المختار لقب استحقه بكل جدارة كما يقول أبناء قريته بل منطقته بأكملها؛ فلم يتردّد يوماً بتقديم يد العون في أي قضية مهما كبرت وصعبت، هذا إلى جانب دوره الكبير في تنشئة أجيال متلاحقة على القيم والمبادئ بكل إخلاص ومحبة.

بدأ المدرّس المتقاعد "عبد اللطيف محمد" حديثه لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 10 كانون الأول 2018، بالقول: «مهما كبرت الصعاب لا بد أنها ستنحني أمام الإرادة، وأيّ عمل يبدأ بالنية الحسنة، لا بدّ أن تكون نتائجه إيجابية ومثمرة، حتى وإن وجدت بعض الأخطاء غير المقصودة، سيكون علاجها ممكناً، ولطالما كانت هذه قناعتي في الحياة، أعامل الناس كما أحب أن يعاملونني، ولم أفرّق يوماً بين صغير أو كبير، أو قوي وضعيف، أو ذكر وأنثى، والقوة بمفهومي ليست قوة الجسد أو ضخامته، بل ما يملكه أي شخص من علم ومحبة وصدق ووفاء للآخر، وأنا أقيّم الآخرين على هذا الأساس، والله لم يخلق أي إنسان بلا قيمة، بل لكل إنسان رسالته في هذه الحياة».

مهما كبرت الصعاب لا بد أنها ستنحني أمام الإرادة، وأيّ عمل يبدأ بالنية الحسنة، لا بدّ أن تكون نتائجه إيجابية ومثمرة، حتى وإن وجدت بعض الأخطاء غير المقصودة، سيكون علاجها ممكناً، ولطالما كانت هذه قناعتي في الحياة، أعامل الناس كما أحب أن يعاملونني، ولم أفرّق يوماً بين صغير أو كبير، أو قوي وضعيف، أو ذكر وأنثى، والقوة بمفهومي ليست قوة الجسد أو ضخامته، بل ما يملكه أي شخص من علم ومحبة وصدق ووفاء للآخر، وأنا أقيّم الآخرين على هذا الأساس، والله لم يخلق أي إنسان بلا قيمة، بل لكل إنسان رسالته في هذه الحياة

ويتابع: «نشأتي كانت لدى عائلة بسيطة مكوّنة من أربعة ذكور وثلاث إناث، والدتي امرأة طيبة، ووالدي مزارع بسيط يعيلنا مما تجود به الأرض من خيرات، لكنه في سنّ مبكرة أصيب بعدة أمراض صعبة، وفي مرحلة ما فقد ذاكرته تماماً، حينئذٍ كنت في المرحلة الإعدادية، فألقيَتْ على عاتقي مسؤولية رعاية عائلة بأكملها، إلى جانب أعمال الأرض الشاقة والمتعبة، وقد أتممت جميع مراحل الدراسة في مدارس قريتي "خربة المعزة"، وبعد إتمام الثانوية درست سنة واحدة فقط في العلوم السياسية، لكن صعوبة الظروف وقسوتها أجبرتني على الانتقال إلى دراسة معهد التربية العسكرية في مدينة "حلب" عام 1980، وفي عام 1982 تخرّجت في المعهد وتمّ تعييني في ثانوية قريتي، وأعدّ الوحيد في منطقتي أتممت أربعة وخمسين عاماً بين دراسة وتدريس في ذات المدرسة حتى التقاعد».

عبدو أحمد سلوم

ويكمل: «حاولت دائماً أن أكون الأب والأخ والصديق لكل طالب وزميل، وعلى عكس ما يشاع عن قسوة مدرّب الفتوة في المدارس، سعيت باستمرار لأكون القدوة للآخر، لكن بالأسلوب الحسن الذي يسمح لي بدخول العقول والقلوب بكل سلاسة، ولم أسمح لأي خلاف بين طالب ومعلمه، أو بين طالبين معاً أن يتطور، بل كان الصلح دائماً سيد الأحكام، بالمقابل هذا لا يعني أن المخطئ لن ينال عقابه، والذي على حق لا بدّ أن ينال حقه، وما تركته من أثر طيب في الأجيال المتلاحقة، جعل مني عبر السنين مرجعاً لكل الزملاء القدامى منهم والجدد، ولا بدّ لكل مدرّس أو مدرّسة بمختلف الاختصاصات وقبل أن يمارسوا مهامهم بعد التعيين أن يجلس معي ولو لنصف ساعة، لأتحدث معه بكل مودة ومحبة، وأقدم له خبرتي في كيفية التعامل مع الطلبة، فبرأيي بالنسبة لمهنتنا الأسلوب يأتي قبل المعلومة، وليس العكس، فلا فائدة لمعلومة ممتازة إن لم تقدم بأسلوب متقن يمكّن المدرّس من إدارة صفه بأنجح السبل للوصول إلى أفضل النتائج، وفي عملي كمدرّس لم أعتمد يوماً أسلوب التلقين، بل كنت أتّبع عدة طرائق، فعلى سبيل المثال كنت أعطي بيتاً من الشعر، أشرحه وأحلله، ثم أطلب من التلاميذ أن يسألوا ويقدموا إجابات، ثم يستنتجوا موضوع الدرس، وبالمقابل كنت أقدم مكافأة رمزية للمتفاعلين سريعي البديهة، وهدفي دائماً أن أعلّم الطالب القيم، كالصدق والوفاء مثلاً، وكيف سيكون إنساناً ذا فائدة بكل المقاييس، ونجحت في ذلك بكل جدارة، ولأن للمدرسة حرمتها، فقد كان النظام شغلي الشاغل، فهو دليل القوة والتقدم والتجدد، والأهم كان الالتزام باللباس المدرسي، ومن لا يملك القدرة المادية لا أتردد في مساعدته ولو من حسابي الخاص، وأعانني في ذلك أصحاب الأيادي البيضاء وهم كثر، فلطالما كان النظام والعمل بجد وصدق شعاري في كل ما شاركت به وطلابي في معسكرات ودورات تدريبية، وكما العادة وبأسلوبي الخاص كنت أوصل إليهم رسالتي وأعلّمهم أهمية العمل بحب وصدق وبيد الجماعة الواحدة، لأن النتائج حتماً ستكون إيجابية دوماً».

ويختم قوله: «طلاب الأمس هم آباء اليوم، وما تركته من أثر في نفوسهم ومحبة ومثل أعلى، دفعهم إلى اللجوء إليّ عند أي مشكلة تواجههم سواء مع أبنائهم داخل المدرسة، أو حتى مشكلات خاصة تواجههم في حياتهم الأسرية، وهنا انتقل دوري من داخل المدرسة إلى خارجها، وقد تخطيت بهذه الثقة التي شرفني بها الأهالي حدود القرية، بل امتدت إلى قرى المنطقة بأكملها، فلم أعد فقط المرجع لحل قضايا الأبناء، بل أصبحت المقصد لتقديم المشورة والنصيحة والحل لأي قضية أو مشكلة بين طرفين، وبكل رحابة صدر كنت أستمع إلى جميع الأطراف، وأعطي حكمي وأقترح الحل، ففي هذا الأمر تصحيح لمسارات عائلات بأكملها».

عنه يقول "عبدو أحمد سلوم" من أهالي القرية: «لم أذكر يوماً أن أحداً في القرية وخارجها جاء على ذكر "أبي علي" إلا بالخير والاحترام، فهو رجل الحق بكل امتياز، عمل بشرف وتقاعد بشرف، وذكره طيب في قلوب وعقول الجميع من دون استثناء، ولن أتحدث عن حب الناس له وعما أسمعه منهم عنه، بل عن تجربتي معه؛ فقد كان الأب والمرشد لأولادي التسعة ذكوراً وإناثاً، ومنهم اليوم المهندس والطبيب والضابط والمدرّس، وله في ذلك كل الفضل، ولطالما افتخر بهم وكأنهم أبناؤه، ومساهمته كبيرة في تنشئتهم وتربيتهم، ليس هم فقط، بل فضله على أجيال متلاحقة تمتد على مدى سنوات عمله حتى تقاعده، إنه رجل الحق بجدارة، وسمعته العطرة تسبقه، ومكانته الطيبة في قلوب الناس في المنطقة بأكملها لا حجم لها، ولأنه المعلم والأب والطبيب الروحي للجميع، والمرجع الدائم لنا عند أي قضية تواجهنا، كل ذلك جعله أهلاً للقب المختار لسنوات طويلة».

يذكر، أن المدرّس المتقاعد "عبد اللطيف محمد" من مواليد "طرطوس" قرية "خربة المعزة"، عام 1958.