يواظب بعض الشباب على القدوم إلى نبع "اللبوة" في مدينة "بانياس"؛ مركز قوة مياه نهر "الزير"؛ لما يحمله من قصة تراثية ارتبطت بـ"الزير سالم" وشيخ فاضل، وطبيعة دائمة الخضرة، فهو دفتر ذكريات المعمّرين، ومكان اصطياف منعش في أعلى درجات الحرارة.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 23 نيسان 2019، نبع "اللبوة" الخزان المائي الأساسي لنهر "الزير"، والتقت الثمانيني "عثمان عثمان" من أهالي وسكان مدينة "بانياس"، الذي يحفظ الكثير من الذكريات الخاصة بالنبع، ومنها قصة نهر "الزير" كما تناقلتها الروايات التراثية، وهنا قال: «كما يقال تراثياً خلقنا هنا بجوار نبع "اللبوة" على نهر "الزير" وحفرنا ذكريات طفولتنا وشبابنا، حيث كنا نقصد المكان لممارسة السباحة وتعلّم فنونها على الرغم من قرب البحر منا بـ500 متر، لكن قيمته بالنسبة لجميع الأهالي في "بانياس" لا تكمن هنا فقط، وإنما تكمن بجمال المشهد العام دائم الخضرة والمياه الوفيرة على مدار العام والمياه العذبة التي كانت تروي جميع أبناء المنطقة وريفها، حيث كنا نمارس صيد السمك أيضاً، فنطهو ما نصطاده ضمن المكان ونبقى حتى حلول وقت المغرب لنعود إلى منازلنا.

المعمّرون في القرى المحيطة يذكرون تماماً أن النبع كان مقصد جميع القرى لتأمين مياه الشرب النقية والدائمة الجريان، حتى إن أغلب النساء في السابق كانت تتم الأعمال المنزلية الخاصة هنا، كالاستحمام والغسل ضمن موقع أسفل النبع حرصاً على نظافته

تميز النبع بغزارته وقوة مياهه نتيجة وجوده في أخفض منطقة تقريباً مقارنة مع محيطها، وأذكر أن قوة تلك المياه كانت تقدر بنحو 30 متراً وفق القياسات الشعبية حينئذٍ، وكانت المياه تغمر المنطقة بالكامل، كما يوجد فيها مختلف أنواع الأسماك و"الحنكليس"، لكن جشع بعض الناس وضعاف النفوس قضى عليها؛ باستخدامهم الكهرباء والتبغ في عمليات الصيد.

عثمان عثمان

وقد أسهمت الآبار التي فتحت في مناطق متعددة منها منطقة "الباصية" ومنطقة "المحص" بتوزع المياه الجوفية وتشتتها، لتبقى على حالها في الوقت الراهن من دون أي استثمار، لكونها تذهب انسيابياً إلى البحر مباشرة.

سابقاً لم يكن لمجرى النهر أي اسم، بل كان يحمل اسم النبع "اللبوة" فقط، وبحسب الروايات المتناقلة بالتواتر يقال إن زوجة "كليب" قد أرادت قتل "الزير سالم" طلبت منه إحضار المياه لها من نبع "عين اللبوة" بجوار نبع يسمى "رأس النبع" في مدينة "بانياس" لما فيها من فوائد وصفاء وطيبة وحياة مديدة بحسب الروايات، وهي مدركة لوجود أنثى أسد شرسة في المكان كحامية له، فلا يستطيع مقاومتها والتغلب عليها، فتقضي عليه وتنهي حياته بحسب ما خمنت، وحين حضر "الزير" إلى النبع لملء المياه لها، تفاجأ بالواقع وتصارع معها حتى غلبها بقوته التي ذاع صيتها في الشرق والغرب، ومنذ ذلك الوقت يطلق على النبع ومجراه نهر "الزير"».

نبع اللبوة

ويضيف: «وفي رواية أخرى سمعتها من جدي الذي عاش نحو 115 عاماً حول جفاف النهر ضمن مجراه في عدة قرى منها "خربة السناسل" و"العصيبة" وصولاً إلى موقع قرب قرية "الضهيرة"، حيث تعود المياه الجارية إلى الوجود ضمن مجرى النهر وصولاً إلى قريتي "الحطانية" و"الفنيتق" بداية الفالق النهري من الجهة الشرقية.

وتقول الرواية إن شيخاً فاضلاً له كرامته عند ربه من أهالي قرية "خربة السناسل" كان في زيارة لأصدقائه في قرية "المرقب"، وحين حاول قطع نهر "الزير" فقد حذاءه ضمن المياه، فدعا ربه بإيقافه ليستعيد حذاءه، فغارت مياه النهر بقدرة الله ولاتزال غائرة في تلك المنطقة من مجرى النهر، لتظهر في الأعلى والأسفل فقط».

مجرى نهر الزير من المنبع إلى المصب

ويتابع المعمّر "عثمان": «المعمّرون في القرى المحيطة يذكرون تماماً أن النبع كان مقصد جميع القرى لتأمين مياه الشرب النقية والدائمة الجريان، حتى إن أغلب النساء في السابق كانت تتم الأعمال المنزلية الخاصة هنا، كالاستحمام والغسل ضمن موقع أسفل النبع حرصاً على نظافته».

وبالنسبة لمجرى النهر وحالة الاستثمار السياحي له، قال "محمد علي" من أهالي قرية "خربة السناسل": «مجرى النهر يمتد من شمال شرق قرية "تعنيتا"؛ أي من قرى قريبة من منطقة "القدموس" كـ"السميحيقة" و"الفنيتق" و"الحطانية"، مروراً بقرى "الضهيرة" و"العصيبة" و"خربة السناسل"، وصولاً إلى "حي القوز" ومدينة "بانياس".

وقد تم استثمار المكان بجوار النبع بإقامة مجموعة من المطاعم والمقاصف الشعبية التي عرفت على امتداد الساحل السوري بنوعية الوجبات التي تقدمها، وهي ما تزال تقدم خدماتها حتى الآن، على الرغم من ضعف الحركة السياحية في الوقت الراهن والمقتصرة على الداخلية.

كما أن المكان هنا موقع مهم لتعلم السباحة، فأغلب الأطفال يتعلمون السباحة هنا نتيجة وجود ما يشبه المسبح الطبيعي دائم المياه، وأذكر أن عدد المصطافين في الذروة قد يفوق الـ500 شخص من مختلف المناطق السورية تقريباً كـ"حمص" و"دمشق" و"حلب"، ومن خارج "سورية" كـ"تركيا" و"السعودية" قبل الحرب على "سورية"».