يدعوه أصدقاؤه بالمحفز والمساند؛ لتميزه بنقل الأفكار إلى الواقع، فقد حلم "بهاء حسن" بأن يكون طبيباً يجسد الإنسانية بالتعامل مع الآخر؛ وهو ما دفعه إلى التعامل مع الخشب كتذكارات تفرد بها برفقة صديقته، فكانت مشبعة بالأحاسيس، ليستعيض بها بعضهم عن الذهب.

"بهاء حسن" طالب كلية الطب في سنته الأخيرة، ساهمت طبيعة حياته وظروفها بتأطير أفكاره، كما قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 كانون الثاني 2018، وتابع: «ظروف الحياة في قريتي "دير الجرد" بجرد ناحية "العنازة"، التي عشت فيها سنواتي التسع الأولى، صعبة جداً، نتيجة الطبيعة الجغرافية والبيئة الاجتماعية الفقيرة، وهذا أثر بنشأتي داخلياً مع ذاتي تجاه تنمية الحالة الإنسانية والسعي إلى نشرها والعمل عليها بمختلف المجالات وبإحساس عالٍ، وكان ذلك بالتوازي مع أسرة محبة جداً ومساعدة على العمل والإبداع.

طبيب المستقبل "بهاء" شخص محفز للآخر ومساند له، ومحقق للأفكار وينقلها إلى الواقع مهما كانت صعبة، فهو الشخص المثالي في تطبيق الأفكار، لأنه يملك قدرة كبيرة على العمل وتحدي الصعوبات في التطبيق

ومن أهم الانعكاسات لهذه الحالة أنني كنت شغوفاً بالتفوق والتميز، وكان طموحي أن أكون دراسياً الأفضل دوماً ليكون لي انعكاس إيجابي على محيطي، فكنت العون لزملاء الدراسة في تحصيلهم العلمي بتوضيح دروس متراكمة وصعبة عليهم من ناحية فهمها وترتيب أفكارها في أذهانهم، وقد خصصت لهم وقتاً دائماً لمساعدتهم».

من تصاميم مشروع ميليا

ويضيف: «دخلت كلية الطب وحلمي الحصول على أعلى شهاداتها بهدف الوصول إلى حلول أكبر المشكلات الصحية المستعصية التي تواجه الإنسان، وكذلك البحث في حلول المشكلات الاجتماعية أيضاً، وهنا كان لي تجارب، أذكر منها أن صديقاً لي بعد وفاة والده واجهته صعوبات حياتية واجتماعية كثيرة أوصلته إلى مرحلة من اليأس ومحاولة الانتحار عدة مرات؛ وهذا دفعني إلى التدخل، ومحاولة غرس فكرة أنه قادر على تحقيق ما يحلم به، وبكل بساطة على الرغم من كل الضغوط، وبعد جهد كبير ومحاولات كثيرة تمكن من دفعه إلى التجريب حسب قدراته والوثوق بها كمرحلة أولى، وفعلاً تمكنت من تغيير آرائه وجعله شخصاً ناجحاً جداً في المجتمع».

حاول "بهاء" تأطير جهوده المجتمعية بالتطوع في جمعية تنموية اجتماعية تهتم بمن هم على هامش المجتمع وفي صميمه، وهنا قال: «نال العمل المجتمعي الإنساني الكثير من وقتي، لكن من دون قالب يبرز قيمة الناتج منه، فبدأت العمل في "الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية"، والتعامل مع الأطفال أصحاب الأمزجة الخاصة، واستخدمت مع صديقة متطوعة ضمن القسم ذاته "هبة حداد" التصميم والمجسمات والألوان للتقرب منهم، وكانت أولى النتائج القيمة تقديم مجسم "مدينة الألوان" بأيديهم، وهو مجسم بكرتون الماكيت يحاكي واقع البناء بأسلوب ثلاثي الأبعاد، وكان أثره جيداً».

المدينة الملونة

لم يبتعد "بهاء" عن الألوان والرسم، وله وجهة نظر خاصة، فأطلق فكرة مبادرة "لوّن بلدك"، حيث قال عنها: «أطلقت فكرة المبادرة بإشراف الجمعية لتكون حافزاً للطلاب للمحافظة على آثار المدرسة والعناية بنظافتهم الشخصية والعلاقات فيما بينهم، وهذا بالاعتماد على الأثر النفسي الذي يمكن أن تخلفه الألوان جراء مشاركتهم بالعمل، وكانت مبادرة ناجحة بكل المقاييس، لما حققته من نتائج إيجابية ظهرت خلال العمل».

ويتابع: «بعد هذه الخطوة اقترحت "هبة" فكرة مجسم لفانوس رمضان يوضع على "الكورنيش البحري"، وتكون له ديمومة زمنية، وضمن إحدى مبادرات الجمعية، فتشاركنا معاً وكلٌّ باختصاصه؛ انطلاقاً من الدراسات الهندسية للمشروع، وصولاً إلى تجميع أجزائه النهائية ودراسة العمر الزمني الذي يمكن أن يستمر فيه، أي لكل خطوة دراسة خاصة لضمان النجاح، ثم أطلقنا مشروع "ميليا" لتصميم وتصنيع الهدايا الخشبية بعد بحث كبير لمعرفة إن كانت الفكرة مطروقة مسبقاً أم لا، وكانت جميع الأدلة أنها غير مطروقة وفق الأسلوب والتصاميم وطرائق التصنيع، وابتعدنا عن كل التصاميم المعروفة، وحاولنا أن تكون انعكاسات لأحاسيسنا وواقعنا المجتمعي، مع عدم تكرار أي تصميم مهما كانت الأسباب، والمحافظة على خصوصية كل منها برؤى الراغب بالاقتناء والزبون.

فانوس رمضان

والهدف منها أن تصبح كما الإكسسوار ويمكن أن تكون زينة للشباب، حيث تتلون وتصنع حسب الرغبة، بالاعتماد على الطاقة الداخلية لكل شخص، ومناسبتها له أم لا».

وفي لقاء مع المهندسة المعمارية "هبة حداد" مصممة مشروع "ميليا"، قالت: «طبيب المستقبل "بهاء" شخص محفز للآخر ومساند له، ومحقق للأفكار وينقلها إلى الواقع مهما كانت صعبة، فهو الشخص المثالي في تطبيق الأفكار، لأنه يملك قدرة كبيرة على العمل وتحدي الصعوبات في التطبيق».

وبالنسبة لمشروع "ميليا"، أضافت: «كان لدي ميل تجاه الخشب لما يحمله من دفء وحنان وإحساس، لذلك كان خيارنا منذ بداية المشروع المستمر إلى مشروع اقتصادي كبير مستقبلاً، وأذكر أننا قدمنا مصاغ عرس من "الميليا" لما ناله من إعجاب وتميز؛ فهو بديل اقتصادي وجميل يحمل قيمة معنوية كبيرة نظراً لانتقاء الشخص لكافة تفاصيل الهدية».

الكثير من أصدقائه يشعرون بالارتياح بمجرد الحديث معه، وهذا بحسب حديث المدرّس "إبراهيم شاهين"، الذي قال: «شخص محفز للإبداع، ويملك قدرة كبيرة على المساعدة، وأذكر أن طالباً في الصف السابع لا يمكنه الكتابة والقراءة بأسلوب صحيح، وليس لدي تبرير عن وصوله إلى هذا الصف بهذه الحالة، فساعده على تعلم القراءة والكتابة، وكنت شريكاً معه في هذه الخطوة، وخصص له وقتاً للمتابعة حتى تمكن من تجاوز هذه المشكلة».

يشار إلى أن "بهاء تاج الدين حسن" من مواليد مدينة "طرطوس"، عام 1994.