عاش "محمد خدام" في كنف أسرة آغا المدينة بكل ما يمتلكه من علاقات اجتماعية خيرة؛ وهو ما انعكس على نشأته إيجاباً، فكان صاحب مبادرات مجتمعية، كبناء مدرسة "ابن خلدون"، وتوقيع وثيقة (الأخوة بالدم) بين قريتين متنافستين.

ابنته "وعد خدام" عضو مجلس الشعب السابقة، قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 12 تموز 2017: «نشأ الراحل "محمد نور الدين خدام" ابن مدينة "بانياس" في أسرة ذاع صيتها في أرجاء المدينة لما قدمته في سبيل تأطير أواصر المحبة بين أبنائها، وتابع على ذات النهج حتى تسلّم في الأربعينيات رئاسة "بلدية بانياس"، حيث وجد لنفسه الفسحة التي يمكن أن ينهض من خلالها بواقع المدينة نحو الأفضل، ولكونه أول رئيس بلدية، كان لزاماً عليه تطبيق القانون على الجميع، وأذكر هنا بحسب الأحاديث المتناقلة أنه لم يستثنِ أحداً، فأول ما طبقه من قانون كان على عمه، وتابع بذات النهج وسعى جاهداً لتأسيس أول مدرسة حكومية في المدينة؛ وهي مدرسة "ابن خلدون" دعماً للتعليم الحكومي المجاني، خاصة أن واقع المدينة العام يعمّه الفقر، فأشرف على بنائها بالكامل، وجميع أبناء المدينة يصرّحون بفضله في هذه المبادرة».

كان "محمد نور الدين خدام" رجلاً متميزاً، وقد تأثر به وبطبيعة علاقاته مع الناس من عاصره، وهو الأمر الذي دفع أصدقاءه ومعارفه إلى السير على نهجه، ومنهم ابنته، فترشحت لعضوية مجلس الشعب كأول سيدة، لأنها وجدت في هذا المنصب خدمة للناس؛ وهذا ما حققته فعلاً، والجميع يشهدون على ذلك

وتتابع: «ونتيجة مبادرته، جاءت زيارة الرئيس السوري السابق "شكري القوتلي" للمدينة، الذي أثنى على جهوده، حيث استغل الزيارة للاطلاع على واقع خدمات المدينة وتقديم الدعم لها، وأيضاً زاره فيما بعد رئيس سوري آخر سابق هو "هاشم الأتاسي" للوقوف على واقع المدينة ودعم خدماتها التي انطلق فيها بالتعاون مع وجهاء المدينة وريفها، كما عرف والدي بكرمه على جميع أبناء المدينة وريفها، وخاصة منهم المزارعون الذين تملكوا أراضيهم الزراعية بفضله.

وعد خدام عضو مجلس الشعب سابقاً

ويقال أنه كتب وثيقة شرف عرفت باسم "وثيقة الدم للأخوة" بين قريتي "بارمايا" و"المرقب" لنبذ الخلافات والتعصب، والمحافظة على كيان المدينة ككتلة واحدة».

المعمّر "مصطفى الأعسر" من أبناء المدينة، قال: «كان "محمد نور الدين خدام" رجلاً متميزاً، وقد تأثر به وبطبيعة علاقاته مع الناس من عاصره، وهو الأمر الذي دفع أصدقاءه ومعارفه إلى السير على نهجه، ومنهم ابنته، فترشحت لعضوية مجلس الشعب كأول سيدة، لأنها وجدت في هذا المنصب خدمة للناس؛ وهذا ما حققته فعلاً، والجميع يشهدون على ذلك».

محمد نور الدين خدام في إحدى الزيارات الرسمية له

المعمّر "أحمد الجندي" الذي عاصر "خدام" وساعده في بعض أعماله، قال: «درس الراحل "محمد خدام" في مدارس المدينة، وحصل على شهادة العلي الأعلى التي كانت هي الشهادة التعليمية الوحيدة آنذاك، وكانت تعدّ كالشهادة الابتدائية، وحينئذ رشح اسمه لمتابعة الدراسة في "القدس"، لكن جدّه رفض فكرة سفره ليبقى قريباً منه ومتابعاً لأمور عمله، وهذا إن دل على شيء، فهو دلالة على نباهته وتمكّنه -على الرغم من صغر سنّه- من إدارة أعمال والده، وكان أيضاً فارساً ماهراً بركوب الخيل؛ وهو ما دفعه إلى الطلب من والده امتلاك فرس "إبراهيم الكنج"، الفرس العربية الأصيلة التي لم تسمح لغير مالكها بامتطائها، حيث كان شرط امتلاكها امتطاءها بجدارة، وفعلاً تمكّن من ذلك، وحصل عليها، وهذه القصة كانت مشهورة عنه على مستوى الشارع البانياسي».

ويتابع: «بحكم قربي منه وعلاقتي به، أؤكد امتلاكه أخلاقاً عالية ونضجاً عقلياً حقق من خلالها المساواة بين جميع أبناء "بانياس"، عبر تقديم الأراضي من أملاكه كهدية لكل شابة تتزوج.

أحمد الجندي

وأذكر أنه خلال تسلّمه رئاسة البلدية كان يقوم بمعظم الأعمال بنفسه، ومنها الجولات الميدانية لعمليات رش المبيدات الحشرية في أرجاء المدينة، حيث كان جدّياً في عمله، فطبّق النظام على عائلته أولاً لتكون قدوة لغيرها».

ومن مبادراته المجتمعية المحافظة على المياه الجوفية، وهنا قال "الجندي": «حافظ على نظافة مياه "رأس النبع"، ومنع جميع علميات البناء في تلك المنطقة بهدف حماية المياه من التلوث، وكذلك نظم في مدرسة "ابن خلدون" حدائق تشبهاً بمدارس "دمشق"، وساهم ببناء مستوصف حيّ "القصور"، ومجمل هذه الأعمال جعلت من كلمته مسموعة عند جميع أبناء المدينة وريفها، فكان كالقاضي الاجتماعي؛ يحلّ بكلمته جميع الخلافات».

يشار إلى أنّ "محمد نور الدين خدام" من مواليد مدينة "بانياس" عام 1905، وتوفى عام 1988.