بقلمه النضر استطاع أن يخط فوق السطور كلمات لامست كل قارئ لها، وسلاسة صياغته ساهمت في إيصال رسالته الأدبية بعفوية ووضوح.

مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 20 تشرين الأول 2017، تواصلت مع الشاعر "قصي ميهوب"، ليحدثنا عن مسيرته الأدبية بالقول: «كان المنبرُ أولَ خطوةٍ لأحلام فتى شاعر، وبه بدأ الوقتُ يأخذُ شكلَ حبيبةٍ بفستان قصيدة مع إطلالات فجر قريةٍ متعبةٍ بهموم الحياة. كانت عصافيرُ الدوري توقظُ فجر "المصطبة" قريتي المتربعة فوق جبال "الدريكيش"، وبين سفوحِ جبال السنديان والبلوط والزعرور كان الشعرُ غذاءنا اليومي حين صرخَ في أعماقي: (لا تكتفِ بقراءتي فقط، ولا تكتفِ بإنشادي على المنابر، خبِّئني على صفحاتك السمراء في درج آمالك، وريثما ينضجُ الألم، انشرني على دروبِ العاشقين)، حينئذٍ كنت في الرابعة عشرة من عمر المسافة بين قريتي ومدرستي في قرية "شباط" التي تبعدُ مسافةَ جبلين بينهما مسيل مائي شتوي الهوية يهدرُ في أيامٍ معدوداتٍ من فصول شتاء الزمان المدونة فيّ لوح البراءة من عام 1985، ومع بدايات تفتُّحِ الوعي أخذ الشِّعرُ شكلاً آخرَ متنوعَ المضمون بتنوع المواقف تلك التي أفرزها الواقعُ السياسي والاجتماعي والديني على حدٍّ سواء، ومعها بدأتُ أدركُ المعنى الحقيقي لعبارة: (الشعرُ ابنُ بيئته)، فيبقى الشِّعرُ رهينَ المشاعر، والمشاعرُ رهينةَ الحالة النفسية المرتبطة بالنفسِ روحاً وجسداً، وتبقى النفسُ رهينةَ الأثر الذي تخلِّفُه تلك المواقف اليومية، ولكي يستطيعُ الشعرُ إعطاءَ صورةٍ حيَّةٍ عن الواقع عبر الخيال، على الشاعر أن يعيشَ تجربته، ومنها يكوّن أسلوباً تميزهُ ملاحظته الشخصية شعرياً، فالشعرُ حالةُ إيقاظٍ بالكلمة، والكلمةُ تمتلكُ سحراً؛ فهي البدءُ الأول، والمنتهى المؤجَّل، وما بين البداية والنهاية يحفرُ الشاعرُ أخاديد تجربته كي تقوى على السطوعِ متمكنةً من المساهمة في إحداثِ الفرق المرجو بين عصرٍ وآخر، فعلى الشعر انتظارُ اكتمال المعنى الذي يريده الشاعر».

هو شاعرٌ مجدّد، أعطى الصياغة شفافيّة متينة تتيح لك رؤية ما فيها من عمق، وأضاف إلى الصورة أبعاداً تدركها كل عين، إضافة إلى كونه غزير الإنتاج، نبيل القريحة، ساحر الأداء، وفارساً ملكيّاً من فرسان مملكة القصيدة، وطناً، وغزلاً، وبحراً

ويكمل: «كلّ الأجناس الأدبية خرجت من عباءة الشعر، ولا يوجدُ جنسٌ أدبيٌّ أقرب إلى روحي أكثر من الشعر، وكان التعبيرُ الأول للإنسان عبر تاريخه هو الشعر؛ لأنه الشعور الذي ولد معه، حتى الرسم والنحت البدائي الأول على جدران الكهوف والمغارات خرج من فيض الشعور؛ أي خرج من الشعر خيالاً وواقعاً، واليوم وإن كانت القصة والرواية تستهوي ذائقتي، يبقى هذا الاستهواء مرتبطاً بمقدرة الروائي والقاصّ على التَّخيُّل والإبحار في عالم الخيال خدمةً للواقع؛ أي الإبحار في عالم الشعر».

الشاعر شفيق ديب

وعن أعماله يتابع: «صدر كتابيَ الأول "غربتي العذراء" عام 1999، ذاك العام الذي خطفَ فيه الموت أمي، ومع رحيلها توقف شريان الحنان ليمدني شريان الشعر بالأمل، كان الشعرُ الوريدَ الناطقَ بروح أمي؛ فمن رحم الآلام تتالت الولادات الشعرية، وروحُ أمي تحتفي بي وبها، خمس عشرة مجموعة شعرية مع إصدار الجزء الأول والثاني من مجموعة أعمالي الكاملة هي حصيلةُ ألمي وأملي، فمن غربتي العذراء مروراً بـ"عندما ينزفُ الصخر"، إلى "أتلو الأرضَ امرأةً"، إلى "القمر على طاولة القمار"، وما بينها من إصدارات أخرى رسمتُ توجُّهي الفكري والروحي شعراً وعشقاً حيث المرأةُ تسكنني مثلما سكنت عشتار تموز الزمان».

الشاعر "شفيق ديب"، عنه يقول: «هو شاعرٌ مجدّد، أعطى الصياغة شفافيّة متينة تتيح لك رؤية ما فيها من عمق، وأضاف إلى الصورة أبعاداً تدركها كل عين، إضافة إلى كونه غزير الإنتاج، نبيل القريحة، ساحر الأداء، وفارساً ملكيّاً من فرسان مملكة القصيدة، وطناً، وغزلاً، وبحراً».

ومن أعمال الشاعر اخترنا هذه القصيدة:

"الساهرونَ على الجراحِ مقامهم

كمقامِ مريمَ ساهرتْ آلامها

لمَّا تبدَّى على الصَّليبِ مغرِّداً

مَنْ كان يكرزُ في الحياةِ أمامها

قام الذي بدمائها نوراً بدا

وغفتْ فأشعلَ خمرها وأقامها"

يذكر أن الشاعر "قصي ميهوب" من مواليد "طرطوس" عام 1972، يحمل إجازة في الصحافة، بالإضافة إلى شهادة ملاحة جوية.