لطالما كان "نبع الضيعة" محطة استراحة، ومقصداً لكل عابر طريق بين الساحل والداخل عند مختلف الحضارات التي مرت على هذه المنطقة، واليوم يمثّل بقايا ذاكرة لبعض المعمّرين الذين نعموا بطيب مائه.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 5 كانون الأول 2017 قرية "كاف الجاع" في ريف "القدموس"، والتقت "سلمان أحمد" أحد أهالي القرية ليحدثنا عن موقع النبع وتاريخه، حيث قال: «يقع في الحارة التحتانية التي تعدّ جزءاً من الحارة الغربية، وبالقرب من بيوت القرية القديمة، ويبعد عن الطريق الرئيس مسافة تقدر بنحو مئة متر، وكان فيما مضى النبع الرئيس الذي جذب الأهالي لبناء بيوتهم المصنوعة من الحجر والتراب حوله، لكونه يقع في منطقة منخفضة ومحمية من الرياح الباردة، ولتوفر مياه الشرب وري المزروعات والمواشي التي اعتمدوا عليها بوجه رئيس في بداية استقرارهم في هذه المنطقة. وقد جمع النبع عبر الزمن ذكريات الأجيال التي تعاقبت على القرية منذ أقدم العصور، فقد كان محطة استراحة للسلطان "عماد الدين أبو الفداء" سلطان "حماة" أثناء تنقله في المناطق التابعة لحكمه بين الساحل والداخل، كما كان يعدّ أحد الينابيع المهمة التي يلجأ المسافرون إليها عبر الممر الجبلي الذي يصل الساحل ابتداءً من مدينة "بانياس" والداخل عبر "مصياف"، وصولاً إلى مدينة "حماة"، فكان محطة استراحة للقوافل التجارية في قرية تعاقبت عليها الحضارات المختلفة. وأثناء فترة الاحتلال العثماني للقرية قام الأهالي ببناء النبع على طريقة العقد الحجري، التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، وقد حرص الأهالي على ترميمه باستمرار».

تقع "عين الضيعة" في الأجزاء المنخفضة من السفح الجنوبي لجبل "زغرين" المتميز بتنوع صخوره الكلسية والبركانية؛ وهو ما أكسب النبع ميزتين مهمتين، هما: العناصر المعدنية التي ذابت في مياهه، وهي من الأصل البركاني للجبل، وغزارة جيدة نتيجة ارتباطه بشبكة من القنوات الباطنية الطبيعية التي تتركز في الصخور الكلسية الواسعة الانتشار والمعروفة بالقنوات الكارستية، التي ساهمت نتيجة تسرب مياه الأمطار والثلوج عبر الشقوق والمسامات المنتشرة فيها كلها بجعل غزارته جيدة حتى في فصل الصيف، خاصة أنه يقع في الأجزاء المنخفضة منها

وعن جغرافية منطقة النبع تقول مدرّسة الجغرافية "غنوة كامل عباس"، وهي من سكان القرية: «تقع "عين الضيعة" في الأجزاء المنخفضة من السفح الجنوبي لجبل "زغرين" المتميز بتنوع صخوره الكلسية والبركانية؛ وهو ما أكسب النبع ميزتين مهمتين، هما: العناصر المعدنية التي ذابت في مياهه، وهي من الأصل البركاني للجبل، وغزارة جيدة نتيجة ارتباطه بشبكة من القنوات الباطنية الطبيعية التي تتركز في الصخور الكلسية الواسعة الانتشار والمعروفة بالقنوات الكارستية، التي ساهمت نتيجة تسرب مياه الأمطار والثلوج عبر الشقوق والمسامات المنتشرة فيها كلها بجعل غزارته جيدة حتى في فصل الصيف، خاصة أنه يقع في الأجزاء المنخفضة منها».

عين الضيعة

لأهالي القرية -خاصة المعمّرون منهم- قصص يروونها عن "نبع الضيعة"، ومنهم المعمّر "عيسى خليل حسن"، الذي قال: «مثّل النبع محطة رئيسة لنا أثناء تنقلنا للعمل في أراضينا الواقعة في المناطق المنخفضة من القرية، التي تعرف باسم "الصفصيفة" وأراضينا في الوادي، فكنا نتزود من مياهه ونسقي الماشية التي نربيها، ومحصولاتنا الزراعية الحقلية، كالسلق والبقدونس والملفوف والبندورة والبامياء والبصل وغيرها، كما كنا نستفيد منه أثناء القيام بحراثة الأرض وموسم الحصاد، وبعد أن بدأنا زراعة أشجار الزيتون قبل أربعين سنة كانت مياه النبع المنقذ الحقيقي لكثير من الأشجار في قطاع مهم من الأراضي، خاصة في فصل الصيف الحار والجاف، وكثيراً ما كنت ألتقي أبناء قريتي ممن هم في مثل سني في منطقة النبع لنتبادل الأحاديث التي كانت أغلبها حول أعمالنا ومحاصيلنا وأبنائنا، وغير ذلك من هموم الحياة اليومية. والنسوة في القرية كنّ يجتمعن حوله للتزود بالمياه اللازمة للاستعمالات المنزلية قبل تطور الحياة، فمع هذا التطور وازدياد عدد السكان وتطور وسائل البناء أصبحت المنازل تحيط بمنطقة النبع، بل تلاصقه، وقبل مد شبكة الصرف الصحي في السنوات الماضية تلوثت مياه النبع -يا للأسف- واقتصر اليوم استخدامه فقط لأغراض سقاية المواشي وري بعض أنواع المزروعات كالتبغ وسقاية المزروعات في البيوت البلاستيكية المحمية، التي انتشرت بكثرة مؤخراً.

وعلى الرغم من قيام البلدية منذ عدة سنوات بمد شبكة الصرف الصحي، لم يغير الأهالي قناعتهم بتلوث المياه على الرغم من عدم وجود أي تأكيد أو تحليل يثبت هذا التلوث، وهنا يمكنني القول إنه بالقليل من الاهتمام وإجراء الفحوصات من قبل المختصين يمكن إعادة الثقة بمياه نبعنا القديم، والعودة لشرب مياهه التي لم يعد يذكرها إلا ما تبقى من معمّرين في القرية».

أحد الحقول القريبة
المعمّر عيسى حسن