصلتها إليه قوتها العضلية، وفهمها العالي لأهمية الرياضة، وما يمكن أن يقدمه الرياضي من رسائل لجيل الشباب، وكانت حريصة على تقديم صورة بهية للرياضة القدوة والمثل، رغم شح الإمكانيات وصعوبة التدريب، في زمن كان الرياضي بطل الميدان بجهود ذاتية، ومدرب طموح يشد أزره بما امتلك من خبرة ودعم، بلا مراكز تدريب تكفله أو ملاعب توفر مساحة مناسبة للتدريب».

ويضيف: «أدت رسالتها الرياضية بامتياز وجمعت تفوقاً بعدة ألوان رياضية من ألعاب القوى إلى الفروسية إلى كرة اليد حيث اختتمت إنجازاتها، عندما صعدت بفريق مدرسي لكرة اليد الأنثوية مع المدرب "مقبل منذر" من الدرجة الثالثة إلى الثانية ومن ثم إلى الأولى».

"ابتسام المسبر" من مواليد 1955 نالت لقب الرياضية الأولى في سورية عام 1974، وهي خريجة معهد رياضي وبطلة الجمهورية لتسع مرات متتالية في سبعينيات القرن الماضي.