لم تكن بدايات "نزيه عبد الحميد" البحثية في التراث كما هي حالياً، وإنما كانت اهتماماً بالموسيقا وحفظها، فشده البحث نحو المثل الشعبي وقصته، وبعد ذلك انساق خلف الحكاية الشعبية وروعتها، فدوّنها باللهجة المحكية.

الباحث في التراث "نزيه عبد الحميد" كان ضيف مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 حزيران 2018، ليحدثنا عن بداياته وشغفه بالتراث وتوثيقه بلهجته المحكية، وهنا قال: «في الصف التاسع ظهرت اهتماماتي بالموسيقا، وبعدها مباشرة التحقت بدار المعلمين، شعبة الموسيقا عام 1960، وكنت الأول في القرية الذي يدرس هذا الاختصاص، ومن هنا كانت البدايات والاهتمام بالأغاني التراثية التي شدتني كثيراً لمعرفة أصولها وماهيتها وما ترمي إليه في الجانب الآخر منها.

إن بعض الحكايات والتسالي التي قدمتها في هذا الكتاب مأخوذة من قريتي "بيت الشيخ يونس" في "صافيتا" في القرن الماضي، وبعضها جرى في القرى الأخرى. أما الأحاجي، فبعضها مشهور، وبعضها الآخر لا يعرفه إلا القلة القليلة من الناس، وهذا إن دل على شيء، فهو دليل على أهمية هذا الكتاب والعمل بوجه عام

وهذا الاهتمام دفعني إلى جمع الأغاني التراثية في منطقتي "صافيتا" بمختلف جوانبها واهتماماتها وتقديمها بدايةً كمحاضرة ثقافية، وهذا شجعني وحفزني على المتابعة وبطريقة أكثر تعمقاً».

"تسالي وطرائف وأحاجي من منطقة صافيتا"

ويتابع عن المصادر التي اعتمدها في عمله: «مصدر معلوماتي فيما يخص الأغاني التراثية كان من معمّري المنطقة بوجه عام، حيث حفظت منهم الكثير، ودونت جميع ما سمعته حفظاً له، وكل هذا وفق اللحن الشعبي كما نطق به المعمّرون. وخلال عملي في منظمة طلائع البعث تفرغت تماماً لهذا الجانب من حياتي، وقدمت الأغاني التراثية الساحلية في مختلف المهرجانات، ومنها "أوبرت العرس الشعبي التراثي"، وكتبت العديد أيضاً، وأعدت توزيعها وفق أربعة أصوات، وهي خطوة غير مسبوقة، وعليه حصلت على الجوائز الأولى في مختلف المسابقات التي شاركت بها».

بعد التقاعد زاد نشاطه، وتفرغ للبحث في التراث، قال: «عام 1988 تقاعدت من نقابة المعلمين، وانتسبت إلى نقابة المحامين بعد حصولي على شهادة الحقوق، وتابعت عملي في توثيق التراث، لكن بطريقة أكثر منهجية؛ من خلال دراسة الأمثال الشعبية وفق كل منطقة، خلال مسيرة عمل استمرت خمسة وعشرين عاماً، وجمعتها في كتاب صدر عن وزارة الثقافة عام 2008، وهو بعنوان: "الأمثال التراثية في الساحل السوري عموماً وفي منطقة صافيتا خصوصاً".

خالد حيدر

وخلال عملية جمع الأمثال الشعبية شدتني الحكايات الشعبية التي سمعتها من مختلف المعمّرين في المنطقة، وطريقة تقديمها ومفرداتها ومعانيها، فقررت تسجيلها بأصواتهم حفاظاً على طريقة تقديمها، وبعدها فرغتها على الأوراق ضمن كتاب قدمته لوزارة الثقافة للطباعة، لكنها رفضته لكونه باللهجة العامية، فطبعته على نفقتي الخاصة، وهو بعنوان: "الحكايات الشعبية في الساحل السوري عموماً وفي منطقة صافيتا خصوصاً". وأؤكد أن هذه اللهجة زادتها جمالاً وألقاً، وحفظتها بروحها، حيث كنت ضد كتابتها باللغة العربية الفصحى، لأنني حينئذٍ أترجمها، فتفقد ألقها الحقيقي وغايتي من حفظها».

ويضيف: «هذا الاهتمام بالأمثال والحكايات التراثية شدني نحو الألعاب التي باتت من عداد الأموات في زمن الألعاب الإلكترونية، وكان حرياً بي توثيقها لأكمل بها مهمتي وأرضي ذاتي، وقدمتها في كتاب بعنوان: "الألعاب التراثية في الساحل السوري"، لكن كانت المفارقة أن أغلب أبناء جيلي لا يعلمها؛ وهو ما اضطرني إلى تقديمها عن طريق تمثيلها بشخصيات من طلابي بالمدرسة، ووفق تفاصيلها الدقيقة التي رواها لي المعمّرون».

الباحث نزيه عبد الحميد

كتابه بعنوان: "تسالي وطرائف وأحاجي من منطقة صافيتا" له حكاية مع قريته قال عنها: «إن بعض الحكايات والتسالي التي قدمتها في هذا الكتاب مأخوذة من قريتي "بيت الشيخ يونس" في "صافيتا" في القرن الماضي، وبعضها جرى في القرى الأخرى. أما الأحاجي، فبعضها مشهور، وبعضها الآخر لا يعرفه إلا القلة القليلة من الناس، وهذا إن دل على شيء، فهو دليل على أهمية هذا الكتاب والعمل بوجه عام».

وفي لقاء مع "خالد حيدر" مدير المركز الثقافي العربي في "بانياس"، قال عن الباحث "نزيه عبد الحميد": «بخبرته المميزة، وعشقه للتراث وتدقيقه للذاكرة الشعبية، مثّل "عبد الحميد" علامة فارقة في منطقتنا والمحافظة، فهو الموثق الذي يحاول مجتهداً تفسير وشرح هذا التراث بشقيه المادي والمعنوي، كالأمثال الشعبية التي دأب على توثيقها وتفسيرها بوصفها حاجات لتوكيد الأفكار والآراء، ناهيك عن أبحاثه الأخرى في البحث المتواصل عن أدوات العمل والطواحين والعلاقات السائدة في المجتمع والأعراس وغيرها، وجميعها حفظت تراثنا بكل حرفية، وهذا يسجل له، فهو مجتهد لا يتعب من التمحيص والتدقيق والإصغاء للقدامى، واستنهاض ذاكرتهم للحديث عما تختزنه تلك الذاكرة لحمايته».

يشار إلى أن الباحث "نزيه يونس عبد الحميد" من مواليد قرية "بيت الشيخ يونس"، عام 1944.